قضاة في تونس يرثون الاستقلالية: عندما يتحول القضاء إلى وظيفة

20 مايو 2023
دعا قضاة وخبراء تونسيون إلى منع السلطة التنفيذية من وضع يدها على القضاء (Getty)
+ الخط -

قال قضاة ومحامون وحقوقيون وخبراء، اليوم السبت، إنّ القضاء في تونس مستهدف، واستقلاليته مهددة، وإنه "منذ استيلاء الرئيس قيس سعيّد على المؤسسات في 25 يوليو/ تموز 2021، وإصداره مرسوماً في 22 سبتمبر/أيلول 2021 ألغى بموجبه النظام الدستوري، فإنّ حقوق المتقاضين في خطر".

ودعا القضاة إلى حلّ أزمة القضاء ووضع التصورات والحلول الممكنة للخروج من "محاولات وضع اليد عليه"، في ظل تعرضه لـ"هجمات" مستمرة تهدف إلى تقويض استقلاليته.

وأشاروا إلى أنّ القضاة مهددون "ما بين الخوف والتجويع"، ما قد يجعل القضاء "قضاء تعليمات"، وبالتالي انتهاك أسس المحاكمات العادلة.

وقال رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنه لا يمكن الحديث عن استقلالية القضاء "عندما يتحول إلى وظيفة، ويتحكم الرئيس سعيّد في المسار المهني للقضاة، وترفض السلطة تنفيذ الأحكام الإدارية"، مضيفاً: "عندما لا يجري إصدار الحركة القضائية ويصبح الرئيس هو المتحكم في جلّ المسار، فلا معنى لاستقلالية القضاء".

وتابع أنّ "تطويع تفقدية وزارة العدل وجعلها مجرد أداة في يد وزيرة العدل (ليلى جفال) وتوجيه أعمالها ضد من تشاء مع غياب أي ضمانات للقضاة، وفي ظل وجود مجلس مؤقت خاضع كلياً للسلطة التنفيذية في تسمية أعضائه وفي كل القرارات التي يتخذها، فإنه لا يمكن الحديث عن الاستقلالية".

وقال: "الوضع اليوم خطير ومخيف، تنعدم فيه ضمانات القضاة المحايدين، وهناك فقط استقلالية ذاتية لبعض القضاة ممن نهلوا من مبادئ القانون، ومن دستور 2014".

وبيّن أنّ "قيس سعيّد، ومثلما سيطر على السلطة التنفيذية والتشريعية، فقد حاول إحكام السيطرة على السلطة القضائية لاستغلالها في السيطرة على مكونات الحياة السياسية وضرب الخصوم، وهو ما شاهدناه من خلال الإيقافات المتكررة التي طاولت سياسيين ومدونين وإعلاميين، على مجرد تدوينات وتصريحات ومواقف"، مضيفاً أن "لا أحد بمنأى عن الدخول إلى السجن".

وأوضح الحمايدي أنّ "الجميع تحت طائلة المرسوم 54 والسلطة التنفيذية"، لافتاً إلى أنّ سعيّد "حوّل القضاء إلى وظيفة". وقال: "مرّ عام على الإعفاءات للقضاة، ولم تنفذ أحكام المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى مواقعهم".

وأشار في الوقت ذاته إلى أنّ "كتلة مهمة من القضاة بصدد المقاومة والتصدي للسلطة التنفيذية في تدخلاتها الجائرة في أعمال القضاة، ولكن يخشى أن تتقلص هذه الكتلة، ويصبح المواطن دون أي محاكمة عادلة".

من جهته، قال الوزير السابق ورئيس هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين العياشي الهمامي إنه "لا بد من رفع الصوت عالياً لعدم التدخل في الشأن القضائي، والنضال لتحسين الوضع"، مبيّناً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الدفاع عن مبادئ الدولة الديمقراطية مستمر".

وأضاف الهمامي أنّ "قيس سعيّد يدوس على جل مبادئ الدولة الديمقراطية، وهذا لن يقود إلى التنمية أو تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور".

وأوضح الهمامي أنّ "غياب الحلول دفع سعيّد إلى ضرب المعارضة وخلق مزيد من الأزمات السياسية، مع الادعاءات بوجود مؤامرات وفساد، لتوجيه الرأي العام"، مؤكداً أنه "في مثل هذه المناخات، هناك من يضعف ويخاف ويخشى أن يطاوله بطش السلطة، ولكن هناك من يظل شجاعاً ويناضل".

وقال: "نحن اليوم في فترة حصار للحريات، ورغم وجود قضاء مدجن يلقي بالمعارضين في السجون، فإن هناك نضالات من قبل قضاة آخرين ما زالوا متمسكين بمبادئهم.. والصراع مستمر".

ويرى القاضي عفيف الجعيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "القضاء يتعرّض إلى مخاطر عدة تمس الثقة العامة فيه، وخاصة حق المواطن في قضاء مستقل"، مبيناً أنّ القضاة "يرفضون توظيف القضاء سياسياً، والتدخل في الشأن القضائي".

وأوضح الجعيدي أنه "من خلال الخطاب السياسي للسلطة والخطاب العام حول القضاء، هناك نقاط استفهام كبرى تطرح حول استقلاليته"، داعياً إلى "الابتعاد عن أي خطاب تحريضي يهدد استقلالية القضاء، مع ضرورة الالتزام بالقواعد المتعارف عليها والمتعلقة بالحق في محاكمة عادلة".

ويرى مدير مكتب منظمة "محامون بلا حدود" رامي الخويلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "تحديات كبرى تستهدف استقلالية القضاء وتعرض نشطاء ومحامين وشباباً لمحاكمات غير عادلة، لأنّ القاضي لا يملك الاستقلالية في الحكم بحسب القانون وما يمليه ضميره".

ولفت رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ما يحصل في تونس غير مسبوق وخطير جداً في المساس بالسلطة القضائية وتحويلها إلى مجرد وظيفة".

وقال: "حتى في ظل نظام رئاسي، لا يمكن أن يكون القضاء وظيفة، لأنّ المبادئ الكونية والدولية ترفض ذلك، وقد وقّعت تونس على العديد من المبادئ، ولكن جرى خرقها، والتنكر لحق الشعب في قضاء مستقل"، مضيفاً أنّ "هذا لا يكون فقط بقضاة مستقلين بل بقضاء هيكلي لا يخضع لإشراف أي سلطة".

وأوضح أنّ "عزل القضاة لم يكن اعتباطياً، بل في إطار عملية منظمة طاولت قضاة تمسكوا بمواقفهم وأعمالهم القضائية، من قبل وكلاء جمهورية وقضاة سامّين طُلب منهم إيقاف نواب وسياسيين بشكل مخالف للقانون".

قضاة دوليون: وضع القضاء في تونس كارثي

وأكد قضاة وخبراء دوليون، مساء اليوم السبت، أن وضع القضاء في تونس كارثي، مضيفين أن تونس تعيش فترة صعبة من تاريخها، وأن على القضاة مواصلة النضال من أجل الدفاع عن استقلالية القضاء، وضمان محاكمات عادلة للمواطنين.

جاء ذلك خلال جلسة مسائية لندوة دولية دفاعاً عن استقلال القضاء، شارك فيها قضاة وخبراء دوليون، وأعلن خلالها رئيس الاتحاد الدولي للقضاة جوزيه إيفريجا ماطوس عن إسناد الاتحاد جائزة دولية لرئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، لنضاله من أجل استقلالية القضاء في تونس.

وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين مارغريت ساتتيرتوابت، في مداخلة لها عن بعد، إنه "جرى سابقاً تعليق زيارتها إلى تونس، ويؤمل تمكينها من ذلك من أجل رفع تقرير حول وضع القضاء في تونس، وإعداد تقرير سيُعرض على لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة"، مؤكدة أن "هناك تهديدات عدة تواجه استقلالية القضاء في تونس وفي العالم ككل، إذ لا بد من الوعي بالمبادئ الأساسية لاستقلالية القضاء حتى لا تزيد الممارسات القمعية التي تحرم المواطنين من محاكمات عادلة، إذ يمثل القضاء أهم مؤسسة تحمي الحقوق والحريات".

وأوضحت المتحدثة أن "الفاعلين في السلطة دائماً ما يحاولون تقويض القضاء، ولذلك لا بد من الوعي بأهمية استقلالية القضاء"، مبينة أنه "يجري التضييق على القضاة لمنعهم من الحديث عن الأوضاع العامة، ونقد التفرد بالسلطة، ولكي ينطقوا دائماً بفكر السلطة نفسه".

ولفتت إلى أن "هناك مقاربات عدة تستعملها السلطات للتأثير على استقلالية القضاء، ووضع قوانين وقواعد للتضييق عليهم أو عزلهم، كالقيام بتعيينات حسب الولاء، والسيطرة على المجالس العليا للقضاة، ومثل هذه المقاربات تزيد الوضع سوءاً، خاصة إذا اقترنت بمقاربات أخرى كالتقاعد الوجوبي للقضاة، وتصفية من يهددون السلطة، وتعيين الموالين لها، في حين أنه لا يمكن عزل القضاة إلا إذا ثبت وجود تقصير"، معتبرة أن "دعم استقلال القضاء يعتبر ركيزة أساسية في الديمقراطية".

وأكد رئيس الاتحاد الدولي للقضاة جوزيه إيفريجا ماطوس، أن "استقلال القضاء هو حجر الأساس، ويعتبر من أهم التحديات التي تنبني عليها بقية الحقوق، إذ لا يمكن خدمة المواطنين دون استقلال القضاء الذي يجب أن يكون موجوداً في كل بلد".

وأوضح المتحدث أن "بعض الحكومات تسعى إلى القضاء على أصوات معارضيها، ووضع يدها على العديد من المؤسسات"، مبيناً في كلمة له أن "وضع القضاء في تونس غير مسبوق وكارثي".

وقال ماطوس: "إن القوانين والمواثيق الدولية تعتبر أن الإجراءات التأديبية في القضاء يجب أن تكون عادلة وتجري وفق مفهوم التناسب، ولكن الرئيس التونسي تولى إعفاء 57 قاضياً، وواصل تجاهل أحكام المحكمة الإدارية، وأنشأ المجلس الأعلى للقضاء دون احترام المواثيق الدولية".

وحذّر من أن "استقلالية القضاء في تونس مهددة، وهناك إشكاليات عدة، فقرار عزل القضاة فيه خرق للفقرة 2 من المجلة الدولية للقضاة، وهناك تدخل من السلطة السياسية في الشأن القضائي، ولذلك هم يساندون قضاة تونس، ويعبرون عن دعمهم لهم".

ويرى عضو الاتحاد الدولي للمحامين، وعضو المجلس الوطني للمحامين الفرنسيين، مارتان براديل، أن "تونس لم تعرف وضعاً أسوأ مما تعيشه اليوم"، مضيفاً في مداخلة له أن "المساواة أمام العدالة من حق الجميع"، مؤكداً أن "المحاكمة العادلة والمستقلة تستوجب نظام عدالة، ويلعب المحامون دوراً مهماً في ذلك، إذ إن استقلالية المحامين تحسّن أداء المحامي، وتضمن استقلالية المتقاضين".