أميركا وأفريقيا: استفاقة متأخرة

14 ديسمبر 2022
كشف بلينكن عن استراتيجية إدارة بايدن الأفريقية في أغسطس الماضي (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -

افتتح الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء أمس الثلاثاء، القمّة الأميركية الأفريقية الثانية، بعد 8 سنوات على القمّة الأولى بين الولايات المتحدة والقادة الأفارقة، والتي عقدها الرئيس الأسبق باراك أوباما في واشنطن عام 2014.

ورغم اختلاف الظروف الدولية بين القمّتين، وغياب الزخم حالياً الذي كان قد منحه أوباما للقمّة كأول رئيس أميركي من أصول أفريقية، إلا أن القمتين تتشابهان في مواصلة القارة ابتعادها عن واشنطن، وتنامي الإحباط الأفريقي من أميركا، وحلول دول أخرى كشركاء للقارة بعيداً عن الغرب. وفيما يسعى بايدن إلى استعادة أفريقيا دبلوماسياً واقتصادياً، تطغى قلّة الثقة على العلاقات بين الطرفين، وهو صدع قد لا تتمكن القمّة من رأبه.

قمة أميركية أفريقية ثانية في عهد بايدن

وبمشاركة 49 دولة أفريقية، تتمثل معظمها على مستوى القادة، افتتح بايدن، أمس، القمة الأميركية الأفريقية في البيت الأبيض، بعد غياب 8 سنوات، وهي فترة طغت عليها سياسة "أميركا أولاً" التي انتهجها سلفه دونالد ترامب، وأظهر خلالها ازدراء لأفريقيا ورغبة حتى بالانسحاب العسكري الكامل منها.

سيعلن بايدن دعمه انضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة الـ20

وتغيب عن القمة مع بايدن 5 دول أفريقية، هي إريتريا، التي لا تقيم واشنطن علاقات دبلوماسية كاملة معها، والسودان ومالي وبوركينا فاسو وغينيا، والتي شهدت كلّها انقلابات أخيراً وتمّ تعليق عضويتها في الاتحاد الأفريقي. ويحضر القمة رئيس الاتحاد الأفريقي (رئيس السنغال) ماكي سال، ووجوه من الجالية الأفريقية في الولايات المتحدة، وممثلون عن المجتمع المدني الأفريقي. ورأى متابعون في ذلك لفتة من قبل إدارة بايدن لجذب الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية.

ويعتزم بايدن خلال القمّة إعلان دعم بلاده لانضمام الاتحاد الأفريقي كعضو دائم إلى مجموعة الـ20. وقال مسؤول أفريقيا في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جاد ديفيرمونت إن الرئيس الأميركي يؤيد أيضاً حصول القارة على مقعد دائم في مجلس الأمن، مضيفاً أن "هذا العقد سيكون حاسماً، وستحدد السنوات المقبلة الطريقة التي سيعاد فيها تنظيم العالم"، مؤكداً أن إدارة بايدن "تؤمن بقوة أن أفريقيا سيكون لديها صوت حاسم".

وسيعيّن الرئيس الأميركي ممثلاً خاصاً لمتابعة تنفيذ مقررات القمة، وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان إن وزارة الخارجية تخطط لتعيين الدبلوماسي جوني كارسون للمهمة.

ومن الإعلانات الأكيدة أو التي قد تصدر، تقديم إدارة بايدن قبيل انطلاق القمّة التي تستمر حتى يوم غدٍ الخميس، 55 مليار دولار لأفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بحسب سوليفان. وذكر موقع "أكسيوس"، أمس، أن القمة ستكون مناسبة لإعلان بايدن عزمه على القيام بجولة أفريقية في العام المقبل، بحسب مصدرين.

تصويب على الصين وروسيا

وكان وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد زار أفريقيا مرات عدة منذ توليه منصبه، أبرزها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وشملت كينيا والسنغال ونيجيريا، ثم في أغسطس/ آب الماضي، حين زار جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.

ومن بريتوريا، كشف بلينكن عن استراتيجية إدارة بايدن لمنطقة جنوب الصحراء. وجاء ذلك في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا، وفي إطار محاولة واشنطن الحصول على إدانة أفريقية للغزو الروسي.

ولم يخف الرئيس الأميركي اهتمامه بالقارة الأفريقية، التي يريد من القمة أن تضع خريطة طريق لإعادة تعميق العلاقة معها، وإقناع قادتها باحتلال أفريقيا مركزاً متقدماً على لائحة أولويات السياسة الخارجية الأميركية.

وسيحاول الرئيس الديمقراطي الإصغاء إلى أصوات متعالية داخل الكونغرس، ترى أن العلاقة مع القارة، لا سيما لمواجهة النفوذ الروسي والصيني فيها، يجب أن تتخطى حدود المصالح الأمنية أو الاستجابة لأزمات القارة الإنسانية أو محاولة فرض نموذج الديمقراطية الأميركية على قادتها.

ويرى صنّاع القرار الأميركي اليوم أن التنافس الدولي في أفريقيا جعل قادتها الديكتاتوريين في معظمهم بموقع أقوى، ودليل ذلك أن معظمهم اعتمد موقفاً "حيادياً" تجاه ما يجري في أوكرانيا، ولم يدن روسيا، المتغلغلة عسكرياً في القارة، تماماً كالتغلغل الاقتصادي الصيني.

كشفت إدارة بايدن في أغسطس الماضي عن استراتيجيتها لأفريقيا جنوب الصحراء، وإعلان رغبتها في "شراكة حقيقية" مع القارة

وعلى هذا الأساس، تعقد القمّة الأفريقية الأميركية، في العلن، للإعلان عن استثمارات جديدة وبحث قضايا الأمن الغذائي الذي تراجع على خلفية حرب أوكرانيا، والتغير المناخي، وقضايا الديمقراطية والحوكمة. إلا أنها تحاول في الواقع اللحاق بركب التموضعات الصينية الروسية في القارة، بالإضافة إلى الوجود والاهتمام التركي هناك، فضلاً عن اهتمام دول أخرى بإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا، بعدما بات تنويع الشراكات السمّة الأبرز لعلاقات أفريقيا مع العالم.

وبالنسبة لواشنطن، فإنها تتأخر في استفاقتها على القارة، ليس فقط مقارنة مع الدول الصاعدة أو المنافسة لها، بل مع أوروبا، التي وإن تخسر نفوذها في أفريقيا، إلا أنها كانت السبّاقة لـ"مأسسة" اللقاءات والاجتماعات الأوروبية الأفريقية، أو حتى مع دول أخرى مثل اليابان والهند، اللتين تبديان رغبة في التمدد أفريقياً.

ورأى بيتر فام، المبعوث الأميركي السابق إلى منطقة البحيرات الكبرى ثم إلى منطقة الساحل في عهد ترامب، والباحث حالياً في معهد أتلانتيك، في حديث لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أن القمة "تبدو طريقة متأخرة لدخول الملعب"، معتبراً أنه حتى في الشكل، فإنها "تبدو غريبة، إذ تتم دعوة القادة الأفارقة لإخضاعهم لمحاضرات وحلقات نقاش".

وكانت زيارة بلينكن إلى جنوب أفريقيا، الصيف الماضي، مناسبة لكشف إدارته عن استراتيجيتها لأفريقيا جنوب الصحراء، وإعلان رغبتها في "شراكة حقيقية" مع القارة، مع "عدم رغبتها" في تجاوز نفوذ قوى إقليمية ودولية أخرى. وتبدو الاستراتيجية والقمّة انعكاساً لرغبة بايدن في تطوير العلاقات الاقتصادية الأميركية مع أفريقيا "شابة" وتحويل النمو السكاني في القارة إلى فرصة وليس عبئاً، وهو ما يترافق مع قلق أميركي من تنامي النفوذ الروسي والصيني هناك. وجيوسياسياً، تحتل القارة مركزاً خاصاً بالنسبة لإدارة بايدن، وتمثل أكبر كتلة مصوتة في الجمعية العامة للأمم المتحدة (28 في المائة)، بحسب الاستراتيجية.

وبما أن المنافسة مع الصين وروسيا هي العنوان الجامع لسياسات بايدن الخارجية، فإن الاستراتيجية شملت تعزيز قطاع الأعمال والاستثمارات في أفريقيا والاستثمار في قطاعات عسكرية أمنية جديدة، وتعزيز "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية".

وحذّرت الاستراتيجية من أن الصين ترى المنطقة كساحة تستطيع من خلالها "تحدي النظام الدولي القائم على القواعد، وتعزيز مصالحها الجيوسياسية والتجارية الضيقة، وتقويض الشفافية والانفتاح"، وأن "روسيا تعتبر القارة بيئة تسمح للأوليغارشيين المرتبطين بالكرملين والشركات العسكرية الخاصة بالتركيز على إثارة عدم الاستقرار من أجل مصالحهم المالية والاستراتيجية".

وستكون هناك محاولة خلال القمة لبناء هذه الاستراتيجية. وقال سوليفان إن البيت الأبيض لن يفرض شروطاً مسبقة على دول أفريقيا كضرورة دعم أوكرانيا. وستلتقي خلال القمة حوالي 300 شركة أميركية وأفريقية لبحث الاستثمارات الحيوية والتحضير لتوقيع مذكرة تفاهم تجارية ضخمة.

لكن الاستفاقة الأميركية حيال أفريقيا تبدو متأخرة. واعتبر مدير قسم أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية موريثي موغا، في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن "الولايات المتحدة ظلّت ترى أفريقيا تقليدياً كمشكلة عليها حلّها"، لافتاً إلى أن "منافسي واشنطن رأوا فيها فرصة"، وأضاف: "ليس واضحاً ما إذا كانت القمة ستتمكن من تغيير ذلك".

ولا تحمل القمة أي مبادرة تحمل توقيعاً حصرياً لبايدن تجاه أفريقيا، كمشروع جورج دبليو بوش العملاق لمحاربة الإيدز في القارة أو مشروع الطاقة لأوباما. ورأت ميشيل غافين، من "مجلس العلاقات الخارجية"، في حديث لـ"نيويورك تايمز"، أن الدول الأفريقية "لا تريد أن تُلعق كآيس كريم، إنهم يريدون تخفيف ديونهم وتعويضات والسماح لهم بتصنيع اللقاحات".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون