قبل سنوات قليلة، لم يكن "التوك توك" قد انتشر في لبنان ولم يكن كثيرون قد عرفوه. أمّا اليوم، فقد صار يُستخدم، لا سيّما في خدمات التوصيل، وسط الأزمة الاقتصادية القائمة في البلاد التي أدّت إلى ارتفاع أسعار المحروقات.
والتوك توك الذي ينتشر بكثرة في البلدان الآسيوية، لا سيّما الهند، منذ ستينيات القرن الماضي، هو مركبة بثلاث عجلات تُستخدم هناك كوسيلة للتنقّل بالأجرة. وقد راحت هذه المركبة تُرصد على نطاق واسع في البلدان العربية، لا سيّما في مصر والعراق والسودان، مع بداية الألفية الحالية.
واليوم، تجوب هلا اليمن شوارع مدينة صيدا، جنوبي لبنان، بمركبة توك توك توفّر لها دخلاً إضافياً إلى جانب عملها الأساسي، وذلك بهدف إعالة أسرتها في ظلّ تردّي الأوضاع المعيشية في البلاد. واليمن أمّ لثلاثة أولاد، وهي معيلتهم الوحيدة. الابنة الكبرى في الثالثة والعشرين من عمرها لا تعمل، وهي مصابة بداء السكري وتحتاج إلى رعاية صحية وعلاج دوائي دائم، علماً أنّ أسعار الدواء اليوم تخطت الحدّ المعقول في لبنان. كذلك لا يعمل ابنها الأوسط البالغ من العمر 21 عاماً بشكل ثابت، إنّما يعتني بالأحصنة من دون أن يكون له مدخول مادي يُعتمَد عليه في تأمين احتياجات البيت الضرورية. أمّا ابنها الأصغر فهو يتابع تعليمه في معهد تقني بمدينة صيدا.
تخبر اليمن "العربي الجديد": "لم أتابع تعليمي. وبعد حصولي على البريفيه (شهادة المرحلة المتوسطة) توقّفت عن الدراسة الأكاديمية والتحقت بالتعليم المهني فتعلّمت الخياطة وتصفيف الشعر. لكنّني لم أعمل بهاتَين المهنتَين، لأنّني تزوجت وكنت حينها لا أزال صغيرة".
تضيف اليمن: "وبعد انفصالي عن زوجي، سكنت في بيت أهلي وقد خفّف ذلك عنّي وطأة المصاريف. لكن بعد وفاة أمي، قسم إخوتي الميراث وحرموني من حصتي منه وأجبروني على ترك المنزل. فاضطررت إلى استئجار منزل في منطقة حارة صيدا، شرقي المدينة، لكنّ صاحب الملك يتقاضى الإيجار بالدولار الأميركي، وبدل إيجار بيتي 100 دولار. ولأنّ مدّة عقد الإيجار سنة واحدة، هذا يعني أنّ البدل يرتفع في كلّ سنة، وأنا غير قادرة على الرفض لأنّني أحتاج إلى مسكن".
وتتابع اليمن: "عملت في مصبغة، لكنّني تعبت من ذلك العمل فتركته. وصرت أعمل في التدبير المنزلي لدى إحدى العائلات، من الساعة الثامنة صباحاً حتى الواحدة من بعد الظهر، لكنّني بسبب الضغط المعيشي وارتفاع الأسعار لم يعد ما أتقاضاه يكفيني أنا وأولادي. وبعدما احترت في أمري، رحت أبحث عن عمل آخر. وقد نصحني أولادي وشجّعوني على شراء مركبة توك توك والعمل عليها. وبالفعل، بعت بعض المجوهرات التي كنت أملكها لهذا الغرض. ومنذ ثلاثة أشهر وأنا أعمل على التوك توك خاصتي".
وتشير اليمن إلى أنّها تقود سيارة في العادة، "لكنّ ابني درّبني على قيادة التوك توك التي تختلف عن قيادة السيارة. وقد تخطّيت كلّ الحواجز بتشجيع من أولادي. وهكذا، بفضل عملي على التوك توك تحسّن دخلي نوعاً ما، لكنّ ثمّة صعوبات واجهتني. فثمّة سائقو سيارات أجرة رأوا أنّني أعطّل أعمالهم وأقطع رزقهم، علماً أنّني لا أؤثّر سلباً من خلال عملي على أحد، بحسب ما أظنّ". وتوضح أنّ ركابها هم "من النساء، فأنا أحرص على الابتعاد عن نقل الرجال حتى أبتعد عن الثرثرات كوني امرأة، وحتى لا أتعرّض لأيّ كلام في غير محلّه من قِبل أيّ رجل".
وعن بدل النقل بواسطة التوك توك، تقول اليمن إنّه "أقلّ بكثير من بدل أجرة السيارة. لكن مع ارتفاع سعر البنزين، رفعت البدل، لكنّه ما زال منصفاً للركاب. فهو نصف المبلغ الذي يتقاضاه سائقو سيارات الأجرة، والناس بالتأكيد يفتّشون عن السعر الأرخص".
وتكمل اليمن أنّها لاقت "تشجيعاً كبيراً من قبل مقرّبين منّي في محيطي الاجتماعي. كذلك عندما أكون في الشارع، يحيّيني عدد من الأشخاص، ومنهم من يلتقط لي صوراً وينشرها بصفتي المرأة الأولى في المدينة التي تعمل على توك توك".
ولا تخفي اليمن أنّ "عملي على التوك توك عزّز شخصيتي وقوّاها، وبالتأكيد كان ذلك بتشجيع من أولادي. وأنا أقول لكلّ امرأة: لا عمل معيباً. ويجب على كلّ واحدة منّا أن تخوض تجربة العمل بكلّ تفاصيلها حتى لا تحتاج إلى أحد. فعملها هو السلاح الذي يحميها من الحاجة. فأنا مررت بظروف صعبة جداً، لكنّ عملي هذا مكّنني من تحسين وضعي المادي، وصار في استطاعتي تأمين ما أحتاجه وعائلتي من دون اللجوء إلى أحد".