13 يونيو 2021
السودان وعقوبات الاتحاد الأفريقي
ربما تسعى النظم الانقلابية إلى التركيز على فكرتي المشروعية القانونية، والشرعية السياسية، باعتبارهما من الشروط المهمة للبقاء في الحكم. ولذلك هي تغازل الداخل بأنها لا تهدف إلى الوصول إلى السلطة، وإنما تعمل لصالح البلاد، وستعمل على تسليم الحكم لنظامٍ مدني، حتى وإن كان ذا خلفية عسكرية سابقة. ويتعلق الأمر نفسه، عند مخاطبتها الخارج، إذ تؤكّد له أن هدفها هو القضاء على الاستبداد الذي يكاد يفتك بالبلاد، ويعرّضها لمخاطر التفكيك، ويدخلها في دوامةٍ من العنف اللامتناهي، فضلا عن ضربه نسيج الوحدة الوطنية، وأن الأمر لا يعدو مرحلة انتقالية لا تتعدى سنة، أو سنتين على أقصى تقدير، وبالتالي على الجميع تفهم موقف العسكر من تدخله في السياسة، والانقلاب على النظم الحاكمة، بغض النظر عن كونها استبدادية، أو حتى ديمقراطية.
لكن وعلى الرغم من إمكانية اقتناع الخارج تحديدا بوجاهة مبرّرات العسكر ونزاهتها، إلا أن قضية عدم الاعتراف بالنظم التي تصل إلى السلطة بطريقةٍ غير ديمقراطية عبر تداول السلطة، تظل سيفا مسلطا على رقاب هؤلاء. لذا قد يفضل الخارج الصمت، وعدم الحديث كحال معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة في حالة السودان، أو قد يصرّح بموقفه، ويعطي مهلة مؤقتة، حتى يثبت العسكر صدق نياتهم. وربما هذا الخيار هو ما لجأ إليه الاتحاد الأفريقي في الحالة السودانية، فبعد إطاحة الرئيس عمر البشير في 11 نيسان/ إبريل الماضي، اجتمع مجلس السلم والأمن بعدها بأربعة أيام فقط كونه الجهة المنوطة بذلك، وأعطى مهلة 15 يوما للمجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين، وإلا سيضطر لتعليق عضوية السودان في جميع هيئات الاتحاد الأفريقي بموجب البند السابع من البروتوكول المنشئ لمجلس السلم والأمن،
والذي لا يعترف بأي سلطةٍ تصل إلى الحكم بطريقة غير دستورية. ونظرا لأن دولا عربية كانت داعمة للمجلس العسكري الانتقالي، حدث ضغط على مجلس السلم والأمن لإعطاء مهلة ثلاثة أشهر للعسكر إلى حين التوصل إلى اتفاق مع المدنيين. ونظرا لأن هذا الأمر لم يكن مستساغا من أطرافٍ أخرى، صدر قرار توافقي، في اجتماع المجلس في تونس في 30 إبريل/ نيسان، بتمديد المهلة 60 يوما حدّا أقصى، تنتهي في نهاية يونيو/ حزيران الجاري، ولكن قرار فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، والمجزرة التي ارتكبت بحق المدنيين في أثنائه في 3 يونيو/ حزيران الحالي، دفعا المجلس لعقد جلسة استثنائية، لاستصدار قرار تعليق عضوية السودان في جميع مؤسسات الاتحاد، ومطالبة المجلس العسكري بسرعة تسليم السلطة للمدنيين، وإلا سيتم اتخاذ تدابير عقابية على الأفراد والكيانات الذين يعرقلون هذه العملية.
وهنا تلاحظ عدة أمور على قرار مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الأفريقي، أولها أن عملية فض الاعتصام أفسدت حجج الدول العربية المؤيدة للمجلس العسكري داخل مجلس السلم والأمن. وعلى الرغم من محاولتها عرقلة صدور قرار التعليق، إلا أنها اضطرت للقبول به، في نهاية المطاف. وثاني هذه الأمور أن القرار لم يحدّد مهلة لتسليم السلطة، ومعنى هذا أنه على الرغم من نزعه الشرعية "المنشودة" عن المجلس العسكري، إلا أنه أعطاه فسحة لترتيب الأمور من دون أية ضغوط وقتية، سيما أن هذا المجلس أعلن حينها إلغاء الاتفاقات السابقة مع قوى الحرية والتغيير، وعزمه إجراء الانتخابات خلال تسعة أشهر.
وهنا الملاحظة الثالثة، ليس على قرار مجلس السلم، وإنما على جوهر موقف الاتحاد الأفريقي بصفة عامة من قضية الانقلابات العسكرية، ومدى نجاعة قرار تعليق العضوية، فالاتحاد، وإنْ يرفض الانقلابات، إلا أنه لا يعارض وصول العسكريين إلى الحكم عبر خلع البزّة العسكرية والهيمنة على العملية الديمقراطية، حدث هذا في حالاتٍ عديدة، كموريتانيا من قبل، ومصر أخيرا. بعبارة أخرى، مجرد إجراء الانتخابات، حتى وإن كانت شكلية، يعد مبرّرا لرفع تعليق العضوية، وعودة الدولة إلى المشاركة في أنشطة الاتحاد، بل ورئاسة أجهزته الرئيسية.
رابع هذه الملاحظات، تنسيق مجلس السلم والأمن مع منظمة الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) فقط للقيام بدور الوساطة بين الفرقاء، وهو ما يفسّر أسباب تحرّك رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والذي تترأس بلاده هذه المنظمة حاليا، في محاولة لتسوية الأزمة. وهنا
تبرز الأسئلة: لماذا الاقتصار على "IGAD" التي تعد السودان عضوا فيها؟ وأين منظمة السوق المشتركة لشرق ووسط أفريقيا (COMESA)، والتي تضم دولا عربية، أبرزها مصر؟ أين جامعة الدول العربية، ولماذا لم ينسق مجلس السلم والأمن معها، خاصة في ظل رئاسة دولة عربية (مصر) الاتحاد الأفريقي في دورته الحالية؟ يبدو أن المجلس استشعر أنه ربما لدى الدول العربية اهتمامات أكبر من قضية السودان. وقد برز هذا بوضوح في القمة العربية الطارئة في مكة المكرمة التي ركزت على قضية أمن دول الخليج، والسعودية تحديدا، في مواجهة هجمات الحوثيين. ولم يكن السودان مطروحا على أجندتها. كما يبدو أن المجلس يستشعر دعم بعض الدول العربية المجلس العسكري، وبالتالي باتت وساطتها، أو حتى جهودها، غير مرحب بها شعبيا، أو حتى من الطرف الآخر في المعادلة (قوى الحرية والتغيير). ولذلك اضطر لاتخاذ قراره أخيرا بصورة منفردة، وليلقي بالكرة في ملعب جامعة الدول العربية، لعلها تحرّك ساكنا، وتتخذ خطوة أكثر إيجابية لاحتواء الموقف المتدهور في السودان.
لكن وعلى الرغم من إمكانية اقتناع الخارج تحديدا بوجاهة مبرّرات العسكر ونزاهتها، إلا أن قضية عدم الاعتراف بالنظم التي تصل إلى السلطة بطريقةٍ غير ديمقراطية عبر تداول السلطة، تظل سيفا مسلطا على رقاب هؤلاء. لذا قد يفضل الخارج الصمت، وعدم الحديث كحال معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة في حالة السودان، أو قد يصرّح بموقفه، ويعطي مهلة مؤقتة، حتى يثبت العسكر صدق نياتهم. وربما هذا الخيار هو ما لجأ إليه الاتحاد الأفريقي في الحالة السودانية، فبعد إطاحة الرئيس عمر البشير في 11 نيسان/ إبريل الماضي، اجتمع مجلس السلم والأمن بعدها بأربعة أيام فقط كونه الجهة المنوطة بذلك، وأعطى مهلة 15 يوما للمجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين، وإلا سيضطر لتعليق عضوية السودان في جميع هيئات الاتحاد الأفريقي بموجب البند السابع من البروتوكول المنشئ لمجلس السلم والأمن،
وهنا تلاحظ عدة أمور على قرار مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الأفريقي، أولها أن عملية فض الاعتصام أفسدت حجج الدول العربية المؤيدة للمجلس العسكري داخل مجلس السلم والأمن. وعلى الرغم من محاولتها عرقلة صدور قرار التعليق، إلا أنها اضطرت للقبول به، في نهاية المطاف. وثاني هذه الأمور أن القرار لم يحدّد مهلة لتسليم السلطة، ومعنى هذا أنه على الرغم من نزعه الشرعية "المنشودة" عن المجلس العسكري، إلا أنه أعطاه فسحة لترتيب الأمور من دون أية ضغوط وقتية، سيما أن هذا المجلس أعلن حينها إلغاء الاتفاقات السابقة مع قوى الحرية والتغيير، وعزمه إجراء الانتخابات خلال تسعة أشهر.
وهنا الملاحظة الثالثة، ليس على قرار مجلس السلم، وإنما على جوهر موقف الاتحاد الأفريقي بصفة عامة من قضية الانقلابات العسكرية، ومدى نجاعة قرار تعليق العضوية، فالاتحاد، وإنْ يرفض الانقلابات، إلا أنه لا يعارض وصول العسكريين إلى الحكم عبر خلع البزّة العسكرية والهيمنة على العملية الديمقراطية، حدث هذا في حالاتٍ عديدة، كموريتانيا من قبل، ومصر أخيرا. بعبارة أخرى، مجرد إجراء الانتخابات، حتى وإن كانت شكلية، يعد مبرّرا لرفع تعليق العضوية، وعودة الدولة إلى المشاركة في أنشطة الاتحاد، بل ورئاسة أجهزته الرئيسية.
رابع هذه الملاحظات، تنسيق مجلس السلم والأمن مع منظمة الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) فقط للقيام بدور الوساطة بين الفرقاء، وهو ما يفسّر أسباب تحرّك رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والذي تترأس بلاده هذه المنظمة حاليا، في محاولة لتسوية الأزمة. وهنا