لم يحضر الملف السوري كثيراً في خطابات الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن خلال مشوار حملته الانتخابية في طريق الوصول إلى البيت الأبيض، ما يصعّب التكهن بالسياسة التي سيتبعها حيال سورية. لكن قد يكون من المجدي استحضار محددات السياسة الأميركية في هذا الملف خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لتوقع أو رسم فرضيات حول ما سيوليه الرئيس الجديد للملف السوري. مع العلم أن بايدن كان نائب الرئيس في عهد أوباما، واعتمد في مستهلّ تعيينات الإدارة الأميركية الجديدة على مسؤولين سابقين في إدارة الرئيس الأسبق. وكان مستشارون لبايدن قد اجتمعوا مع شخصيات من الجالية السورية بأميركا، وسُرّبت معلومات مفادها بأن هذه الشخصيات نصحت بايدن بالتعامل بطريقة مغايرة لما كان عليه الوضع إبّان إدارة أوباما، خصوصاً من خلال تصحيح الأخطاء التي ارتكبها الأخير، والتي كانت نتيجتها مزيد من الدماء والتهجير.
بحث رايبورن مع قالن القضية السورية في أنقرة أمس
لكن بايدن سيترتب عليه، حيال أي سياسة سيتبعها في سورية، التعامل مع ملفات خلفتها إدارة الرئيس الخاسر في الانتخابات دونالد ترامب في سورية سياسياً وعسكرياً، والتي لا يمكن تجاوزها في التعاطي مع الملف السوري كحزمة واحدة. ومن هذه الملفات قانون قيصر، والوجود العسكري الأميركي في سورية بالإضافة للعلاقة مع الأكراد، واليد الأميركية في جهود التسوية السياسية، وملف الرهائن الأميركيين لدى النظام السوري. ويجعل هذا الأمر السياسة الأميركية المستقبلية تجاه سورية منحصرة بهذه المحددات، إذا لم تكن لبايدن وجهة نظر إضافية قد تفضي لحل القضية، أو ربما تزيد من تعقيداتها في حال قرر اتباع سياسة أوباما.
مستقبل "قانون قيصر"
ماطلت إدارة أوباما، التي كان بايدن جزءاً منها، في إصدار "قانون قيصر"، إلا أن ترامب وقعه في نهاية العام الماضي، وبات قانوناً أميركياً نافذاً وعابراً للتوجهات السياسية لرجالات الإدارة، ديمقراطيين وجمهوريين. وفي حال أراد بايدن تجاوز أخطاء أوباما (التساهل مع وحشية النظام السوري)، فإن عليه الاستمرار في تطبيق القانون عبر فرض حزم إضافية من العقوبات بموجبه، وربما توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام، للحد من تفكيره بالإقدام على مزيد من العمليات التوسعية في مناطق سيطرة المعارضة، ما سيفضي إلى مزيد من الدماء والتهجير. وعلى الرغم من أن القانون يتيح للرئيس الأميركي رفع العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام بشار الأسد، شرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني، أو لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي، إلا أن هذا الخيار، في حال فكر فيه بايدن، سيكون محط نقاش في الكونغرس الذي مرره بغرفتيه، الشيوخ والنواب، وإقناعه بالأسباب الموجبة لذلك.
الوجود العسكري الأميركي
في سورية تشير التصريحات للفريق الاستشاري لحملة بايدن الانتخابية، إلى أن الأخير يفكر بالإبقاء على القوات الأميركية شمال شرقي البلاد، على اعتباره شكّل رادعاً للعمليات الجوية للنظام وروسيا. كما أشار أحد مستشاري بايدن خلال لقائه مع بعض أفراد الجالية السورية في واشنطن، إلى أنه سيتم بحث تعزيز العمليات التركية في شمال غربي البلاد، في إدلب تحديداً، لحماية ثلاثة ملايين مدني من تقدم النظام وحلفائه، رغم تحفظ الرئيس المنتخب حيال أنقرة. مع ذلك، قد تحمل الأيام المتبقية لتسلم بايدن مقاليد الرئاسة رسمياً في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل في البيت الأبيض، الكثير من المفاجآت لجهة انتشار القوات الأميركية شرقي سورية. وتشير المعطيات إلى أن ترامب يعكف على سحب جزء كبير من القوات هناك، على أثر التغييرات التي أجراها في وزارة الدفاع (البنتاغون) أخيراً، ما قد يضع بايدن أمام خيارات أكثر تشعّباً.
العلاقة مع الأكراد
في حال صحت معلومات مستشاري بايدن بأن الأخير يسعى للحفاظ على القوات الأميركية شرقي سورية، فإن جزءاً كبيراً من ذلك سيكون لمساندة الأكراد أمام الطموحات التركية هناك. مع العلم أن العلاقة الأميركية مع الأكراد في سورية مرتبطة إلى حد بعيد بما ستكون عليه العلاقة الأميركية التركية، خصوصاً بعد المواقف الحادة لبايدن تجاه أنقرة. لكن المصلحة المشتركة لكل من واشنطن وأنقرة بتحقيق التقارب حيال ملفات إقليمية عدة وعدم تعقيدها، قد تفضي إلى اتفاق حيال الملف الكردي. إلا إن التوقعات بزيادة الدعم لـ"الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرقي سورية، مدنياً وعسكرياً، من قبل بايدن واردة بشكل كبير. وفي جديد العلاقة التركية ـ الأميركية، بحث المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الأربعاء، مع الممثل الخاص للتواصل بشأن سورية جويل رايبورن، القضية السورية السورية ومحاربة الإرهاب وقضايا المنطقة. وفي بيان صادر عن مكتب المتحدث باسم الرئاسة التركية، فإن قالن التقى رايبورن في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة. وأضاف أن الطرفين بحثا القضية السورية وفي مقدمتها منطقة إدلب، والعملية السياسية وأعمال اللجنة الدستورية، وقضية اللاجئين ومكافحة الإرهاب. وأكد البيان أهمية الدور الذي تؤديه تركيا في منع الهجرة وحدوث أزمة جديدة، وضرورة دعم المجتمع الدولي للجهود التركية والمحافظة على اتفاق 5 مارس/ آذار الروسي ـ التركي، لوقف إطلاق النار في إدلب. وخلال الاجتماع تم الاتفاق على ضرورة دعم أعمال اللجنة الدستورية السورية لضمان سلام دائم في سورية، وخلق بيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين، وتكثيف الجهود المشتركة في هذا الاتجاه. كذلك تم التأكيد على رفض أي دعم سياسي واقتصادي وعسكري لـ"الجماعات الإرهابية في سورية"، وإبلاغ المحاورين الأميركيين بأنه "لا ينبغي إدراج أي عنصر انفصالي من شأنه أن يعرض وحدة أراضي سورية ووحدتها السياسية للخطر، في العملية السياسية التي ستشكل مستقبل سورية". وذكر البيان أنه "تم التأكيد أيضاً على ضرورة الكفاح المشترك ضد جميع المنظمات الإرهابية من دون تمييز، بما في ذلك تنظيم داعش ومنظمة العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية والاتحاد الديمقراطي الكردي".
اليد الأميركية في التسوية السياسية
كان بايدن نائباً لأوباما حين تراجع التدخل الأميركي في سورية لصالح الوجود الروسي، تحديداً بعد التدخل العسكري الروسي بدءاً من 30 سبتمبر/ أيلول 2015. وصحيح أن مسار أستانة لـ"حل الأزمة" السورية ولد في الأيام الأولى لولاية ترامب، إلا أن ترتيباته جرت قبل ذلك، أي أثناء ولاية أوباما. وعلى وقع تقليل تدخل إدارته في الملف السوري، أضعف مسار أستانة الجهود الأممية لحل القضية السورية، والتي كانت واشنطن وحلفاؤها الغربيون يدفعون لإنجاحها، بيد أن ترامب وخلال العامين الأخيرين، سعى لتحريك الأدوات الدبلوماسية للسياسة الأميركية نحو إجبار النظام على القبول بالجلوس إلى طاولة المباحثات السياسية، ووقع "قانون قيصر" لهذا الغرض. كما ضغط على الروس لإجبار النظام على الذهاب إلى اجتماعات اللجنة الدستورية ومتابعة أعمالها بشكل مباشر من قبل مسؤوليه، باعتبارها إحدى سلال القرار الدولي 2254، الذي دأبت إدارة ترامب على التذكير بتطبيقه دوماً كشرط لتحقيق التسوية السياسية. غير أن تعامل إدارة بايدن مع الحل السياسي في سورية مرتبط بتحركات وتوجه وزير خارجيته، أنطوني بلينكن، الذي كان نائباً لوزير الخارجية الأسبق جون كيري في عهد أوباما. وسابقاً اعتبر بلينكن أن الحل في سورية لا يمكن تصوّره من دون وجود إيران، معتبراً أن الحوار معها كان ضرورياً لتحقيق التسوية السورية. غير أن لبلينكن تصريحات مغايرة في منتصف العام الحالي، انتقد فيها إدارة أوباما السلبية تجاه الملف السوري، خصوصاً الفشل في منع النزوح الجماعي.
انتقد بلينكن إدارة أوباما في سورية خصوصاً في ملف النزوح
وأعرب عن الندم حيال ذلك، موجّهاً الانتقادات أيضاً إلى إدارة ترامب، بفعل سماحها بالتوسع الروسي والإيراني في سورية. ويعني هذا تراجعاً عن موقفه بشأن دور إيران "الإيجابي" في الملف السوري، معتبراً أنه من المستحيل تخيّل تطبيع إدارة بايدن للعلاقات مع الأسد مجدداً.
ملف الرهائن الأميركيين
لدى النظام لم ينجح ترامب بتحقيق تقدم في هذا الملف لدعم ملفه الانتخابي أخيراً، رغم الكشف عن زيارة مسؤولين رفيعين من إدارته إلى دمشق في ربيع العام الحالي وجهود الوساطة اللبنانية حيال ذلك. ومن المتوقع أن تسعى إدارة بايدن للإفراج عن الرهائن، وفي مقدمتهم الصحافي أوستن تايس، لدعم حضورها في الداخل الأميركي. وهو ما يجعل التكهن حول التنازلات المقدمة من قبل واشنطن للنظام أمراً صعباً، في ظل التعقيدات الحالية وتشابك الملفات بعضها ببعض مع المصالح الأميركية على الساحة السورية. لا شك أن الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل في سورية، ونية النظام التجديد للأسد خلالها، ستكون محطة مفصلية حيال تعامل إدارة بايدن مع الملف السوري، والأسد على وجه التحديد، لجهة الدفع بتنحيته من عدمه. فبايدن كان جزءاً من الصفقة الأميركية الروسية لإنقاذ النظام في عهد أوباما، حين توقع العالم انتهاء حكم الأسد على خلفية ارتكابه لمجزرة الغوطة في منتصف عام 2013 باستخدام السلاح الكيميائي. غير أنه تمّ إصدار القرار 2118 الخاص بتفكيك الترسانة الكيميائية للنظام في مقابل عدم توجيه ضربة عسكرية قاضية له، ما اعتبر حينها تواطؤاً أميركياً كبيراً لصالح الأسد.