حرب عفرين: تركيا تستعجل الحسم لتفادي الضغط الدولي

23 يناير 2018
تقدّم للقوات المهاجمة في ريف عفرين (أمين سنسر/الأناضول)
+ الخط -


ارتفعت وتيرة المعارك في محيط مدينة عفرين السورية أمس الإثنين، مع دخول عملية "غصن الزيتون" التي بدأت السبت يومها الثالث، في ظل ما يبدو مسعى تركياً لحسم المعركة بأسرع وقت ممكن، وتفادي احتمال تعاظم الاعتراض على العملية العسكرية، بعدما نقلت فرنسا الملف إلى مجلس الأمن الدولي أمس الاثنين. اعتراض لا يزال بسقف تحتمله تركيا، إثر الحديث الأميركي عن "حق تركيا المشروع في حماية مواطنيها من العناصر الإرهابية"، وفق تعبير وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أمس، لكن من غير المضمون أن يبقى هذا الاعتراض خافتاً في حال لم تكن العملية العسكرية التركية "سريعة ونظيفة" لناحية الكلفة البشرية والمدة الزمنية للحرب.

على ضوء هذه الأجواء، يبدو أن استنجاد القوات الكردية بالتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة "لحماية شعبنا وقواتنا في عفرين" لن يلقى آذاناً صاغية في المدى المنظور، خصوصاً أن اهتمام واشنطن بدا مقتصراً على تقليل الخسائر البشرية. وتزامنت هذه التطورات مع معلومات عن تحقيق القوات المهاجمة تقدّماً وسيطرتها على العديد من المناطق في ريف عفرين، فيما كان لافتاً الإعلان عن بدء تحرك عسكري من محور مدينة أعزاز شرقي مدينة عفرين، في تطور يؤكد سعي الجيش التركي لحسم العملية بسرعة. أما عن مستقبل المنطقة بعد انتهاء العملية التركية المدعومة بقوات من الجيش الحر، فشددت المعارضة على أنها لن تتخلى عنها لصالح النظام، بل ستكون خاضعة لمجالس محلية بإشراف الحكومة السورية المؤقتة.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة له في أنقرة أمس، أن بلاده ليست لديها أطماع في شبر واحد من أراضي الآخرين، مشدداً على أن عملية عفرين ستنتهي عند تحقيق أهدافها على غرار "درع الفرات". وأضاف: "أود سؤال الولايات المتحدة التي تقول إن عملية عفرين يجب أن تكون لمدة محددة، هل تحددت مدة بقائكم في أفغانستان؟ قبل وصولنا (العدالة والتنمية التركي عام 2002) الحكم دخلتم العراق وما زلتم هناك". ولفت إلى أن "لا أحد يعلم أي المدن الأوروبية أو الأميركية ستضربها غداً الصواريخ التي استهدفت مدينة ريحانلي التركية بالأمس".

وشدد أردوغان على أن "تركيا ليس لديها مشكلة مع الأكراد، وأن الهدف من عملية غصن الزيتون، هو القضاء على ممر إرهابي وليس كردي"، مؤكداً أن "تركيا لن تتراجع عن عملية عفرين، وأبلغت ذلك إلى الدول المعنية، ولا سيما روسيا والولايات المتحدة". وأضاف أن تركيا ليست معنية بأخذ إذن من أحد، وليس لديها رغبة في البقاء هناك (في سورية) وعندما يحين الوقت المناسب، ستنسحب بعد تحقيق أهداف العملية. ولفت إلى أن الهدف الأساسي لتركيا من هذه العمليات حماية أمنها القومي، فضلاً عن المساهمة في الحفاظ على وحدة أراضي سورية، وضمان أمن شعبها وممتلكاته.

من جهته، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أنّ قوات بلاده تسعى لإنهاء العملية خلال فترة قصيرة، مؤكداً عدم وقوع قتلى في صفوف قوات الجيش التركي المشاركة في العملية.

مقابل ذلك، كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يطلب من الطرفين ضبط الوضع. ونقلت وكالة "رويترز" عن تيلرسون قوله أثناء رحلته إلى لندن أمس، "نحن قلقون من الواقعة التركية في شمال سورية"، لكنه أضاف "ندرك ونقدّر بشكل كامل حق تركيا المشروع في حماية مواطنيها من العناصر الإرهابية"، معلناً أنه طلب من الطرفين ضبط النفس وتقليل الخسائر بين المدنيين، وأن الولايات المتحدة تسعى "لمعرفة ما يمكن عمله لتهدئة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا".

تصريحات تيلرسون جاءت مخيبة لدعوات "قوات سورية الديمقراطية" للتحالف الدولي إلى "الاضطلاع بمسؤولياته". وقال المتحدث الرسمي باسم هذه القوات، كينو غابرييل، في بيان تلاه خلال مؤتمر صحافي عقدته قيادة هذه القوات في مدينة عين عيسى، إن "التحالف مدعو للاضطلاع بمسؤولياته تجاه قواتنا وشعبنا في عفرين". ووصف الهجوم التركي بـ"الهمجي"، وبأنه "دعم واضح وصريح لتنظيم داعش الإرهابي" هدفه "إتاحة الفرصة للتنظيم الإرهابي لالتقاط أنفاسه من خلال استهداف مقاطعة عفرين وإشغال قواتنا بالدفاع عنها".

كما هاجمت "سورية الديمقراطية" في البيان موسكو، معتبرة أن تركيا "ما كانت لتتجرأ على قصف قرانا ومدننا إلا لأن روسيا قد تنصلت من التزاماتها الأخلاقية ومنحت الضوء الأخضر لهؤلاء بتحليق طيرانهم في أجواء عفرين". كما أعلن غابرييل أن عدد القتلى في الهجوم على عفرين بلغ 18 مدنياً بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى 23 مصاباً.

ميدانياً، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن فصائل المعارضة سيطرت بدعم من الجيش التركي على قرى: شيخ، وباسي، ومرصو، وحفتار شمال عفرين، إضافة إلى تلة الشيخ خروز في ناحية بلبل شمال غرب عفرين. وأكدت المصادر أن فصائل الجيش السوري الحر توغلت نحو 10 كيلومترات في ريف مدينة عفرين الشمالي، في الطريق للوصول إلى المدينة التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، مشيرة إلى أن الجيش الحر نجح بالسيطرة على جبل برصايا، بهدف الحيلولة دون قيام الوحدات الكردية بقصف الأراضي التركية منه.


من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن اشتباكات "عنيفة" تتواصل بين "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي من جهة، وبين فصائل المعارضة وقوات تركية على الحدود الشمالية والغربية لمنطقة عفرين. ولفت المرصد إلى أن "سورية الديمقراطية" قامت بهجوم "معاكس تمكنت على إثره من التقدم في مواقع خسرتها ونقاط تقدّمت إليها القوات التركية"، لافتاً إلى أنها تحاول تحقيق تقدّم في المنطقة، وإجبار القوات التركية والفصائل على العودة إلى الجانب الآخر من الحدود. وأشار المرصد إلى أن الاشتباكات "تتركز في مناطق شنكال وادماني وشادية وسوركة وحمام وكردو، ومحاور أخرى ممتدة على الحدود الغربية والشمالية لعفرين مع الشريط الحدودي". في الغضون، أعلنت وسائل إعلام تركية عن بدء تحرك عسكري من محور مدينة أعزاز شرقي مدينة عفرين، في تطور يؤكد سعي الجيش التركي لحسم العملية العسكرية بأسرع وقت ممكن، إذ تهدف أنقرة إلى إنشاء منطقة آمنة شمال غربي حلب بعمق 30 كيلومتراً.

في الجهة المقابلة، ذكرت وكالة "دوغان" للأنباء أن صاروخاً أطلق من منطقة عفرين أصاب معسكراً لمقاتلي الجيش السوري الحر في منطقة كيريخان بإقليم هطاي قرب الحدود السورية مما أدى لمقتل اثنين يُعتقد أنهما من الجيش الحر وإصابة 12. وفي السياق، أفادت معلومات صحافية عن سقوط 3 قذائف صاروخية على مركز مدينة كيليس التركية، جرى إطلاقها من منطقة عفرين.

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى المحلل العسكري السوري العميد أحمد رحال، أن عملية "غصن الزيتون" اتّبعت في اليومين الأول والثاني أسلوب "الصدمة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "البيئة العسكرية كانت جاهزة للعملية"، مضيفاً: "يبدو أن البيئة السياسية لم تكن كذلك". وأشار إلى أن أنقرة لم تحصل على الزخم السياسي والإعلامي الذي حصلت عليه من الغرب إبان عملية "درع الفرات" ضد تنظيم "داعش"، مضيفاً: "بدأنا نرى ردود فعل غربية غير مرحبة بعملية غصن الزيتون من فرنسا والولايات المتحدة".

ورأى رحال أن "هناك نفاقاً دولياً واضحاً تجاه ما يحدث، وكأن الغرب لا يعلم أن الوحدات الكردية متهمة من قبل منظمة العفو الدولية بتجريف أكثر من 100 قرية في ريف الحسكة، وأنها تضطهد الكرد والعرب والتركمان في المناطق التي سيطرت عليها". وأشار إلى أن الوحدات الكردية هجرت أهالي قرى وبلدات في شرقي الفرات خصوصاً في محيط مدينة عين العرب، أبرزها الشيوخ تحتاني والشيوخ فوقاني، إضافة إلى 14 قرية وبلدة غالبية سكانها من العرب في ريف حلب الشمالي.

في الوقت نفسه، لفت رحال إلى بيان من الجيش السوري الحر يؤكد فيه عدم نية الأخير الدخول إلى مدينة عفرين، ومن ثم ليس هناك أي خشية على المدنيين، مضيفاً أن "هدف الجيش الحر تحرير أهلنا في عفرين من مسلحي حزب العمال الكردستاني القادمين من جبال قنديل، أي أنهم ليسوا سوريين"، موضحاً أن المعارضة المسلحة تبحث عن منافع جراء القيام بهذه العملية، إذ "تسعى إلى وصل مناطق درع الفرات شمال شرقي حلب مع شمال حلب حيث مدينتي تل رفعت وأعزاز، ومن ثم بمحافظة إدلب وريف حلب الغربي". كما أوضح وجود أكثر من 20 ألف مقاتل من المعارضة محاصرين من ثلاث جهات في منطقة درع الفرات "ومن ثم فإن التقدم في شمال حلب يعني تحرير هؤلاء، وإمكانية اشتراكهم بمعارك ضد النظام في محافظة إدلب وريف حلب الغربي".
وحول عدم إقدام الجيش الحر على مهاجمة الوحدات الكردية في تل رفعت كما كان متوقعاً، أوضح رحال أن ذلك يدخل في سياق التكتيك العسكري، "حيث تتم مفاجأة العدو من منطقة لم تكن في حسبانه"، مشيراً إلى أنه تمت مهاجمة عفرين من الشمال والشمال الغربي، ومن أربعة محاور، موضحاً أن المعركة لا تزال في البدايات ومتوقعاً فتح محاور أخرى في الأيام المقبلة.

وسرت أنباء عن تفاهمات تركية روسية حول تسليم منطقة عفرين بعد طرد مسلحي الوحدات الكردية منها إلى النظام، غير أن رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة إلى مفاوضات أستانة، العقيد فاتح حسون، نفى في حديث مع "العربي الجديد" هذه الأنباء، مضيفاً: "لا يمكن تسليم أي منطقة حررناها بدماء شهدائنا وبطولة مقاتلينا". وحول مصير منطقة عفرين، قال حسون: "بعد تحريرها تكون إدارياً تحت إشراف مجالس محلية من أهلها منتخبة بإشراف الحكومة المؤقتة، وعسكرياً وأمنياً بإشراف الجيش الوطني السوري التابع للحكومة المؤقتة، وبالتالي تكون منطقة محررة تحت إدارة مؤسسات الثورة السورية".
وفي السياق، أعلن وفد قوى الثورة السورية العسكري عن دعمه ومشاركته في عملية "غصن الزيتون"، متهماً في بيان له أمس الوحدات الكردية بـ"معاداة الثورة". من جهته، أعرب الائتلاف الوطني السوري عن دعمه ومساندته العملية.