ساعات طويلة مرت ثقيلة على عائلة الشهيد الفلسطيني محمد جبريل رمانة، بعدما أطلق جيش الاحتلال النار عليه برفقة صديقه. كانت الأعصاب مشدودة والأجواء متوترة، فالمعلومات الأولية تشير إلى إصابة أحدهما بجراح خطيرة، والآخر بجراح طفيفة، ليضاعف شحّ المعلومات ومنع وصول الإسعاف إليهما التوتر، حتى وصل الخبر بإعلان استشهاد أحدهما مساء أول من أمس الجمعة.
يقول والد الشهيد محمد رمانة (18 عاماً) من مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين جنوب مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، جبريل رمانة، لـ"العربي الجديد": "وضعت بمخيلتي فرضيات عدة، وصرت أفكر إن كان ابني هو المصاب بإصابة خطيرة.. وماذا لو استشهد؟".
والد الشهيد: كلنا جنازات مؤجلة
يتابع رمانة: "لسنوات كنت أسأل آباء وأمهات الشهداء كيف تستطيعون الصبر؟ وتذكرت هذا السؤال ووضعت نفسي في هذه الحالة، قبل أن يصلني خبر استشهاده، وصرت أسأل نفسي ماذا سأفعل إن استشهد، وهيأت نفسي وقررت أنني سأشكر الله وأحتسب ابني شهيدا، وربط الله على قلبي حين وردني الخبر، فكلنا جنازات مؤجلة، وهو ليس بأفضل من باقي الشهداء".
وأنهى محمد عامه الثامن عشر في الرابع عشر من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وكان قد أنهى الثانوية العامة العام الدراسي الماضي، كما تؤكد شقيقته منة الله لـ"العربي الجديد"، وقرر أن يؤجل فصلا دراسيا من الجامعة، لأنه كان يريد السفر لدراسة تصميم الديكور في الخارج.
أمنية الشهيد رمانة تلك لم تكن الوحيدة، فقد نازعتها أمنية أخرى بأن يلحق بالشهداء الذين أحب أن يتناقل سيرهم ويتابع أخبارهم، إذ تؤكد منة الله أنه كان يقول إن لم يستشهد فسيسافر للدراسة، لكنه كان متعلقا بحب الشهادة كثيرا، ورد على أمه حين قالت له: "دعني أراك عريسا قبل ذلك"؛ بأنه لا يريد، ولطالما طلب من شقيقته في أحاديثهما ألا تبكي إن استشهد، مؤكدة أن غرفته مليئة بصور الشهداء الفلسطينيين.
ويروي والده أنه رأى محمد أكثر من مرة وهو يبكي، وسأله عن ذلك فأجاب: "أشعر كأن الله غير راضٍ عني، فهو لم يخترني شهيدا".
وتروي منة الله أن شقيقها أنشأ صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم "أبطال فلسطين"، لينشر سيرهم وصورهم وأخبارهم التي كان يتابعها أولا بأول، وحينما كانت تسأله عن أي شهيد كان يجيب فورا.
ويصف جبريل رمانة ابنه بالقول: "كان متدينا، ابنا للقوى والفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية"، متمنيا أن يجسد استشهاده الوحدة الوطنية، مضيفا: "كان محمد يرفض الاحتلال ولا يحبه، كان يتأثر حين يستشهد أحد الشبان، ويتساءل "لماذا لم يخترني الله؟"، كان محبا للوطن ومتابعا دائما للأخبار".
وكانت حركة "حماس" قد نعت محمد جبريل رمانة، كأحد شهدائها في بيان رسمي أمس الأول الجمعة، بعد وقت من استشهاده.
الاحتلال يفضل القتل على الاعتقال
يصف جبريل طريقة استشهاد ابنه بأنه "قتل بدم بارد" على يد جنود الاحتلال، قائلا إنه "كان بالإمكان أن لا يقتله جنود الاحتلال، لكنهم تعودوا على إراقة الدم الفلسطيني بسهولة".
ويكرر ذلك فرج رمانة، عم الشهيد، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الاحتلال كان باستطاعته اعتقال ابن شقيقه، وتحدث عن بعض التفاصيل التي وردت إليه، فقوات الاحتلال، كما يقول، كانت تنصب كمينا للشبان قرب مستوطنة "بساغوت" المقامة على أراضي منطقة جبل الطويل في مدينة البيرة، وهي غير بعيدة من مخيم الأمعري للاجئين مكان سكن رمانة.
يقول فرج رمانة: "إن الشبان ألقوا زجاجات حارقة، وكان بالإمكان إصابة ابن شقيقه برجليه واعتقاله، لكن جنود الاحتلال قصدوا تصفيته.. ما ورد للعائلة أن الاحتلال منع وصول الإسعاف لتقديم العلاج له، وهو ما أكدته كذلك جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث منع جيش الاحتلال طواقمها من الوصول إلى المكان لإسعاف المصابين".
احتجاز الجثمان
أما عن رغبة محمد وجيل الشباب الفلسطيني الصغير في الاستشهاد، فيقول فرج رمانة: "إن على العالم، وخصوصا دولة الاحتلال، أن تدرس هذه الظاهرة"، التي وصفها بـ"العجيبة". وتابع: "في الآونة الأخيرة هناك تهافت من هذا الجيل اليافع نحو الشهادة، وعدم التفاته إلى حقيقة أنه سيخسر حياته (..) على الجميع أن يدرس هذه الظاهرة".
ووفق عم الشهيد "كان من الواضح من منشورات محمد على مواقع التواصل أنه عشق الشهادة، لكن لا يمكن أن نتفطن إلى معاني تلك المنشورات في حينها، إلا الآن بعد أن التحق بالشهداء".