المجاهرة بـ"تفوق الأبيض" تدخل دائرة الخطاب الرسمي في أميركا

15 مارس 2017
كينغ أطلق تغريدات عنصرية (وين مكنايم/Getty)
+ الخط -
من بين ما يثير القلق والتخوف الآن في أميركا، وربما من أخطره، أن خطاب الجماعات والفئات المتشبثة بتفوق العنصر الأبيض قد خرج من دائرة التهميش إلى دائرة الضوء، إذ انتقل من بؤره الشعبوية ضيقة الأفق والثقافة، ليصل إلى مستويات أعلى وأوسع تشمل بعض المواقع في طبقة أهل الحكم والقرار.

فالنعرة العنصرية الكامنة لدى هذه الرموز السياسية بدأت تخرج من الهمس إلى المجاهرة العلنية بها، والدفاع عنها بصراحة.

آخر التعبيرات عن هذه المكاشفة اللافتة والخطيرة ظهرت، أول من أمس، على لسان النائب الجمهوري، ستيف كينغ، في إحدى تغريداته المؤيدة لرفيقه السياسي العنصري الهولندي غريت ويلدرز؛ حين قال إنه "لا يمكننا إحياء حضارتنا على يد أبناء غيرنا".

هذه القناعة الدفينة وجدت المناخ المواتي للتعبير عنها، فكينغ يشارك ويلدرز في اليقين بأن الحضارة الغربية التي أقامها العرق الأوروبي الأبيض وتناسلاته الأميركية لا يستقيم استرجاعها عن طريق الأقليات التي تأمركت، سواء المنحدرة من أصول أميركية جنوبية أو آسيوية أو شرق أوسطية أو مسلمة.


أثارت تغريدة النائب الجمهوري ضجة وردود فعل إعلامية وسياسية، بحكم موقع صاحبها وتأثير تصريحاته على قطاعات واسعة في صفوف المحافظين. مع ذلك، بقي شجبها يتراوح بين الرد الخجول أو الملتوي، وبين تجاهله كلياً.

بعض قيادات الجمهوريين في الكونغرس، مثل رئيس مجلس النواب بول راين، سارعوا إلى التنصل منها فقط. فيما زعم المتحدث الرسمي في البيت الأبيض، أمس، أنه لم يسمع بها لانهماكه بـ"مشاغل أخرى"!

في المقابل، رحّبت بالتغريدة قيادات وفصائل من المجموعات التي تتبنى نظرية "تفوق العنصر الأبيض"، والتي بدأ نشاطها يتسلل أخيراً إلى المشهد العام، من خلال لغة الترويج والتحريض لاستقطاب المزيد من المؤيدين.


وقد أخذ، في الأسابيع الأخيرة، طابع الكراهية العنيفة للآخر، وشمل ذلك اليهود الذين لم يشفع لهم موقعهم الممتاز في أميركا، والذين تطالب إحدى هذه المجموعات، في ولاية تينسي، بترحيلهم كلياً من البلاد، كما استهدفت مدافنهم في عدة ولايات بالتخريب الواسع، الذي طاول مئات المقابر بتكسير لوحاتها ومعالمها.

النغمة العنصرية المبنية على تمييز الأبيض وتقدمه على الآخرين ليست جديدة في أميركا، فقد رافقت ولادة الولايات المتحدة، حتى قبل قيام دولتها. 


ولأنها عضوية وراسخة، بقي من الصعب اقتلاعها من جذورها، لكن تضافر نضالات حركة الحقوق المدنية وتطور دولة القانون والمفاهيم، جرّدها من الشرعية وساهم في كبتها، غير أنه لم يقو على دفنها، وبقيت راكدة تحت السطح وقابلة للتحريك، وإن في بقع معينة، خاصة في الجنوب الأميركي الذي ما زال يشده الحنين إلى أميركا الأولى وامتيازات البيض فيها، مع ما ينطوي عليه ذلك من نظرة دونية إلى الأقليات؛ بالرغم من أن التركيبة الأميركية ليست سوى مزيج من التنوع.

على هذه الخلفية، جاءت الحملة الانتخابية التي التقط ترامب نقاط خطابها التسويقي الفعال، من ضمنها عزفه صراحة على وتر هذا الحنين، بما ينطوي عليه من نبذ للأقليات الذين صورهم بأنهم أساس المشاكل والعقبات التي يعاني منها الأميركي العادي.

وقد ساعدت ترامب في هذا العزف بقايا نخب تقليدية محافظة تشدد على أهمية استعادة أميركا لهويتها الأصلية الاجتماعية والقيمية، التي تأسست عليها.

ومن هذه الرموز وجوه معروفة وموثوقة في أوساط اليمين المحافظ، مثل باتريك بيوكانن، المرشح الرئاسي الأسبق، والذي عمل كمستشار مع الرئيسين نيكسون وريغان. ومنهم أيضاً أصوات إعلامية لها برامجها الشهيرة على محطات الراديو في عموم الولايات، والتي صارت بمثابة مدرسة توجيه لها أنصارها بالملايين المتأثرين بخطابها.

جوقة كبيرة نافذة انضم إليها علناً النائب كينغ، ومن يدري كم كينغ آخر في الكونغرس يقف على طريق الانضمام لهذه القافلة التي تجاهر بدعوتها هذه، طالما أن رياح رأس الهرم تنفخ في هذا الاتجاه.