جامعة دمشق توقف 3 أساتذة عن العمل في انتظار التحقيقات

09 يناير 2025
مبنى كلية طب الأسنان في جامعة دمشق، سورية، 5 يناير 2025 (هشام حاج عمر/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أوقفت جامعة دمشق ثلاثة أساتذة من كليات الصيدلة وطب الأسنان لمدة ثلاثة أشهر لجمع الأدلة في إطار تحقيقات بعد التغيير السياسي في سوريا، بهدف تعزيز الشفافية والنزاهة في البيئة الجامعية.
- أطلقت كلية طب الأسنان رابطًا للطلاب لتقديم شكاوى تتعلق بالمظالم، مع التأكيد على تقديم أدلة واضحة وتجنب المعلومات المضللة، لضمان بيئة جامعية عادلة ومكافحة الفساد.
- تحدث طلاب وخريجون عن فساد وتمييز في الجامعة لصالح أبناء الضباط، حيث كانت تُستخدم كأداة قمعية، مما أثر سلبًا على التعليم وحرم بعض الطلاب من استكمال دراستهم.

أصدرت لجنة تسيير أعمال جامعة دمشق قرارات تقضي بوقف ثلاثة من أساتذتها عن العمل والتدريس لمدّة ثلاثة أشهر، ابتداءً من السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري، وذلك إلى حين الانتهاء من التحقيقات وجمع الأدلة اللازمة. وأتى ذلك بعد نحو شهر من التغيير في سورية، على خلفية إطاحة نظام بشار الأسد. وقد شملت القرارات الأستاذ الجامعي في قسم التأثير والسموم بكلية الصيدلة رشاد مراد، والأستاذ الجامعي في قسم جراحة الفم والفكَّين بكلية طب الأسنان منير حرفوش، والأستاذ الجامعي في قسم طبّ الفم بكلية طبّ الأسنان عمار مشلح. وقد استندت القرارات الصادرة عن رئاسة جامعة دمشق إلى أحكام قانون تنظيم الجامعات رقم 6 لعام 2006، ولا سيّما المادة 104 منه، وقد وُجّهت إلى الجهات المعنيّة لتنفيذها وفقاً للأصول القانونية.

في سياق متصل، أعلنت كلية طبّ الأسنان في جامعة دمشق إطلاق رابط خاص بالطلاب الراغبين في تقديم شكاوى متعلقة بالمظالم أو التجاوزات التي تعرّضوا لها في الجامعة. وأتى ذلك في بيان نُشر أوّل من أمس الثلاثاء، أوضحت فيه الكلية أنّ الهدف من هذه الخطوة تعزيز العدالة والنزاهة ومكافحة الفساد في البيئة الجامعية. وأوضحت الكلية، في بيانها، أنّ تقديم الشكوى يتطلّب التزام التعليمات المتمثّلة بتقديم شكوى مرفقة بأدلّة واضحة، من قبيل الشهود والنصوص المكتوبة والتسجيلات صوتية أو الفيديو، وذلك من خلال طلب رسمي بصيغة "تنسيق المستندات المحمولة" (بي دي إف) موجّه إلى رئيس جامعة دمشق وموقّع من قبل الطالب المعنيّ.

وأشارت كلية طبّ الأسنان في جامعة دمشق إلى أنّ من يقدّم معلومات مضلّلة أو لا صحة لها سيُحال على لجنة الانضباط، مع خضوعه للمساءلة القانونية. وأضافت، في البيان نفسه، إلى أنّ الإساءة والتجريح واستخدام تعابير طائفية أمور ممنوعة، تحت طائلة المحاسبة الصارمة لكلّ من يخالف هذه التعليمات. وأكدت الكلية محاسبة كلّ طالب يثير نقاشات طائفية أو يوجّه اتّهامات مسيئة إلى زملائه، وقد دعت الطلاب إلى الإبلاغ عن أيّ حالات من هذا النوع.

وحذّرت كلية طبّ الأسنان في جامعة دمشق من تورّط الطلاب في تصرّفات غير قانونية مع أحد أفراد الكادر التدريسي أو الفني من دون الإبلاغ عنها، من خلال الرابط المتوافر، إذ إنّ ذلك سيحمّلهم المسؤولية القانونية ويُعَدّون شركاء في المخالفة. وشجّعت الطلاب، وفقاً لما جاء في بيانها، على التصريح بحالات الفساد أو الضغوط غير القانونية التي تعرّضوا لها، مع تأكيد انتهاء عصر التهديد والخوف. وشدّدت الكلية على ضرورة الالتزام الكامل بالتعليمات، وعلى عدم الاستهتار الذي قد يعرّض صاحبه للمساءلة، فيما أملت أن يساهم الإجراء الذي تتّخذه في كشف مواقع الفساد وتعزيز الشفافية، ودعت جميع الطلاب إلى التزام ذلك من دون تردّد من أجل تحقيق بيئة جامعية أفضل.

تفعيل رابط الشكاوى في جامعة دمشق ضرورة

ويحكي أحد طلاب كلية الصحافة في جامعة دمشق، مكتفياً التعريف عن نفسه باسم أحمد، عن "الفساد الذي كانت تشهده الجامعة في ظلّ النظام السابق الذي كان واضحاً للجميع"، ولا سيّما لجهة "المحسوبيات والتمييز لمصلحة أبناء الضباط والمسؤولين". ولا يخفي أحمد، في حديثه إلى "العربي الجديد" بقوله: "لقد عانينا طويلاً من الظلم الذي أثّر بنزاهة العملية التعليمية وبيئة الجامعة بصورة عامة". ويثني على "تفعيل رابط تقديم الشكاوى، إذ يمثّل ذلك خطوة مهمّة نحو تحسين الأوضاع في داخل الجامعة". يضيف أحمد: "شخصياً، لا أنوي التقدّم بشكوى ضدّ أيّ كان، لكنّني أشجّع كلّ من يملك أدلّة أو إثباتات متعلّقة بحالات فساد، سواء أكان مرتكبها أستاذاً جامعياً أم طالباً، على تقديمها عبر الرابط"، مشيراً إلى أنّ "من شأن هذه الخطوة أن تساعد في جعل الجامعة أكثر عدالة وشفافية وتعيد الثقة إلى العملية التعليمية".

عندما تحوّلت جامعة دمشق إلى فرع أمني

من جهته، يتحدّث غياث خبو، أحد خرّيجي كلية الإعلام في جامعة دمشق، عن تجربته بصفته طالباً في الكلية بين عامَي 2011 و2014. ويقول خبو لـ"العربي الجديد" إنّها "كانت في تلك الفترة أشبه بفرع أمني بسبب ممارسات إدارة الكلية وعدد من الأساتذة". يضيف: "لا يمكنني أن أنسى اسم الأستاذة نهلة عيسى التي استمدّت نفوذها من والدها، وهو ضابط برتبة لواء في الجيش السوري (التابع لنظام بشار الأسد). فهي كانت تتلقّى تقارير يومية من طلاب جنّدتهم لمراقبة نشاطات طلاب آخرين وأساتذة في كلية الإعلام. كذلك كانت تعقد لقاءات دورية مع مسؤولين في الهيئة الطالبية، بهدف جمع تقارير تتضمّن أسماء طلاب وموظفين وأساتذة يُشتبه في معارضتهم النظام".

ويبيّن خبو أنّ "محاضرات عيسى لم تكن تعليمية بقدر ما كانت منصّات تطلق من خلالها الإهانات والتخوين. فهي كانت تصرّح علانية بأن لا موقف محايداً؛ إمّا أنت خائن وعميل، وإمّا أنت داعم للدولة السورية وقائدها (بشار الأسد) وجيشها". ويلفت خبو إلى "أضرار" لحقت بأساتذة في كلية الإعلام بجامعة دمشق بسبب تقارير عيسى، قائلاً إنّ "من بين الأساتذة الذين استهدفتهم كمال الحاج وأحمد الشعراوي، إلى جانب آخرين. وقد دفع هؤلاء ثمناً باهظاً لمواقفهم أو لمجرّد أنّه اشتُبه فيهم". ويصف خبو البيئة الجامعية في تلك الفترة بأن "الخوف والترهيب كانا يسيطران على كلّ مفاصل الكلية، الأمر الذي أضعف العملية التعليمية وحوّلها إلى أداة قمع في خدمة النظام".

"حُرمتُ الدراسة لمشاركتي في تظاهرة"

في الإطار نفسه، يروي الطالب السابق في كلية الإعلام بجامعة دمشق شادي السيد تجربته لـ"العربي الجديد"، واصفاً إيّاها بـ"المريرة"، إذ إنّه حُرم استكمال دراسته الجامعية في سنته الثالثة في عام 2011، وذلك بعد مشاركته في تحرّك بالمدينة الجامعية. ويقول السيد: "أعلمني أحد أصدقائي المقربين أنّ اسمي أُدرج في قائمة المطلوبين، وأنا لم أكن أتوقّع أن تجعلني مشاركتي في تظاهرة سلميّة للمطالبة بالحرية والكرامة مطارَداً". يضيف: "تحوّل الجامعة، التي من المفترض أن تكون منبراً للعلم والنقاش الحرّ، إلى مكان يُلاحَق فيه الطلاب لمجرّد تعبيرهم عن آرائهم، مثّل صدمة كبيرة بالنسبة إليّ. وحرماني دراستي كان جزءاً من حملة أوسع استهدفت الطلاب الذين اختاروا الوقوف إلى جانب صوت الحقّ". ويبيّن السيد أنّ تجربته "ليست استثناءً"، إذ عانى زملاء له من ظروف مشابهة على خلفية نشاطهم السلمي في خلال تلك الفترة، "الأمر الذي يعكس حجم التضييق الأمني الذي سيطر على الجامعات السورية في ظلّ نظام (بشار) الأسد".

المساهمون