يتجه المشهد السياسي في واشنطن نحو مطب هوائي عاصف قد يؤدي "إلى أزمة دستورية"، بحسب تعبير السناتور آل فرانكن. تحذيره الذي يشاركه فيه كثير من المراقبين، يعكس الواقع الراهن وما ينطوي عليه من خضّات مقبلة، يبدو أنه لا سبيل لاجتنابها. فحرارة الوضع أكثر سخونة من طقس الصيف هذه الأيام. ألهبته الحروب التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب على كافة الجبهات، إضافة إلى حربه التي كان قد شنّها مع بداية الحملة الانتخابية، ضد الصحافة و"الاستبلشمنت"، وهو ما فجّر في الأيام الأخيرة مواجهات مع بعض أركان إدارته ومعاونيه وحلفائه، فضلاً عن المحقق الخاص في الملف الروسي، روبرت مولر. كما وضع المزيد من القيود على حركة وصلاحيات بعض وزرائه مثل وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الذي يكثر الهمس عن إحباطه.
المعارك التي فتحها ترامب أخذت صورة الانقلاب الصادم، وإن كان متوقعاً، ضد أقرب المقربين منه، أو المحسوبين في هذه الخانة، وعلى رأسهم وزير العدل جيف سيشنز. وامتدت نقمته إلى الجهاز الإعلامي في البيت الأبيض، فأجرى تغييرات واسعة فيه شملت المتحدث الرسمي، برتبة وزير، شون سبايسر، الذي جرى حمله على الاستقالة، مع تعيين مدير جديد لهذا القسم. وربما طاول التغيير قريباً رئيس الجهاز العامل في البيت الأبيض، رينس بريبس. حتى الآن ومع دخول رئاسة ترامب شهرها السابع، بات عدد المغادرين من الإدارة، بالإقالة أو الاستقالة، 7 مسؤولين والباب مفتوح للمزيد.
فتح الرئيس ناره على هذه الجهات بعد أن تقدمت التحقيقات الروسية ولامست العصب العائلي الحساس. صهره جاريد كوشنر أمضى ست ساعات في اليومين الماضيين في جلستين مغلقتين مع لجنتي الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب، فجرى استجوابه حول لقاءاته الروسية أثناء الحملة الانتخابية وما أثارته من شبهات. وكان من المقرر مثول نجل الرئيس دونالد جونيور ترامب أمام لجنة العدل في مجلس الشيوخ، أمس الأربعاء، للغرض نفسه، لكن رئيس اللجنة عاد وارتأى تأجيل الجلسة من دون مسوّغ. الأمر الذي ازدادت معه علامات الاستفهام والتساؤلات حول الأدوار والتعاون مع الروس.
كما أن المحقق الخاص في ملف تدخل روسيا بالانتخابات الرئاسية الأميركية، قطع شوطاً هاماً في مهمته واقترب، حسبما تسرّب، من فتح دفاتر إمبراطورية ترامب وعائلته وعلى مصادر إيرادات صفقاتها التجارية، تحديداً تلك التي جرت مع جهات وشركات ودوائر روسية. وهي محاولة اعتبرها الرئيس بمثابة تجاوز للخط الأحمر، ملوّحاً بتفعيل حقه في العفو الرئاسي.
كل ذلك صبّ الزيت على النار تحت ستار أن المعاونين والمقربين من البيت الأبيض عجزوا عن "حماية الرئيس"، إما لأنهم "ضعفاء" وإما لضعف "ولائهم" له. لكن المسألة أعمق من ذلك. فالمشكلة غير متعلقة فقط بالتدخل الروسي واحتمالات وجود تعاون من جانب بعض عناصر حملة ترامب مع موسكو في هذا الخصوص، بل في مقاربة الرئيس لأدوار المسؤولين والصحافة، غير المتلائمة مع الأداء الرئاسي. بالنسبة لترامب، فإن على وزير العدل القيام بوظيفة "محامي الدفاع عن الرئيس". كما أن الجهاز الإعلامي أداة لتلميع صورة سيد البيت الأبيض، لا لتسويق سياساته فقط. فضلاً عن اعتقاد ترامب بأن "الصحافة وسيلة لترويج طروحاته وليس لنقدها".
ومن المنظار ذاته، اعتبر أن المحقق الخاص في هذه القضية منحاز ضده لأنه توغل في نبش معلومات عن أعماله الماضية وعمليات واتصالات أفراد عائلته، وبالتالي عليه الرحيل. ومن هنا نقمته على حليفه السابق وزير العدل جيف سيشنز، لأنه نأى بنفسه ولو بمقتضى القانون، عن التحقيقات وبالتالي عن إقالة مولر، باعتباره المرجع القانوني لهذا الأخير. فكان لا بد من التخلص من الوزير كمدخل للخلاص من المحقق. لكن سيشنز قرر الصمود متمسكاً بمنصبه رغم حملة الرئيس ضده. بذلك بقي ترامب أمام خيارين: إما إصدار عفو عن كل المعنيين بالتحقيق، وهو من ضمنهم، وإما إقالة الوزير. الأول نظري ومستبعد، في رأي الخبراء، ليس فقط لأنه غير مسبوق بل أيضاً لأنه استفزازي ومن شانه أن يثير احتمال لجوء الكونغرس إلى عزل الرئيس. الثاني غير مستبعد ولو أنه استحضر سيناريو عشية "ووترغيت" (1972)، حين جرت الإطاحة بالمحقق الخاص. في ضوء ضغط الحاجة، فإن الخيار الثاني متقدم، خصوصاً أن ترامب قد يستفيد من صمت الجمهوريين حول الإقالة، وبإمكانه اتخاذ قراره أثناء إجازة الكونغرس الصيفية خلال أغسطس/ آب المقبل، بالتالي لا يحتاج تعيين وزير جديد إلى موافقة مجلس الشيوخ إلا لاحقاً.