فرنسا: الكنيسة الكاثوليكية متهمة بالاعتداء على الأطفال

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
05 أكتوبر 2021
ضحايا تحرش الكنيسة
+ الخط -

تعرّض أكثر من 216 ألف طفل لانتهاكات أو اعتداءات جنسية ارتكبها رجال دين كاثوليك في فرنسا بين عامي 1950 و2020، بحسب ما خلصت إليه لجنة تحقيق مستقلة نشرت نتائجها اليوم.

وأوضح رئيس لجنة التحقيق جان-مارك سوفيه، لدى عرضه التقرير أمام الصحافيين، أن هذا العدد يصل إلى "330 ألفاً إذا ما أضفنا المعتدين العلمانيين العاملين في مؤسسات الكنيسة الكاثوليكية" من معلمين في مدارس كاثوليكية وعاملين في منظمات للشبيبة وغيرهم. وأكد أن "هذه الأعداد ليست مقلقة فحسب، بل مروعة وتستدعي تحركاً أكيداً".

واحتسبت هذه الأعداد نتيجة تقدير إحصائي يضم هامش خطأ قدره 50 ألف شخص على ما أوضح سوفيه الذي تولى رئاسة اللجنة عام 2018. أضاف أن الكنيسة الكاثوليكية أبدت "حتى مطلع الألفية لامبالاة عميقة لا بل قاسية حيال الضحايا. وبين 1950 والعقد الأول من الألفية، لم يتم تصديق الضحايا أو الإصغاء إليهم واعتبروا أنهم ساهموا بطريقة أو بأخرى بما حصل لهم".

وعرض سوفيه نتائج التحقيق أمام مجمع الأساقفة الكاثوليك في فرنسا والرهبانيات ومسؤولين عن جمعيات ضحايا. وأعربت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية عن شعورها بـ "العار والهول" بعد صدور التقرير طالبة "الصفح" من الضحايا. وقال رئيس مجمع أساقفة فرنسا المنسنيور إريك دو مولان بوفور: "أود في هذا اليوم أن أطلب منكم الصفح، أطلب الصفح من كل واحد وواحدة". ونددت اللجنة التي تتألف من 22 عضواً بظاهرة "نُظمية" منتشرة جداً في الكنيسة، واقترحت "الإقرار بمسؤولية الكنيسة"، بالإضافة إلى تعويض مالي لجميع الضحايا.

بابا الفاتيكان تعليقاً على الاعتداءات الجنسية: حزن عميق بسبب هذه الحقيقة المروعة

من جانبه، أعرب البابا فرنسيس، الثلاثاء، عن "حزنه العميق" بعد نشر تقرير التعديات الجنسية على الأطفال في الكنيسة الفرنسية التي "أدركت هذه الحقيقة المروّعة"، وقال المتحدث باسم الفاتيكان، ماتيو بروني، أمام صحافيين، أن البابا "يتضامن في المقام الأول مع الضحايا، مع حزن كبير لجراحهم، وامتنان لشجاعتهم على التنديد بذلك. يتضامن أيضاً مع الكنيسة الفرنسية، بهدف أن تتمكن، بعدما أدركت هذه الحقيقة المروّعة، (...) من سلوك طريق التوبة".
وقال بروني: "تبلغ البابا بصدور تقرير لجنة التحقيق المستقلة حول التعديات الجنسية على الأطفال في الكنيسة الفرنسية، بمناسبة لقاءاته في الأيام الأخيرة مع أساقفة فرنسيين (...) واطلع بألم على محتواه"، وختم بالقول: "بصلواته، يعهد البابا إلى الربّ شعب الله الموجود في فرنسا، وخصوصاً الضحايا، كي يمنحهم الراحة والمواساة، وكي تتحقق مع العدالة، معجزة الشفاء".
وأعرب رئيس مجمع أساقفة فرنسا، المونسنيور إريك دو مولان بوفور، عن شعوره بـ"العار والهول"، طالبا "الصفح" من الضحايا.

ويأتي الكشف عن هذه القضية بعد توالي تقارير عدة عن مشاكل داخلية تواجهها الكنيسة الكاثوليكية في عدد من الدول. إلا أنها من المرات النادرة التي تبحث فيها فرنسا بعمق هذه القضية الشائكة، وخصوصاً جرائم الاغتصاب التي لم تؤد إلى محاكمة وطرد ممارسيها. 

ويوضح القائمون على البحث أن نحو 216 ألف (تشير صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن الرقم يتصاعد إلى 330 ألف) طفل تعرضوا للإيذاء والاغتصاب، ومارس بعض الكهنة أسوأ معاملة بحق الضحايا، ووصل الأمر إلى التعذيب والاسترقاق، وهو ما أشارت إليه محطة "إل سي آي" التلفزيونية الفرنسية.

كما يشير التقرير إلى أن ما بين 2900 و3200 كاهن وقس كانوا جزءاً من تلك الممارسات المثيرة للجدل، مع توالي الكشف عن محتويات التقرير وشهادات الضحايا الذين أصبحوا اليوم بالغين ويعانون صدمات نفسية نتيجة ما علق في ذاكرتهم من طفولتهم. ويصعب نقل بعض الشهادات لما تحتويه من لغة وقسوة. 

ويندّد الباحثون وعدد من المؤسسات التي تعنى بظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال بما سموه "الفشل في التعاطي مع الجرائم المرتكبة من قبل الكنيسة، التي فضلت لوقت طويل إغلاق عيونها"، بحسب ما نقل موقع تلفزيون "إل سي آي". 

ويُتوقّع أن يحدث التقرير صدمة في أوساط الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا، وفي الشارع، وخصوصاً بعد توثيق شكوك متداولة في تقرير شمل فترة زمنية تمتد لنحو 6 عقود. والإعلان عن التقرير جعل وسائل إعلام فرنسية تتجه للاستماع إلى الضحايا، الذين كان الخبراء قد استمعوا إلى شهاداتهم حول انتهاكات لطالما بقيت "سراً لكن يجري توثيقها الآن".

وفي بعض الشهادات، أفاد الضحايا (البالغون اليوم) عن تعرّضهم لضرب مبرح من قبل بعض القساوسة. وقال البعض إنّه كان صعبا عليهم تصديق ما يجري معهم على يد شخص كان من المفترض أن يعلّمهم الإيمان الكاثوليكي، قبل أن يكتشفوا أنهم لم يكونوا الوحيدين الذين قد تعرضوا لاعتداءات مماثلة"، كما نقلت  محطات تلفزيونية من بينها "فرانس 3" و"آر تي أل" بالفرنسية.  

أحد الضحايا، ويدعى جان رينيه (61 عاماً)، تحدث للصحافة الفرنسية، ومن بينها صحيفة "إكسبرس"، عن تجربته القاسية، قائلاً إن ما يجري كان ممنهجاً. يضيف أن "الكهنة كانوا يشجعون القساوسة على الاعتداء جنسياً على الأطفال. كان هناك نظام يغطي ما حدث. عندما يكون الكاهن شيطانياً، ينقل إلى مكان عمل جديد". 

وكانت السنوات الأخيرة قد كشفت عن حالات مروعة في استغلال الأطفال، قبل أن يسمح قبل عامين بتشكيل لجنة تعمل بشكل مستقل للإجابة عن ثلاثة أسئلة وهي: كم عدد الأطفال المستضعفين الذين وقعوا ضحايا الاعتداء الجنسي بين عامي 1950 و2020؟ كيف تم التعامل مع هذه القضايا؟ وماذا فعلت الكنيسة خلال السنوات العشرين الأخيرة لتجنب الاعتداء الجنسي على الأطفال؟

وبحسب معدي التقرير، فإن الإجابات ليست في مصلحة الكنيسة، وخصوصاً أنها لجنة وجهت نداءً للضحايا في جميع أنحاء فرنسا للاستماع إلى شهاداتهم. 

في هذا الإطار، تنقل وسائل إعلامية فرنسية عن رئيس جمعية "حرية التعبير"، المعنية بضحايا الاستغلال الجنسي للأطفال، فرانسوا ديفو، وهو نفسه أحد الضحايا، اتهامه للقائمين على الكنيسة الكاثوليكية على التراب الفرنسي بقوله "جميعكم متواطئون". 

الكنيسة الفرنسية تعرب عن أسفها البالغ بعد تقرير الاعتداءات الجنسية

وأعربت الكنيسة، تزامناً مع تسليم نتائج لجنة تقصي الحقائق حول الجرائم الجنسية، عن أسفها البالغ وطلب المغفرة لما جرى. ويقدم التقرير اقتراحات حول كيفيّة تمكن الكنيسة من الحد من جرائمها. كما يقترح معدو التقرير تقديم تعويضات مالية للضحايا من خلال صندوق مخصص للغاية، وهو أمر عقب عليه ديفو باعتباره "تصرفاً قليلاً جداً... كل شيء قليل جداً"، بحسب ما نقلت "لوموند". 

وكانت السنوات الأخيرة قد كشفت عن انتهاكات شبيهة في أوساط الكنيسة الكاثوليكية، طاولت حتى أروقة الفاتيكان، وخصوصاً تلك التي اتهمته باتباع تعتيم كنسي لعقود، قبل أن تنفتح على مناقشة لب المشكلة في أوساط الكهنة والقساوسة. ويتسع نطاق الانتهاكات من الولايات المتحدة إلى الدنمارك وألمانيا وأيرلندا، والآن فرنسا. ومن المتوقع صدور تقرير بولندي عن الظاهرة.  

ووعد رأس الكنيسة في الفاتيكان، البابا فرانسيس، مراراً وتكراراً بمواجهة آثار الماضي المروعة، وربما ينتظره المزيد من التوضيحات حول ما ستفعله الكنيسة مستقبلاً للانتهاء من هذه المعضلة المتكررة. 

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
تطالب جمعيات رعاية الحيوان بتعامل رحيم مع الكلاب (فريد قطب/الأناضول)

مجتمع

تهدد "كلاب الشوارع" حياة المصريين في محافظات عدة، لا سيما المارة من الأطفال وكبار السن التي تعرّض عدد منهم إلى عضات استدعت نقلهم إلى المستشفى حيث توفي بعضهم.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
جنديان إسرائيليان يعتقلان طفلاً في الضفة الغربية (حازم بدر/ فرانس برس)

مجتمع

بالإضافة إلى الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن التنكيل بالضفة الغربية، فيعتقل الأطفال والكبار في محاولة لردع أي مقاومة
المساهمون