قرّر سليمان عراعرة (65 عاماً) تزويج ثلاثة من أحفاده خلال العام الحالي، لكنه لا يعرف حتى الآن كمختار لتجمع "المهتوش" البدوي في منطقة الخان الأحمر، شرق القدس المحتلة، كيف سيتدبر أمر سكنهم، بسبب الملاحقات الإسرائيلية لأي إضافات جديدة على المنشآت البدوية.
يقول عراعرة، لـ"العربي الجديد"، إنه محتار بين تدبر الأمر داخل التجمع بطريقة ما، وبين انتقال أحفاده إلى إحدى القرى الفلسطينية شرق القدس. فمنذ عام 2016، تعني إقامة أيّ منشأة بدوية، على بساطتها، كالخيام أو بيوت الصفيح، الهدم الفوري، كما حصل لبيت له سابقاً، وبيت ابنه في عام 2016، والذي هدم بعد زفاف الأخير بأسبوع واحد فقط.
تهيئ سلطات الاحتلال الأحوال في منطقة الخان الأحمر، بما تحويه من عدد من التجمعات البدوية، للترحيل
الهدف كما يشرح عراعرة تهيئة الأحوال في منطقة الخان الأحمر بما تحويه من عدد من التجمعات البدوية، للترحيل، وهي خطة إسرائيلية تبينت ملامحها بشكل واضح له في عام 2009، حين عرض الاحتلال عليهم تجميعهم في أماكن محددة ومحصورة. ومن بين المقترحات كما يروي، منطقة النويعمة في أريحا شرق الضفة الغربية، والمنطقة التي باتت معروفة ببوابة القدس قرب بلدتي العيزرية وأبو ديس شرق القدس.
تكرار النكبة
منذ سنوات عدة، يحاول الاحتلال تكرار التهجير والترحيل اللذين لاحقا هؤلاء البدو في عام 1948، عام نكبة فلسطين، والأعوام التي لحقتها، وتهجيرهم من النقب إلى مناطق داخل وخارج فلسطين.
ومن هذه المناطق، منطقة الخان الأحمر، التي يسعى الاحتلال إلى تهجير عشرات التجمعات البدوية فيها، للسيطرة على أراضيها الواسعة، لتطبيق مخططات استيطانية أهمها مخطط "إي 1"، والقدس الكبرى، عبر إقامة امتداد استيطاني يصل بين القدس والبحر الميت، وهو ما يشابه أهداف السيطرة على الأراضي الواسعة في النقب بعد النكبة، وكذلك ترحيل البدو من الأغوار الفلسطينية شرق الضفة، ومسافر يطا جنوب الخليل وغيرها من أماكن انتشار البدو.
عاش والد سليمان عراعرة وأسرته في منطقة تل عراد ببئر السبع جنوب فلسطين، قبل النكبة، وطاولهم ما طاول "عرب الجهالين"، القبيلة الكبرى، من تهجير في عام النكبة.
ويروي عراعرة أنه استمع إلى والده عن تلك الحقبة، فهجمات العصابات الصهيونية أثّرت على البدو كغيرهم، وخصوصاً أنها طاولت حرق خيامهم، واستشهاد أحد أفراد "عرب الجهالين".
خرجت عائلة عراعرة كما يروي، من تل عراد مباشرة إلى الضفة الغربية، وتحديداً شرق الخليل وبيت لحم. لم تكن حينها أي أشكال من الحدود موجودة بين تلك المناطق. بعضهم استطاع أخذ خيامهم وبعض مقتنياتهم، وبعضهم خرج من دونها، لكن الجميع أخرج معه "الحلال" كما يقول، وهو المصطلح البدوي الذي يدل على الثروة الحيوانية، فمن دون "الحلال"، كما يشرح، لا يستطيع البدوي أن يعيش.
البحث عن مقومات الحياة على وقع التهجير
لم تجد عائلة عراعرة مقومات حياة جيدة في المناطق التي وصلت إليها أولاً، فظلت تتنقل حتى استقرت شرق القدس بين عامي 1950 و1951، فكانت منطقة الخان الأحمر مكاناً مناسباً للرعي والعيش، لوجود مصادر المياه مثل عين فارة وعين الفوار وعدد من الآبار، وكانت القدس بمثابة سوق جيّدة لمنتجاتها من الثروة الحيوانية من ألبان وأجبان.
لاحق التهجير البدو في عام 1967 إثر النكسة مرة أخرى، وانقسم "عرب الجهالين" مرة أخرى إلى قسمين: الأول نزح إلى الأردن، والباقي ظلّ في مكان سكنه شرق القدس، وبعضهم عاد قبل أن يقطع الحدود الأردنية بعد انتهاء حرب 1967.
يقول سليمان إن عدد أبناء عمومته في مناطق مختلفة من الأردن أكثر منهم في الضفة الغربية. ومن بقي شرق القدس بات ملاحقاً مرة أخرى.
الاحتلال يمنع توسعة البناء حتى في التجمعات البدوية التي لا إخطارات رسمية بإزالتها وترحيلها بشكل كامل
ويشرح سليمان أن عام 1978 الذي جرى فيه توقيع اتفاقية كامب دايفد بين الاحتلال ومصر شكّل مفترق طرق، حيث بدأ المستوطنون بالانتشار وإقامة المستوطنات شرق القدس، وأصبحت حرية التنقل بين تلك الأراضي كلما رأى البدوي حاجة لذلك، غير متاحة، فمن يخرج بيوته المتنقلة من أرض، يمنع عليه الاحتلال العودة إليها. وبذلك أقيمت التجمعات البدوية كأساس للتجمعات الحالية، والتي بدأت تأخذ الأمكنة المحددة بدلاً من التنقل الدائم بحسب طبيعة الحياة البدوية في منطقة الخان الأحمر الواسعة قبل ذلك.
استهداف واضح بالاستيطان
الحال الآن أن كل التجمعات البدوية شرق القدس مهددة بالترحيل لتطبيق خطة تجميعها في أماكن محصورة، وهو ما يعني التأثير على طبيعة حياتها البدوية. ويحذّر عراعرة من أن ذلك سيقضي على حياة البدو نهائياً، من عادات وتقاليد وثروة حيوانية.
حتى تلك التجمعات البدوية التي لا إخطارات رسمية بإزالتها وترحيلها بشكل كامل، يمنع الاحتلال أي توسعة للبناء فيها، بحجة وجودها في مناطق ج وفق التقسيم الذي فرضه اتفاق أوسلو على مناطق الضفة الغربية، كما هو حال تجمع المعرجات البدوي شمال غربي أريحا، لكنهم يواجهون نوعاً آخر من محاولات التهجير عبر الاعتداءات والمضايقات المتكررة من المستوطنين.
يقول محمد مليحات (60 عاماً)، أحد سكان تجمع المعرجات لـ"العربي الجديد"، إن مستوطناً أقام بؤرة استيطانية رعوية، يحاول هو بنفسه ترحيل البدو عبر اعتداءات متكررة ومنع أهالي التجمع من رعي أغنامهم، وعبر سرقة المواشي، ليتسنى له إقامة مشروع زراعي كبير وزراعة النخيل مكان البدو.
يرى مليحات أن المشهد تكرار لمشاهد ترحيل تعددت لعائلته التي هجرت في النكبة من منطقة تل السبع في النقب، وتنقلت لظروف وأسباب متعددة في مناطق متفرقة في الضفة، حتى رحلت من أراضي دير دبوان في رام الله بالقوة عام 1985، بعد إمهال قوات الاحتلال لها 48 ساعة حينها للرحيل من أراضي حوّلها الاحتلال إلى منطقة عسكرية لاحقاً، حتى استقرت عائلته في مكان سكنها الحالي.
بانتظار نكبة جديدة وتنفيذ مخططات استيطانية
حوالى 46 تجمعاً بدوياً في الضفة الغربية مهددة بالترحيل من أجل التجميع في منطقتين محصورتين على الأقل، كما يؤكد مدير وحدة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية - القدس (أريج)، سهيل خليلية، نصفها في منطقة شرق القدس، وتحديداً في منطقة الخان الأحمر وما حولها.
الاستهداف مركّز الآن ضد المناطق البدوية في النقب وكذلك منطقة شرق القدس
يركز الاحتلال في الضفة في هذه الفترة على شرق القدس، كما يؤكد خليلية لـ"العربي الجديد"، لإزالة قرابة 23 تجمعاً، ما يفتح المجال لتجميع مستوطنة معالي أدوميم و9 مستوطنات أخرى مع القدس المحتلة وبناء الجدار الفاصل هناك لفصلها جميعاً عن الضفة، ومنع أي وجود غير استيطاني هناك.
يقول خليلية إن مشكلة الاحتلال مع البدو بدأت منذ عام 1948، لكن وتيرة التعامل معها تختلف حسب الحاجة الإسرائيلية، والتي يبدو الآن أن الاستهداف مركز ضد المناطق البدوية في النقب في الأراضي المحتلة عام 1948، في إطار ما تعرف بخطة تطوير النقب التي عمرها أكثر من 50 عاماً، وكذلك منطقة شرق القدس، لتهيئة الوضع لبناء الجدار الفاصل حول تجمع مستوطنات معاليه أدوميم وإدخالها ضمن حدود القدس.
وتكمن الاستراتيجية الإسرائيلية بمنع بقاء البدو مسيطرين على مساحات واسعة إن كان في النقب، أو شرق القدس، أو الأغوار، أو جنوب الخليل في منطقة مسافر يطا أو غربي الضفة الغربية، وبالتالي تقليص عدد الفلسطينيين في هذه المناطق قدر الإمكان.
بالنسبة للاحتلال كما يؤكد خليلية، يوجد البدو في تجمعات مفتوحة، ولا يريد أن يبقى الأمر كذلك، من أجل استخدام تلك المساحات لتوسيع الاستيطان، أو لمنع ما يسميه الاحتلال: "فقدان حق الوصول إلى آلاف الدونمات" بسبب انتشار البدو، فضلاً عن سهولة السيطرة العملية والأمنية على مناطق فارغة من السكّان، وهي الأسباب التي تشبه إلى حد بعيد تهجير البدو من النقب في عام 1948 وما بعدها بسنوات.