الحروب والأوبئة في السودان

22 فبراير 2024
تحضر مواد لإبعاد الحشرات التي تنشر حمى الضنك في القضارف (إبراهيم حميد/ الأناضول)
+ الخط -

إنها الحرب في السودان التي يختفي فيها أنين المرضى تحت أصوات القصف، وتسود جلجلة آليات الموت والدمار. وتتوقف عمليات الوقاية من الأمراض، وتتدمّر المستشفيات، وتتحول إلى ثكنات عسكرية توزع الموت بدلاً من الحياة، ولا يجد المرضى فيها إلا خيار أن يموتوا، حتى إنه قد يُطلب منهم أن يفعلوا ذلك بصمت. عام 2001 كنت أقود حملة توعية بيئية لسكان القرى المتاخمة لمحمية الدندر القومية جنوب شرقي السودان. كانت عشرات القرى قد نبتت فجأة إثر الموجات الكبيرة للنزوح البيئي من غربي البلاد وعبر الحدود الغربية بسبب الجفاف الذي ضرب هذه النواحي. جاءت عشرات الأسر إلى آخر المعاقل الغنية بيئياً، ونقلت معها ما تبقى لديها من مواشٍ وعافية بدنية. واقتطعت بعضها مساحة للزراعة في مكان النزوح، واهتمت أخرى برعاية المواشي، وعملت بعضها في مشاريع للزراعة المطرية التي تمددت إلى الغابات والمراعي والمسارات الطبيعية، كما مارست أخرى نشاطات هددت المحمية القومية بينها الاحتطاب وجمع العسل وصيد الأسماك في بحيرات محمية، ما جعل الحملة تهدف إلى الحماية والتطوير. 
وتصادف أن معسكر فريق الحملة وجد قرب مستشفى (أم كراع) لمرض الكلازار الذي شيدته وأشرفت على تسيير أعماله منظمة "أطباء بلا حدود"، قبل أن تصدر الحكومة التي لا تفرق بين العمل الصحي والاستخباراتي قرار طرد المنظمة ضمن قائمة المنظمات غير المرغوب بوجودها حين كنا نتوغل كل يوم في الحصار الدولي.

موقف
التحديثات الحية

في الصباح كنا نحصي الصرخات الليلية التي تعلن إضافة وفاة مرضى جدد هم غالباً ممن كانوا يصلون إلى المستشفى بعد أن يكون المرض قد استفحل بهم. وكنا نلتقي خلال تطوافنا بالقرى فرق الدراسات والبحوث، وعاملين في مجال الوقاية والإرشاد.
الكلازار مرض مداري يغطي مساحة جغرافية واسعة من جنوب ولاية القضارف حيث تعتبر البيئة خصبة لتوالد الذباب الذي ينقل المرض. وهذا المرض يستفحل في السودان حالياً في ظل توقف عمليات الوقاية والنقص الحاد في الأدوية ومنع الحرب الوصول إلى المناطق الموبوءة، والحرمان من المنظمات الأجنبية، التي تعمل في التطبيب والوقاية. ورغم أن صوت الحرب هو الأعلى إعلامياً حالياً تتحدث الأنباء عن انتشار حمى الضنك في القضارف، وأمراض بيئية ينقلها الذباب والحشرات حتى في العاصمة المؤقتة بورتسودان، كما هي العادة عند بداية هطول أمطار شتاء، وزاد الوضع سوءاً تراكم النفايات وضعف خدمات الإصحاح البيئي، ولم تجد السلطات إلا حلّ استخدام طائرات لرش مبيدات تثبت دراسات أنها لا تحقق إلا نسبة 15 في المائة من هدف القضاء على الحشرات، في حين تبقى الآثار المدمرة للمبيدات لدى أصحاب الأمراض الصدرية والنظام البيئي بكامله.
متى تتوقف الحرب لنحصي ما حدث للبيئة من دمار، ونبدأ الإعمار؟
(متخصص في شؤون البيئة)