المصالح تحكم العلاقات التركية الروسية

15 يوليو 2021
خلال زيارة لأردوغان إلى موسكو، مارس 2020 (بافيل غولوفكين/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور خمس سنوات على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/تموز 2016، قطعت أنقرة وموسكو شوطاً كبيراً على طريق الدفع بالعلاقات الثنائية في قطاعات الطاقة والسياحة وحتى التعاون العسكري – التقني، والتنسيق في عدد من الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها مسار أستانة لتسوية الأزمة السورية، علماً بأن كل ذلك محكوم بالدرجة الأولى بمصالح كل دولة وتوجهاتها.
وكان اعتذار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن واقعة إسقاط طائرة "سوخوي-24" الروسية على الحدود السورية التركية من قبل سلاح الجو التركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، والتي وصفها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأنها "طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب"، قد مهّد الطريق لتطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة، لا سيما بعد انحياز الكرملين لأردوغان أثناء المحاولة الانقلابية، مما دفع بالأخير لاختيار العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبرغ، كوجهة أولى له بعد فشل الانقلاب.

أنقرة تبقى حليفاً لواشنطن في إطار حلف شمال الأطلسي

وبموازاة الفتور السائد في العلاقات التركية الغربية بعد محاولة الانقلاب، توجهت أنقرة لشراء منظومة صواريخ "أس-400" (تريومف) المتطورة الروسية، على الرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي.

وفي هذا الإطار، يلفت نائب رئيس "المجلس الروسي للشؤون الدولية" (منظمة غير ربحية معنية بدعم اتخاذ القرار في مهام السياسة الخارجية)، يفغيني بوجينسكي، إلى أنّ "موقفاً شخصياً لأردوغان من الولايات المتحدة، دفع بتركيا لشراء الصواريخ الروسية"، مقراً في الوقت نفسه بأن "أنقرة تبقى حليفاً لواشنطن في إطار حلف شمال الأطلسي". ويقول بوجينسكي، في حديث مع "العربي الجديد": "يشعر أردوغان بضيق شخصي عميق تجاه الولايات المتحدة، لأنّ محاولة الانقلاب تمت بدعوة من الأميركيين وبدعمهم، وكان يجري تنسيقها من قاعدة إنجرليك الجوية جنوبي تركيا، التي تترابط فيها القوات الجوية الأميركية"، وفق المتحدث. ويضيف: "لم ينس أردوغان شيئاً، ولذلك جاء قراره بشأن شراء منظومة أس-400، وغيره من اتجاهات التعاون العسكري التقني مع روسيا، مبرراً".

تقارير دولية
التحديثات الحية

ويشير بوجينسكي إلى أنّ "الدعم الأميركي للأكراد زاد من الفتور في العلاقات بين أنقرة والغرب". ومع ذلك، يقر بوجينسكي بأن "تركيا لا تزال حليفاً للولايات المتحدة في إطار حلف الأطلسي"، قائلاً: "مسألة إنهاء عضوية تركيا في الحلف، بالطبع غير مطروحة، ولكن أنقرة ستواصل انتهاج سياسة مستقلة من جهة التعاون العسكري - التقني والخطوات السياسية، على حد سواء".

لكن على الرغم من الارتقاء بمستوى العلاقات التركية الروسية خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أنّ مواقف موسكو وأنقرة من الملفات الإقليمية لا تخلو من التباينات، وفي مقدمتها في ما يتعلق بمستقبل النظام السياسي في سورية. كما برز التباين بشكل واضح في ليبيا، وفي مسألة تعزيز أنقرة وجودها العسكري في جنوب القوقاز لدعم حليفتها أذربيجان، وحتى في مسألة توريد الأسلحة، ولا سيما الطائرات بدون طيار، إلى أوكرانيا التي تعيش حالة من المواجهة العسكرية غير المباشرة مع روسيا في منطقة دونباس ذات الأغلبية الناطقة بالروسية.

مواقف موسكو وأنقرة من الملفات الإقليمية لا تخلو من التباينات

وفي السياق، يعتبر الخبير في "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، كيريل سيميونوف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "محاولة الانقلاب لم تؤثر في حد ذاتها على التعاون بين روسيا وتركيا، ولكن أنقرة تمكّنت بعدها من انتهاج سياسة خارجية أكثر نشاطاً، مما اضطرها لتكثيف الاتصالات مع روسيا في نقاط التوتر".

ومنذ الخريف الماضي، تزايد الدور التركي في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، وتمثل ذلك بوضوح من خلال بروز دور الطائرات المسيرة التركية في الحرب في إقليم ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، وعزم أنقرة إنشاء قاعدة عسكرية في أذربيجان، فضلاً عن توريدها طائرات مسيرة إلى أوكرانيا.

ويعلق سيميونوف على هذا الوضع، بالقول: "بالطبع، تنظر روسيا نظرة سلبية إلى الصلات بين تركيا وأوكرانيا، ولكن تتم المبالغة في هذه التهديدات نتيجة لمركزية القضية الأوكرانية في سياسات موسكو نفسها، وربطها العديد من الأمور بالموقف من الملف الأوكراني".

وحول عزم أنقرة إنشاء قاعدة عسكرية في أذربيجان لتكون أول قاعدة لها بفضاء الاتحاد السوفييتي السابق، يقول سيميونوف: "لا شك أن هذه إشارة سلبية لموسكو، ولكن يجب ألا نغفل أن روسيا تعتز بعلاقاتها مع أذربيجان، وكانت مسألة إنشاء القاعدة بالدرجة الأولى، رغبة الجانب الأذربيجاني، وهناك أيضاً قوات روسية على أراضي جمهورية أذربيجان".

يثير التعاون العسكري بين تركيا وكل من أوكرانيا وأذربيجان قلق موسكو

ويثير التعاون العسكري بين تركيا وكل من أوكرانيا وأذربيجان قلق موسكو، إذ أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، تعليقاً على إمكانية إنشاء قاعدة تركية في أذربيجان في يونيو/حزيران الماضي، أنّ "إنشاء مواقع البنية التحتية للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بالقرب من الحدود الروسية، هو موضع اهتمام خاص، وسبب لخطواتنا اللازمة لضمان أمننا ومصالحنا".

أما مجلس الدوما (النواب) الروسي، فدعا إلى استدعاء السفيرين الأوكراني والتركي في موسكو على خلفية تصريحات لوزير الخارجية الأوكراني، ديميتري كوليبا، في وقت سابق، بأن شراء الطائرات المسيرة التركية يهدف إلى "ردع" روسيا.