أفغانستان: لا ظروف مناسبة لانتخابات 20 أكتوبر

10 أكتوبر 2018
تطالب المعارضة بالاقتراع على أساس نظام البصمة الآلي(فرانس برس)
+ الخط -
أمام المكتب الرئيسي للجنة الانتخابات في إقليم لغمان، شرقي أفغانستان، تجمّع عدد من المتظاهرين حاملين أعلام "الحزب الإسلامي" بزعامة قلب الدين حكمتيار، حيث دعوا إلى إغلاق هذا المكتب حتى ترضخ الحكومة لمطالب الحزب المتمثلة بإجراء تعديلات على نظام الانتخابات، وذلك في وقت لم يتبق أمام موعد إجراء الانتخابات التشريعية سوى عشرة أيام. ونشر الناشط الاجتماعي في إقليم لغمان، نصير الله ألكوزاي، أخيراً، صور هؤلاء المتظاهرين عبر صفحته على "فيسبوك"، متحدّثاً أيضاً عن أدوار الحزب وما فعله إبان الحروب الأهلية الطاحنة في تسعينيات القرن الماضي، وما ألحقته هذه الحروب من دمار في الإقليم نفسه.

ويتحرّك "الحزب الإسلامي" اليوم ضدّ ما تسعى إليه الحكومة التي تريد تجاوز جميع المخاطر والتهديدات لإجراء الانتخابات التشريعية المقررة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي. وإلى جانب "الحزب الإسلامي"، تقف جميع الأحزاب السياسية و"الجهادية" (التي حاربت الغزو السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي بدعم أميركي ــ سعودي) السابقة في أفغانستان في وجه الحكومة أيضاً لمنعها من إجراء الانتخابات وفق الآلية التي وضعتها لجنة الانتخابات، وذلك بذريعة أنّها "ليست كفيلة بإجراء انتخابات نزيهة"، معتبرين أنّ "في هذه الآلية ما يكفي من الثغرات التي قد تدفع بالبلاد نحو أزمة سياسية"، إذا ما جرى الاستحقاق المرتقب على أساسها. كل ذلك من دون احتساب الرفض المطلق من حركة طالبان لإجراء الانتخابات، وهي التي هددت باستهداف مراكز الاقتراع ودعت إلى "ضرب مؤامرة الانتخابات".

وعلى الرّغم من أنّ "الحزب الإسلامي" لم يعلن انضمامه لـ"التحالف الكبير لإنقاذ أفغانستان"، الذي يضمّ أحزاباً سياسيةً وجهاديةً سابقة وأعضاء وشخصيات سياسية بارزة، ويدعو إلى إجراء تعديلات في نظام الانتخابات قبل إجرائها، من أبرزها أن تكون عملية الاقتراع على أساس نظام البصمة الآلي (بايوميترك)، وأن لا تكون على أساس نظام بطاقة الهوية الحالي، إلا أنّه يبدو أنّ الحزب بدأ يساند التحالف في هذا التوجّه. وقد أبرز التحالف في مؤتمر صحافي، قبل أيام، آلاف بطاقات الهوية "التي تمّ استخراجها من قبل بعض المرشحين للبرلمان"، بحسب قوله، متهماً الحكومة نفسها "بفتح أبواب التزوير للمقرّبين منها، كي تشكّل في المستقبل برلماناً تابعاً لها، وخاضعاً لسياساتها".

ولم يتأخّر النائب السابق لرئيس البرلمان والقيادي في "التحالف الكبير"، عبد الظاهر قدير، خلال المؤتمر الصحافي نفسه، في تهديد الحكومة، قائلاً "لن نترك الحكومة تمضي قدماً في برامجها المعارضة للنظام الديمقراطي"، مضيفاً أنّ "إجراء الانتخابات على أساس نظام بطاقة الهوية الحالي، يفتح باب التزوير على مصرعيه. من هنا، نحن لن نترك الحكومة ولجنة الانتخابات تجري هذا الاستحقاق بخلاف إرادة الشعب".

ويهدّد قياديون في التحالف أيضاً، وبعضهم من أصحاب النفوذ الكبير في مناطق مختلفة من البلاد، بالوقوف في وجه الانتخابات. ومن هؤلاء: عطاء محمد نور، الأمين العام للجمعية الإسلامية وحاكم إقليم بلخ سابقاً، والذي تمّ عزله من قبل الرئيس الأفغاني، والنائب الأول للرئيس عبد الرشيد دوستم، والذي يتمتّع بنفوذ كبير في ستة أقاليم في الشمال، لا بل يمثّل العرقية الأزبكية، وأيضاً الحاجي محمد محقق نائب الرئيس التنفيذي وأحد أبرز القادة الشيعة، ووزير الخارجية صلاح الدين رباني، وهو رئيس "الجمعية الإسلامية"، فضلاً عن قياديين في شرق البلاد، كعبد الظاهر قدير، عضو البرلمان والنائب السابق لرئيس البرلمان، وكذلك لالي حميد زي، عضو البرلمان من الجنوب.


وتطرح هذه التحديات أسئلة كثيرة حول مدى إمكانية إجراء الاستحقاق الانتخابي إذا ما وقف هؤلاء في وجهه، هذا بالإضافة إلى التهديدات الأمنية الكثيرة والثغرات الكبيرة في نظام الانتخابات نفسه. كذلك، يطرح السؤال عمّا سيحدث إذا ما لجأت الحكومة لاستخدام القوة؟ وهي هددت بذلك فعلاً، كما أنها لجأت لذلك الأسبوع الماضي بعدما أغلق مناصرو "تحالف نجاة أفغانستان" مراكز انتخابية في كل من أقاليم ننجرهار وهرات وقندهار وبلخ، ونصبوا خيماً أمامها، لكنّ السلطات استخدمت القوة وتمكّنت من فتح تلك المراكز بعد إصابة عدد من أنصار التحالف. في المقابل، هدّد الأخير بأنّ النتائج "ستكون وخيمة إذا ما استمرّت الحكومة في استخدام القوّة".

وتعليقاً على تهديدات التحالف بعرقلة الانتخابات، قال المحلّل السياسي والإعلامي قريب الرحمن شهاب: "لا شكّ أنّهم سيعرقلون عملية الاقتراع ويقفون في وجهها، لكن إذا تعاملت الحكومة بجدية، فإنّ الانتخابات ستجرى لأمرين: أولاً لأنّ هؤلاء فقدوا نفوذهم بين الشعب الذي يريد الآن التخلّص من البرلمان الحالي، وثانياً لأنّ الحكومة والمجتمع الدولي يريدان التخلّص من البرلمان الحالي أيضاً لأنّه تسبب بخلق الكثير من المشاكل في البلاد"، مضيفاً "وبالتالي، الحكومة بإمكانها إجراء الانتخابات، والمجتمع الدولي يساندها في ذلك، والأهم هو أنّ مطالب المعارضين للانتخابات غير منطقية في الوقت الراهن".

وكما يرى شهاب، والكثير من المحللين، فإنّه "بات معلوماً أنّ معظم أحزاب هذا التحالف وقفت في وجه الرئيس أشرف غني، عندما كان يعمل على مشروع بطاقات الهوية الإلكترونية. فهؤلاء عرقلوا الأمر، ولم تتمكّن الحكومة من إنجازه، علماً أنه كان في الأساس من أجل المساعدة على إجراء انتخابات شفافة". وتابع شهاب قائلاً "ولكن الآن، وبعدما تمّ تحديد موعد الانتخابات، واقتراب هذا الموعد، نرى أنّ هؤلاء يقفون في وجه هذه العملية الديمقراطية، وهو ما يؤكّد أنّ هدفهم ليس النزاهة والشفافية في الانتخابات، وإنما تأمين مصالحهم، لأنهم يخشون من أنّ الشعب لا يرغب في بقائهم في السلطة، في وقت تسعى الحكومة والمجتمع أيضاً إلى تهميشهم. وبالتالي تلك الأحزاب تحرّكت للبقاء في السلطة، مستخدمةً الوسائل كلها، ومنها السعي لتأجيل عملية الانتخابات وإعادة النظر في الاتفاقية الأمنية بين أفغانستان والولايات المتحدة".

في المقابل، يؤكّد التحالف أنّ هدفه الوحيد هو "إجراء انتخابات نزيهة لا أكثر". وفي هذا الإطار، قال القيادي في التحالف وعضو في البرلمان، لالي حميد زاي، في تصريح صحافي أخيراً، إنّ "الحكومة تتدخّل في أعمال لجنة الانتخابات كي تأتي ببرلمان تابع لها. من هنا نرى أنّ لجنة الانتخابات غير مستقلّة تماماً في أعمالها". ويأتي ذلك على الرغم من إعلان الرئيس التنفيذي للحكومة، عبد الله عبد الله، ولجنة الانتخابات نفسها، أنها ستستخدم الآليات الإلكترونية في عملية الاقتراع. لكنّ حميد زاي رأى أنّه "لا يمكن أن يحدث ذلك في الوقت الراهن"، وأنّ "ادعاءات الحكومة هي فقط بمثابة ذرٍّ للرماد في أعين الناس". والعجيب أنّ هذا القيادي نفسه يؤكّد أنّه لا يمكن أن تحدث التعديلات على نظام الانتخابات في هذه الفترة القصيرة، ثمّ يدعو في الوقت نفسه لإجراء التعديلات ويهدد بعدم السماح بالمضي بالعملية الانتخابية قبل ذلك. وهو ما يؤكّد أنّ هدف "تحالف نجاة أفغانستان" هو التأجيل كي يستمرّ البرلمان الحالي في أعماله.

وتعليقاً على تصريحات حميد زاي، قال المحلّل السياسي نصر الله مصدّق: "نحن لا ندري إن كانت لجنة الانتخابات مستقلّة أم الحكومة تتدخّل فيها، لكن ثمّة حقيقة واحدة هي أنه إذا كان إعلان الحكومة الأخير بشأن استخدام الآلية الإلكترونية غير منطقي، فكذلك مطالب المعارضة غير منطقية، لا سيما أنه أمامنا شهر واحد، وأمام لجنة الانتخابات أعمال كثيرة، بالتالي لا يمكن إجراء التعديلات في هذه الفترة القصيرة".

ويبدو أنّ لجنة الانتخابات خائفة من تحرّكات المعارضين، وهو ما دفع برئيس اللجنة عبد البديع صياد، في اجتماع أمني بشأن تأمين عملية الاقتراع عقد في القصر الرئاسي، قبل أيام، وشاركت فيه وزارتا الدفاع والداخلية إلى جانب القوات الدولية، إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحقّ كل من يقف في وجه عملية الانتخابات، مشدداً على توفير الأمن للمرشحين والناخبين.

وفي الاجتماع نفسه، قال قائد الجيش الأفغاني، الجنرال محمد شريف يفتلي، بحسب بيان للرئاسة، إنّ القوات المسلحة الأفغانية "على أهبة الاستعداد لتوفير الأمن لعملية الاقتراع وللحملات الانتخابية، ولن يسمح لأحد بأن يقف في وجه هذه العملية".

بدوره، قال نائب وزير الداخلية، الجنرال أختر إبراهيمي، إنّ "الحكومة تتّبع جميع السبل لإنجاز الانتخابات، وقوات الأمن الأفغانية مستعدة بالكامل لتأمين العملية الانتخابية ولإزالة جميع العراقيل الموجودة في طريقها". أمّا القيادي في قوات "حلف شمال الأطلسي"، الجنرال أندريو يوباس، والذي شارك في الاجتماع ذاته، فقد "أكّد للجنة الانتخابات والحكومة على تعاون القوات الدولية الكامل لأجل إجراء انتخابات نزيهة"، وفق بيان الرئاسة الأفغانية.

في المحصلة، تشير جميع المعطيات إلى أنّ المعارضة ستسعى للوقوف في وجه الانتخابات مستخدمة جميع الوسائل لذلك، وأنّ الحكومة ستسعى لتهدئتها بوسائل مختلفة، ولكنها في النهاية ستستخدم القوة في وجهها، وأنّ القوات الدولية والحكومة الأفغانية مصممتان على إجراء الانتخابات والتخلّص من البرلمان الذي كان عائقاً في وجه كل من الحكومة والمجتمع الدولي.