السيسي وجولته الأفريقية.. التوقيت والمكان

28 اغسطس 2017

ورد السيسي في عاصمة رواندا لضحايا الإبادة (15/8/2017/فرانس برس)

+ الخط -
أثارت زيارة عبد الفتاح السيسي، أخيرا، أربع دول أفريقية (رواندا وتنزانيا والغابون وتشاد) تساؤلات بشأن توقيتها وأغراضها، وكذلك مدى جدواها أو نجاحها في تحقيق ما أريد منها. بالنسبة للتوقيت، هناك ثلاث ملاحظات أساسية. الأولى أن الجولة جاءت بعد زيارة السيسي أوغندا في يونيو/ حزيران الماضي للمشاركة في الاجتماع الرئاسي لدول اتفاقية عنتيبي، والتي ترفض مصر الانضمام إليها، إلا بعد الاستجابة لثلاثة شروط: النص على حقوقها التاريخية في مياه النيل، والإخطار المسبق لها قبل قيام هذه الدول بأية مشاريع على النيل، وضرورة أن تتخذ القرارات بالإجماع أو الأغلبية المشروطة بموافقة مصر والسودان، أي التمتع بحق الفيتو. وهي الاتفاقية التي وقعتها دول حوض النيل، باستثناء الكونغو الديمقراطية في 2010، أي أواخر عهد حسني مبارك. ومنذ ذلك الوقت، جمّدت مصر عضويتها في مبادرة حوض النيل، لكن القاهرة تسعى، أخيرا، إلى البحث عن أية حلول وسط مقبولة لدى هذه الدول، تساعدها في الانضمام إليها، لاسيما بعدما تردّد أن السودان سينضم إليها أيضا. وبالتالي، تبقى مصر وحيدة خارج السرب مع الكونغو الديمقراطية.
يبدو أن زيارة السيسي لم تحقق الأهداف المرجوة أمام إصرار هذه الدول على رفض ما تسميها الإملاءات المصرية الثلاثة، لذا ربما هدفت زيارة السيسي، أخيرا، رواندا وتنزانيا إلى حلحلة هذه المواقف بعض الشيء. ولكن يبدو أنه كان الاختيار الخطأ، فالبلدان، كما إثيوبيا، من أكثر الدول رفضا لـ "الإملاءات المصرية"، وكانا من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية عنتيبي، ثم صادقا عليها. وبالتالي، لم يكن مفاجئا أن يطالب رئيس تنزانيا، جون ماغوفولي، وبدون مواربة، السيسي خلال الزيارة بضرورة الانضمام للاتفاقية، إعمالا لمبدأ الرئيس التنزاني الراحل جوليوس نيريري، والذي لا يعترف بالاتفاقيات الموروثة عن الاستعمار، وهو ما يعني رفض الحقوق التاريخية لمصر في المياه.
وتتعلق الملاحظة الثانية بشأن التوقيت بأن الزيارة تأتي بعد تغيب السيسي عن القمة الأفريقية في يوليو/ تموز الماضي في أديس أبابا، لانشغاله بقمة أخرى في المجر، ضمت بولندا والتشيك والسلوفاك. وقد أثار غيابه ذاك، في حينه وبعده، تساؤلات عن أولويات السياسة الخارجية المصرية، وأيهما الأهم، أفريقيا أم دول شرق أوروبا، لاسيما مع توتر العلاقات بين القاهرة وأهم دولتين وفق منظور الأمن المصري، السودان بسبب قضايا عدة منها حلايب ودعم
المعارضة، وإثيوبيا التي تسير بخطى متسارعة لاستكمال بناء سد النهضة، والبدء في عملية ملء الخزان الذي يبلغ 74 مليار متر مكعّب. وربما كان الأغرب أن السيسي لم يوفد رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، نيابة عنه للحضور ، وإنما أرسل مساعده للمشروعات القومية، إبراهيم محلب. كما أن جهود وزير خارجيته، سامح شكري، اقتصرت، في حينه، على حشد الأفارقة لتبني فكرة الحصار على قطر، وليس لتبني وجهة النظر المصرية في القضايا الأفريقية، مثل المياه والأمن وغيرها، ولما فشل شكري في ذلك انسحب. ولذلك، كان متوقعا أن يزور السيسي السودان وإثيوبيا لتهدئة الأمور بعض الشيء، لكنه اختار رواندا وتنزانيا بدلا منهما.
تتعلق الملاحظة الثالثة بتزامن الزيارة مع زيارة رئيس وزراء إثيوبيا السودان. وربما يكون هذا التزامن مصادفة، لكن الملاحظة أن الخرطوم وأديس أبابا باتتا غير مكترثتين بملف سد النهضة الذي يؤرق مصر، وذلك باعتراف وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الذي قال إن هذا الملف لا يشغل سوى حيز ضئيل من اهتمامات البلدين التي تتصاعد بصورة كبيرة.
وبشأن الدول التي زارها السيسي، فهي تقع في نطاق إقليم شرق أفريقيا ووسطها، ودولتان منهما (رواندا وتنزانيا) تقعان في منطقة البحيرات العظمى التي تصل منها 15% فقط من حصة مصر من مياه النيل، وهما ضد فكرة الحقوق التاريخية لمصر في هذه المياه، فكان الأولى أن يزور السيسي إثيوبيا أو السودان لتلطيف الأجواء الخاصة بسد النهضة، أو حتى بوروندي التي وقّعت على عنتيبي ولم تصادق عليها، أو حتى الكونغو الديمقراطية التي لم توقع أصلا، وذلك للحيلولة دون اكتمال نصاب تصديق ثلثي دول الاتفاقية عليها لدخولها حيز التنفيذ. أما زيارة الغابون فصحيح أنها أول دولة يزورها رئيس مصري، لكن السؤال عن جدواها في هذا التوقيت، وخصوصا أنها لا تلعب دورا مؤثرا على الساحة الأفريقية، أو حتى بالنسبة للدوائر الحيوية للأمن القومي المصري. وتبقى تشاد، وهي الدولة الأهم في جولة السيسي، ليس لأنها دولة جوار مباشر لمصر، أو لها علاقة بملف المياه، لكنها دولة جوار غير مباشر للسودان الجار الجنوبي، وليبيا الجار الغربي. ومع ذلك، تنبع أهمية تشاد من دورها التاريخي في ملف دارفور السوداني بسبب تأييد الرئيس إدريس ديبي حركة العدل والمساواة المتمردة، فتتوتر علاقته مع الخرطوم من حين إلى آخر، ناهيك عن دعمه الجنرال الليبي، خليفة حفتر، الذي يسعى إلى السيطرة على المناطق الجنوبية في ليبيا قرب الحدود مع تشاد. وبذلك، هدفت زيارة السيسي إلى استمرار دعم نجامينا حلفاءه، وحفتر في ليبيا ومتمردي دارفور في السودان، فضلا عن الضغط عليها للتصعيد ضد قطر، وكانت قد انحازت ضد قطر منذ بداية الأزمة، ما اتضح بعد انتهاء زيارة السيسي، وقطع تشاد علاقاتها مع قطر واغلاق سفارتها لديها. ما يطرح سؤالا بشأن أولويات سياسة مصر الخارجية في أفريقيا.. هل هي الحفاظ على مياه النيل أم العمل بالوكالة لصالح الغير؟
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.