استمع إلى الملخص
- تقع فقوعة بمحاذاة الجدار الفاصل وتواجه اعتداءات إسرائيلية مستمرة تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، حيث سجلت مئات الاعتداءات منذ أكتوبر الماضي، مما أدى إلى استشهاد 19 مواطناً وإصابة مئات آخرين.
- فقدت فقوعة معظم أراضيها بعد الاحتلال عام 1948، وتشتهر بزراعتها التقليدية، وتظل رمزاً للنضال الفلسطيني، مقدمةً أكثر من 40 شهيداً وشهيدة.
غدر الاحتلال الإسرائيلي بمن سمح لهم بقطف الزيتون من أهالي قرية فقوعة في جنين، لتسقط حنان أبو سلامة أول شهيدة للزيتون.
بعد عام من حرمانها دخول أرضها الواقعة قرب جدار الفصل العنصري المقام على أراضي قريتها فقوعة شرقي جنين شمالي الضفة الغربية، تمكنت الفلسطينية حنان عبد الرحمن أبو سلامة (59 عاماً) من دخول أرضها برفقة عائلتها وأهالي القرية، بعد حصولهم على تنسيق لدخولها. لكنها لم تكن تعلم أن رصاص الاحتلال الإسرائيلي سيصيبها وتستشهد صباح الخميس (17 أكتوبر/ تشرين الأول)، ثم تصبح أول شهيدة من النساء خلال موسم الزيتون منذ سنوات طويلة.
يروي نجل الشهيدة فارس أبو سلامة، في حديثه لـ "العربي الجديد"، تفاصيل تلك اللحظات الأليمة، قائلاً: "لم نتوقع قط أن يحدث ما جرى مع والدتي. كان الأهالي قد حصلوا على تنسيق لدخول أراضيهم لقطف الزيتون، بعدما أبلغ الارتباط المدني الفلسطيني المجلس القروي، وصباحا توجهنا لأراضينا، وفجأة بدأت قوات الاحتلال بإطلاق النار على المزارعين من دون أي إنذار، وغدرت بنا". يضيف: "ذهبنا هذا العام ونحن نشعر بالسعادة لأننا أخيراً سنتمكن من دخول أراضينا بعدما منعنا العام الماضي من ذلك، بسبب إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي".
توجه فارس برفقة شقيقه ووالديه وأهالي قرية فقوعة إلى أراضيهم، وقضوا بضع ساعات في قطف الزيتون حتى مرت دورية عسكرية إسرائيلية قربهم من دون حدوث أية مشكلة. بعد ذلك، وفي حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم الخميس، جاءت دورية أخرى وبدأت فجأة إطلاق النار الحي على المزارعين. وخلال هذه اللحظات العصيبة، قررت العائلة مغادرة الأرض حفاظاً على حياتها. وأثناء الانسحاب، أصيبت حنان برصاصة في ظهرها وسقطت على الأرض بين حقول الزيتون، بينما نجا ابنها.
رغم إصابة حنان، واصلت قوات الاحتلال إطلاق النار، ما صعّب على العائلة عملية نقلها بسرعة إلى المستشفى. ورغم الجهود الحثيثة التي بذلها الأطباء لإنقاذ حياتها، أعلنت العائلة استشهادها لاحقاً. فارس يتحدث بمرارة عن الغدر الذي تعرض له مع وعائلته، موضحاً أن المجلس القروي قد أبلغهم بالتنسيق المسبق مع الارتباط المدني الفلسطيني لدخول الأراضي، وقد سمح لهم بالوصول إلى مسافة 100 متر من الجدار، لكنهم ابتعدوا مائتي متر. مع ذلك، استهدفهم جيش الاحتلال بالرصاص الحي، ما أدى إلى إصابة والدته ثم استشهادها.
في شرق مدينة جنين وبإطلالة على غور بيسان، تقع قرية فقوعة بمحاذاة الجدار الفاصل، حيث تتواجد معظم أراضيها الزراعية في الجهتين الشمالية والشرقية. ومنذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، تعرضت قرية فقوعة والمزارعون فيها لموجة جديدة من التحديات، ولم يتمكنوا من قطف ثمار الزيتون أو حراثة أراضيهم كما كانوا يفعلون كل عام، بعدما حالت الأوضاع الأمنية واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي دون ذلك، كما يوضح الناشط المجتمعي مفيد جلغوم لـ "العربي الجديد".
وحول حادثة استشهاد حنان أبو سلامة، يوضح مفيد أن الارتباط المدني الفلسطيني أبلغ المجلس القروي في فقوعة، وبعد التنسيق مع الجانب الإسرائيلي للسماح للمزارعين بالعودة إلى أراضيهم وجني محاصيلهم، أعلن عن هذا التنسيق عبر الصفحة الرسمية للمجلس، ليقرر المزارعون الذهاب، لكن سرعان ما تحول هذا الأمل إلى كابوس عندما أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار بشكل مقصود على المزارعين، رغم غياب أية مواجهات. ويؤكد جلغوم أن ما حدث كان غدراً واضحاً للمزارعين العزل الذين توجهوا إلى أراضيهم بسلام لكنهم غادروها بعد إطلاق النار عليهم واستشهاد حنان التي شيع جثمانها، وألقت عائلتها نظرة الوداع الأخيرة على جثمانها، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة القرية.
منذ سنوات طويلة، لم تستشهد امرأة فلسطينية خلال موسم الزيتون، كما يوضح مدير عام الإدارة العامة للتوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داود، في حديث لـ "العربي الجديد". ويؤكد أن حنان أول امرأة فلسطينية تستشهد برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال موسم الزيتون منذ سنوات طويلة.
وبحسب داود، فإن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان سجلت منذ بداية موسم الزيتون هذا العام، عشرات الاعتداءات من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين، تشمل الضرب المبرح، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، عدا عن التهديدات ومصادرة المحاصيل واقتلاع وحرق أشجار الزيتون. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، رصدت الهيئة نحو 2600 اعتداء من قبل المستوطنين، أسفرت عن استشهاد 19 مواطناً وإصابة مئات آخرين.
يشار إلى أن فقوعة التي تبلغ مساحتها 30 ألف دونم، تم الاستيلاء على 20 ألف دونم من أراضيها بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وبقي منها 10 آلاف دونم، تضم الأراضي الزراعية والمباني التي يعيش فيها أهالي القرية. ويبلغ عدد سكان فقوعة حوالي 5 آلاف نسمة، وتضم نسبة كبيرة من اللاجئين الذين نزحوا من قرية الجوفة في سهل بيسان المحتلة عام 1948.
تشتهر فقوعة بزراعتها التقليدية التي تشمل الزيتون والتين الشوكي المعروف محلياً بـ"الصبر"، بالإضافة إلى سوسنة فقوعة الشهيرة، وهي من النباتات النادرة التي تنمو في المنطقة وتعد رمزاً للقرية على مستوى فلسطين. وتقع فقوعة في موقع استراتيجي يطل على غور بيسان، ما جعلها هدفاً دائماً للاحتلال وميداناً للنضال منذ ثورة عام 1936. وعلى مر سنوات الاحتلال الإسرائيلي، يوضح مفيد أن فقوعة قدمت أكثر من 40 شهيداً وشهيدة، بالإضافة إلى عشرات الأسرى والجرحى، وعدد من المبعدين عن أرضهم إلى خارج فلسطين.