استمع إلى الملخص
- تتفاوت كلفة الدروس الخصوصية بين 500 و5000 دينار جزائري، ويشير تقرير مجلس المحاسبة إلى تأثيرها السلبي على تحصيل التلاميذ، مما يستدعي تحسين جودة التعليم وتوفير برامج دعم أكاديمي.
- يقترح خبراء تربويون إعادة تنظيم الدروس الخصوصية بدلاً من إيقافها، من خلال وضع ضوابط تضمن تقديم الدعم اللازم دون منافسة المدارس، ومراجعة المناهج وسياسة التوظيف.
تتجه سلطات الجزائر إلى اتخاذ إجراءات وتدابير للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، إذ بدأت إجراء تدقيق ومراقبة لأماكن ممارسة هذه المهنة، بهدف معالجة القضية التي تثير نقاشات حادة في المجتمع التربوي، وتبادل اتهامات بين العائلات والأساتذة بشأن إجبار التلاميذ، خاصة من يدرسون في الصفوف الحاسمة، على تلقي دروس خصوصية مقابل بدل مادي.
وتوصف الظاهرة محلياً بـ"دُروس المستودعات"، إذ يعمد المعلمون إلى استغلال مساحات مثل المستودعات في تقديم الدروس للتلاميذ، كما تعمد بعض المؤسسات المختصة بتعليم اللغات أو أنشطة تربوية مثل تنمية الذكاء وغيرها، إلى استغلال وضعها القانوني لتوفير "خدمة" الدروس الخصوصية للتلاميذ بالاتفاق مع بعض المعلمين.
وتختلف كلفة الدروس الخصوصية بين منطقة وأخرى، وبين مادة وأخرى، وبين أستاذ وآخر. تقول إيناس بوناب لـ العربي الجديد" إن كلفة الحصة الخصوصية التي تضم عدداً من التلاميذ يتجاوز العشرين، والتي تكون مدتها ساعتين فقط، تختلف عن كلفة الحصة ضمن مجموعات صغيرة، وتراوح الكلفة ما بين 500 إلى نحو ألف دينار، وتوجد أيضاً دروس فردية، وقد تصل كلفتها إلى خمسة آلاف دينار (45 دولاراً)، كما يقدّم بعض المعلمين مراجعات شهرية، أو للفصل الدراسي بمبالغ مختلفة تبلغ في المتوسط 1500 دينار.
بدورها، تؤكد أستاذة الفلسفة في ثانوية عميرة أراس بولاية ميلة شرقي الجزائر، كريمة صايفي، لـ"العربي الجديد"، أن "غياب الرقابة أدى إلى ممارسة كثير من المعلمين الدروس الخصوصية، ومن بينهم من يفتقرون إلى الكفاءة العلمية. الأسوأ من ذلك أن الدروس الخصوصية تحوّلت من مجرد مكمّل للعملية التعليمية إلى منافس حقيقي للمدارس، ما جعل التلاميذ يقبلون على الخيار الأسهل، وهو الدروس الخصوصية التي تعوضهم عن ضعف المستوى في المدارس. التبليغ عن هذه الأنشطة غير القانونية يُساعد في الحفاظ على نزاهة النظام التعليمي، وضمان تكافؤ الفرص بين الطلاب، كما يحمي من استغلال الطلاب وأسرهم".
ونشر مجلس المحاسبة (حكومي) تقريراً حول أوضاع قطاع التربية في الفترة من 2015 حتى 2024، حمل عنوان "المدرسة الجزائرية ورهانات الجودة"، كشف فيه عن جملة من التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية، وأبرز نقص ساعات الدراسة، وانتشار الدروس الخصوصية ضمن أهم العوامل التي تؤثر سلباً على تحصيل التلاميذ، وحث التقرير على ضرورة البحث عن حلول جذرية لمواجهة ذلك، سواء عن طريق تحسين جودة التعليم في المدارس، أو توفير برامج دعم أكاديمي لتمكين التلاميذ من الوصول إلى فرص تعليمية متساوية.
تقول المعلمة صباح بودراس لـ"العربي الجديد"، إن "الدروس الخصوصية باتت وسيلة لتحسين المستوى الدراسي وسدّ الفجوات التعليمية، لكنها في الوقت نفسه تساهم في تفاقم تحديات النظام التعليمي، مثل ضعف كفاءة المعلمين بسبب نقص التأهيل، واكتظاظ الفصول، وغيرها من الأمور التي تؤثر سلباً على قدرة الطلاب على الاستيعاب. هذه الظاهرة أدّت إلى تراجع دور المدرسة، وأصبحت الدروس الخصوصية بديلاً غير رسمي للتعليم الحكومي، ما عزّز الفجوة الاجتماعية بين الطلاب. ينبغي العمل على تحسين جودة التعليم داخل المدارس، وتقليص الأعداد في الفصول، وتوفير دعم أكاديمي مجاني للتصدي لتلك الظاهرة المتفشية".
ولا ينكر البعض حاجة فئات من التلاميذ إلى تحسين مستوياتهم الدراسية عبر تلقي دروس خصوصية، نتيجة ظروفهم الخاصة، أو رغبتهم في تحقيق معدلات نجاح أكبر، خاصة من هم بصدد امتحانات مصيرية كالصف التاسع المؤهل إلى المرحلة الثانوية، أو تلاميذ البكالوريا، ويطالب هؤلاء بأن يكون الأساتذة من الخريجين المعتمدين من وزارة التربية أو وزارة التعليم العالي، ما يضمن الالتزام بالمعايير التعليمية، ومصلحة التلميذ، ويمنع استغلال التلاميذ والأهل من قبل أشخاص غير مؤهلين.
في المقابل، يعتقد خبراء تربويون أن مسألة الدروس الخصوصية تحتاج إلى إعادة تنظيم، وأن وقفها نهائياً ليس الحل الأمثل. يقول الخبير التربوي نصر الدين أيهم لـ"العربي الجديد"، إنّ "توقيف الدروس الخصوصية قد تكون له عواقب وخيمة على نتائج التلاميذ في الامتحانات الرسمية، والمسألة يجب أن تعالج داخل النطاق التعليمي وليس خارجه، أي بالرجوع إلى المختصين، وعقد ندوات تجمع الخبراء من أجل إيجاد حلول، كما يجب مراجعة المناهج التربوية التي أصبحت تشكل عبئاًَ على التلاميذ، وتخفيف بعض المواد، إضافة الى مراجعة سياسة التوظيف، وعدم إسناد تدريس المواد إلى أساتذة ليسوا من ذوي الاختصاص". يضيف أيهم: "يمكننا تقنين الدروس الخصوصية من خلال وضع دفتر شروط لاستيعاب التلاميذ الذين يحتاجون إلى دعم، ومعالجة التعثر في اكتساب بعض المعارف المقررة في المناهج، وبهذا تساعد الدروس الخصوصية المدرسة، ولا تصبح منافساً لها مثلما هو الحال حالياً، وأقترح إدراج تخصص الدروس الخصوصية ضمن مجالات المقاول الذاتي، ومنح مهلة للهياكل التي تمارس هذا النشاط لتسوية وضعيتها القانونية".