خلفت الحرب السورية مآسي مروعة بكل تفاصيلها، طاولت مدنا وبلدات وعائلات بأكملها، وشكلت تلك المآسي رحلة نزوح لا تنتهي وانقلابا في حياة الكثير من السوريين، الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها، إما مصابين مع إعاقات دائمة، أو فاقدين لذويهم، كحال محمد حبوب.
محمد حبوب، انقطعت به السبل بعد أن دمر الطيران الحربي التابع للنظام السوري منزله في قرية شلّخ شرقي محافظة إدلب، شمال غربي سورية، إذ أدى القصف إلى إصابة ابنه فيصل بشلل نصفي جراء الغارة الجوية التي طاولت المنزل، وإثرها، اضطر محمد إلى بدء رحلة نزوح مع عائلته نحو مخيم "الأندلس" قرب قرية زردنا، شرقي إدلب.
ظن حبوب أنه نجا من الأضرار التي لحقت به في قصف منزله، لكنه تعرض بعد النزوح لحادث سير أصابه بشلل في القسم الأيسر من جسمه وأفقده بصره، ما جعله حبيس خيمة النزوح، دون إعالة ولا مردود، له ولعائلته، سيما أنه كان المعيل الوحيد لأكثر من عشرة أفراد، فقد كان في السابق صاحب بقالة في قريته يعيش من خلالها هو ووالداه وزوجته وأطفاله الخمسة، بالإضافة لمساعدة عائلة أخيه المفقود منذ تسع سنوات، وأخيه الكفيف الآخر.
يقول محمد لـ"العربي الجديد": "الحياة قاسية جداً هنا.. لا أستطيع العمل ولا يوجد أي نوع من المساعدات الإنسانية، وأطفالي الخمسة ليس لهم ذنب فيما يحصل، خاصة ابني فيصل المصاب بالشلل، لا يوجد أي جهة ترعاه، ولو كنت بصحتي وعافيتي لم أكن بحاجة لأي أحد".
يضيف: "أقف عاجزا عن العمل وإعالة عائلتي، وحياة الخيام صعبة للغاية ومخاطرها كثيرة، فقد تعرضت خيمتي لحريق في العام الماضي واحترق معظم الأثاث".
حال حبوب كحال مئات آلاف السوريين الذين يعيشون ظروفا إنسانية صعبة، في ظل خيام لا تعزلهم كثيرا عن تغيرات الطقس، ومساعدات إنسانية شحيحة لا تراعي الحالة الصحية والاجتماعية لدى سكان المخيمات، فضلا عن انعدام المؤسسات التي تهتم بشؤون ذوي الإعاقة، والمكفوفين على وجه التحديد.
نزوح وفقر في المخيمات السورية
لم تنته رحلة حبوب مع النزوح والمعاناة، فما زال نازحا في خيمته، معتمدا بشكل رئيسي على ما يصل إليه من مساعدة مادية، وهي عبارة عن تبرعات خجولة، يحيطه وعائلته اليأس فليس باليد حيلة لفرصة عمل أو أي نشاط يمارسه لتأمين مدخول مادي يساعده على مواجهة قسوة حياة في المخيمات.
تضاعف حالة اليأس لدى محمد حبوب مع ارتفاع نسبة البطالة في شمال غربي سورية، خاصة عندما يتذكر حبوب وولده أن إعاقتهما سترافقهما مدى الحياة، بحسب الأطباء الذين أشرفوا على علاجهما.
في إحصاء أصدرته الأمم المتحدة في مارس/ آذار عام 2018، فإن حوالي أكثر من 1.5 مليون سوري يعيشون مع إعاقات دائمة نتيجة الحرب، بمن في ذلك 86 ألف شخص فقدوا أطرافهم.
هذه الإحصائية الرسمية التي كانت منذ قرابة ستة أعوام، تم تحديثها بشكل تقريبي من قبل منظمات محلية ومطلعين على وضع ذوي الإعاقة، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 2.5 مليون سوري بات لديهم إعاقة دائمة اليوم نتيجة إصابات الحرب المستمرة، والكثير منهم يعيشون ظروفا مأساوية في مخيمات النزوح.
والعام الماضي، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن ما بين 10% إلى 15% من الإصابات في سورية تتحول إلى حالات إعاقة دائمة أو بتر للأعضاء.
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، قدر في العام 2020 بأن 36 في المائة من النازحين السوريين هم من ذوي الإعاقة، الذين فروا من المناطق التي شهدت قصفا مركزا وعمليات توغل لقوات النظام وروسيا ومليشيات إيران، لا سيما شمال غرب سورية، أي إدلب ومحيطها وريف حماة وريفي حلب الجنوبي والغربي، وبعض مناطق شمال شرقي سورية.