مطامع الاحتلال بأراضي فلسطين: أي خيارات لمحاسبة إسرائيل دولياً؟

15 مايو 2023
جنود إسرائيليون في بيت دجن، الجمعة الماضي (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

بعد نحو 29 عاماً على تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بموجب اتفاق تنازلت بمقتضاه منظمة التحرير الفلسطينية عن 78 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية، حيث نُفذت جريمة النكبة في عام 1948، تبرز مطالبات حقوقية وقانونية بإصدار قوانين تجرّم النكبة من جهة، وتحمّل إسرائيل من جهة ثانية مسؤولية قيامها بها، وما يترتب على ذلك من آثار قانونية وسياسية ومالية، على أمل أن يوقف ذلك النكبة المستمرة في الضفة الغربية المحتلة، ويشكل رادعاً لدولة الاحتلال.

ويرى قانونيون وحقوقيون أن إحياء ذكرى النكبة الـ75 من قبل الأمم المتحدة، من خلال قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ونص على اعتبار 15 مايو/ أيار يوماً لإحياء هذه الذكرى، أمر رمزي لكنه غير كافٍ.

ويشير هؤلاء إلى أن إلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الاثنين، بمناسبة إحياء الذكرى يأتي من "باب أضعف الإيمان"، والعمل الدبلوماسي الفلسطيني الذي تأخر كثيراً.

النكبة الفلسطينية

والنكبة الفلسطينية مصطلح يعبّر عما قامت به العصابات الصهيونية منذ عام 1948 إلى 1949 من قتل وتشريد وطرد الفلسطينيين من 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، عبر هجوم هذه العصابات المسلحة، التي كانت تدعمها بريطانيا التي كانت تُخضع فلسطين للانتداب، على المناطق الفلسطينية.

واستولت العصابات الصهيونية على 774 قرية وبلدة ومدينة فلسطينية، وقتلت أكثر من 13 ألف فلسطيني، وهجرت نحو 800 ألف فلسطيني إلى خارج وطنهم الأم، ليصبح عددهم حالياً نحو 8 ملايين لاجئ مشتتين في العالم، وتحديداً في مخيمات الأردن ولبنان وسورية، والمخيمات داخل الضفة الغربية وقطاع غزة.

رائد أبو بدوية: يجب طرح قانون يجرّم إنكار النكبة

 

ويرى الدكتور المحاضر في القانون الدولي بالجامعة الأميركية في رام الله رائد أبو بدوية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إحياء الجمعية العامة ذكرى النكبة هو أمر رمزي مهم، لكن ما هو مطلوب من الدبلوماسية الفلسطينية يتجاوز هذا الأمر بكثير".

ويشير إلى أن "على الدبلوماسية الفلسطينية أن تعمل على أكثر من مسار، أولاً يجب طرح قانون يجرّم إنكار النكبة، وأن تعتبر هذه جريمة مخالفة للقانون الدولي، وهذا الأمر يمكن أن نعمل على إقراره في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الرغم من الإحباط الشعبي والرسمي من القانون الدولي، والتجربة الفلسطينية التي تفتقد الثقة في المنظومة الدولية بما يتعلق بتطبيق القانون الدولي ضد الاحتلال الإسرائيلي".

وحول المسار الثاني، يقول أبو بدوية إنه "يتمثل بتحميل إسرائيل مسؤولية حدوث النكبة وما يترتب على ذلك من آثار تعويض قانونية وسياسية ومالية، وتعتبر الجمعية العامة هي مربع العمل في هذا الإطار".

ويتابع: "صحيح أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة قانونياً، لكن قراراتها لها انعكاس سياسي أولاً، وثانياً من شأن هذه القرارات أن تنعكس على القوانين الداخلية للدول، تحديداً الأوروبية التي بات عدد منها يمنع إحياء ذكرى النكبة بناء على التحريض الإسرائيلي".

ويرى مختصون في شؤون الاستيطان أن أي قرار حول النكبة سيأتي ضمن سياق "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، ليس من الأراضي المحتلة عام 1948، ولكن من أراضي الضفة الغربية المحتلة التي تُعتبر النكبة فيها مستمرة، بعد أن بات الأمر الواقع يعكس أنها دولة للمستوطنين، إذ يعيش فيها الفلسطينيون في نحو 165 تجمعاً معزولاً ومحاطاً بالحواجز العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات وممنوعاً من التوسع الطبيعي.

الباحث في شؤون الاستيطان، والمستشار السابق في هيئة شؤون الجدار والاستيطان محمد إلياس، يقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "النكبة بدأت عام 1948 فيما إسرائيل ما زالت تستكمل جريمتها على الأراضي المحتلة عام 1967"، مضيفاً: "المطامع الصهيونية لن تتوقف، وتنتظر اللحظة التاريخية المناسبة للانقضاض على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وطرد أصحابها منها".

المشاريع الاستيطانية

لم تتغير ويشير إلياس إلى أن "المشاريع الاستيطانية لم تتغير، وجرت الاستفادة من آليات العزل والطرد والسيطرة على أملاك الفلسطينيين إبان النكبة عام 1948 للاستيلاء على الحيز الفلسطيني المحتل عام 1967".

ويضيف: "هناك عقلية مرنة للاحتلال، ففي الوقت الذي تُظهر إسرائيل مرونة أمام العالم في الموافقة على اللقاءات الفلسطينية، إلا أنها في الوقت نفسه تقوم بإعادة ترتيب أوراقها، من دون أن يؤثر ذلك على جوهر المشروع الصهيوني القائم على احتلال الأراضي الفلسطينية وإخلائها من السكان".

ويشير إلياس إلى أن "ما يحدث في مناطق (ج) هو تهجير صامت بشكل شبه يومي، وعندما تحين الفرصة المناسبة لن يكون لدى الاحتلال مشكلة بأن يكون هذا التهجير أسوأ مما جرى عام 1948 عبر طرد جماعي ومجازر فعلية".

وتسيطر إسرائيل بموجب اتفاق أوسلو (موقع في عام 1993) على المناطق المصنفة "ج"، وتبلغ مساحتها 61 في المائة من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة، وتُعتبر الخزان الاستيطاني لدولة الاحتلال، فيما تبلغ مساحة الأراضي المصنفة "ب" نحو 21 في المائة، وهي حسب اتفاق أوسلو يجب أن تخضع للإدارة الإسرائيلية والفلسطينية، لكن إسرائيل تسيطر عليها بالكامل.

وتبقى نحو 18 في المائة وهي مناطق "أ" التي تختنق بكثافة سكانية عالية جداً، وتتعرض بشكل يومي للاقتحام وعمليات الاغتيال وهدم البيوت واعتقال السكان.

ويلفت إلياس إلى أنّ "إسرائيل منغمسة في الاستيلاء على أراضي (ج) وطرد سكانها الفلسطينيين منها، لكنها في الوقت نفسه تُبقي عيونها مفتوحة على مناطق (ب) التي سمحت للمستوطنين بشق الطرق فيها بتعزيز من المحكمة العليا الإسرائيلية".

ويخلص للقول: "صحيح أن إرادة البقاء والصمود موجودة لدى الفلسطينيين ويجب أن تبقى، لكن القيادة السياسية الفلسطينية بأطرافها المتعددة لا تعمل بما يكفي للاستفادة، واستغلال عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني، سواء بسبب الانقسام السياسي الداخلي الموجود، أو على صعيد بيع الأوهام بأن هناك إمكانية للعيش بسلام جنباً إلى جنب مع الاستيطان".

أما مدير مؤسسة "الحق" شعوان جبارين، فيقول إن أي حديث عن النكبة يجب أن يكون مقترناً بمحاسبة منظومة الاحتلال التي ما زالت تمتلك منطلقات عميقة للتخلص من الفلسطينيين بأبشع الجرائم الممكنة.

ويشير جبارين في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "النكبة مستمرة ولم تنته بعد، وأكبر دليل الجرائم المرتكبة ذات الأهداف السياسية والأيديولوجية بعيدة المدى، وهي واضحة حتى اليوم، من طرد وقتل الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بحقوق قومية ووطنية لهم، وهذا شعار معلن ولا تخفيه إسرائيل".

يضيف جبارين أن "ما جرى في بلدة حوارة جنوب نابلس في 26 فبراير/ شباط الماضي أعاد نكبة عام 1948 للأذهان، حيث حُرقت البيوت في حوارة وأصحابها داخلها، وهذه منطلقات عميقة في المجتمع الإسرائيلي وفي الحركة الصهيونية، والتي تحرك كل هذه الجرائم".


محمد إلياس: ما يحدث في مناطق (ج) هو تهجير صامت

 

ويضيف أن "من الأدلة الكبيرة على أن النكبة مستمرة حتى اليوم، ما يحدث مع عرب الجهالين، إذ جرى تهجيرهم من أراضي بئر السبع عام 1949، ولاحقاً هُجّروا مرة ثانية عام 1950، ومرة ثالثة في 1951، وحتى الآن يتعرضون للتهجير المستمر لتسيطر إسرائيل على الأرض لصالح الاستيطان".

مفهوم محاسبة مرتكبي النكبة

ويشدّد جبارين على أنه "بلغة القانون لا يمكن محاسبة مرتكبي النكبة عام 1948 لأن جزءاً كبيراً من مرتكبي الجرائم قد مات، لكن ما هو أهم من محاسبة الأفراد المجرمين هو محاسبة المنظومة التي قامت بالنكبة سابقاً، واليوم مستمرة بجرائمها في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي منظومة فصل عنصري استعمارية عنصرية، يجب إنهاؤها وتفكيكها".

ويوضح أنه "لتفكيك هذه المنظومة هناك مساران، قانوني وسياسي، بالنسبة للمسار القانوني فإسرائيل مستمرة بجرائمها على الرغم من فتح المحكمة الجنائية تحقيقاً أولياً في الجرائم التي رفعتها السلطة الفلسطينية إلى المحكمة، وهي جرائم ضد الإنسانية قامت بها إسرائيل سواء الاستيطان أو الأسرى، وغيرها من الملفات، وإسرائيل مستمرة بجرائمها".

ويتابع جبارين: "إذا لم ينته تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بمذكرات توقيف ضد قادة الاحتلال ستكون هذه نقيصة في المحكمة، ما يطرح سؤالاً كبيراً حول دور المحكمة الجنائية الدولية ومعاييرها المزدوجة إذا ما قارنا الأمر بكيف تصرفت هذه المحكمة في أوكرانيا"، مشدداً على أن "الضغط على المحكمة الجنائية يجب ألا يتوقف".

ويشير جبارين إلى أن "إسرائيل وافقت عام 1949 على شرط الأمم المتحدة بقبول عضويتها بأن تعيد اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وأودعت تعهداً بأن يجري قبول عضويتها المشروطة مقابل قبولها بالقرارين 194 و181، ولكنها لم تنفذ أياً من القرارين حتى الآن، وبالتالي نحن نتحدث عن جريمة ضد الإنسانية مستمرة، وهي نقل السكان وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهذه نقطة قانونية مهمة، وجريمة من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية".

ويشدد على أنه "لا يوجد ما يمنع من طرق كل الأبواب، بالمعنى السياسي كل الأبواب مفتوحة، وهناك أبواب يجب إتقانها والعمل من خلالها بشكل صحيح على صعيد القانون الدولي".

المساهمون