سد النهضة بين مصر والسعودية

28 ديسمبر 2016
+ الخط -
عندما تتوتر العلاقات بين دولتين، تغيب لغة العقل، وتسود نظرية المؤامرة في تصرفات أيٍّ منهما تجاه طرفٍ ثالث، قد لا يحظى بعلاقة جيدة مع هذا الطرف أو ذاك. هذا ما لوحظ، أخيراً، في حالة الهياج التي سادت وسائل الإعلام المصرية والعربية بشأن زيارة كبير مستشاري الديوان الملكي السعودي، أحمد الخطيب، إثيوبيا وزيارته سد النهضة، حيث تم تفسير الأمر في ضوء المكايدة والمناكفة السعودية لمصر في أخطر ملفّ لها في أفريقيا، وهو الخاص بأمنها المائي، حيث تأتي 85% من حصة مصر عبر الهضبة الإثيوبية. وبالتالي، برزت دعوات مصرية لضرورة القيام بزيارات رسمية إلى صنعاء أو حتى طهران، باعتبارهما تشكلان التهديد الأكبرللرياض.
وهنا، قد تثور مجموعة تساؤلات بشأن زيارة الخطيب، منها ما إذا كانت الأولى، وما إذا سبقتها زيارات أخرى، لا تقل عنها أهمية، كزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتوقيع على اتفاقيات تقدر بـ 160 مليون دولار، وذلك بعد شهر من توتر العلاقات بين الرياض والقاهرة، بعد تصويت الأخيرة في مجلس الأمن بشأن سورية مع مشروع قرار روسي. ألم تكن زيارة ديسالين الأخطر وفق هذا المنطق، بالنظر إلى توقيتها، ومن حيث مستواها (رأس السلطة التنفيذية الإثيوبي يلتقي الملك سلمان". وهي لم تكن الزيارة الأولى لديسالين للرياض، إذ سبقتها زيارة مماثلة في أكتوبر/ نشرين الأول 2015 إبان الفترة الذهبية للعلاقات المصرية السعودية، ومع ذلك لم تثر ضجة في الإعلام المصري، هل ربما لأنه كانت هناك توقعات في حينها بضغط سعودي على أديس أبابا لصالح مصر؟ هذا لم يحدث، بل لم تقم الرياض، عقب تسليم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، عقب زيارة سلمان التاريخية للقاهرة في إبريل/ نيسان الماضي، لم تقم باستغلال نفوذها لدى السودان لتوحيد موقفها مع مصر بشأن سد النهضة، لاسيما بعدما تقاربت الخرطوم بصورة أكبر مع أديس أبابا، كما لم تقم الرياض بثني الرئيس السوداني، عمر البشير، عن مطالبته القاهرة بضرورة فتح مفاوضات مباشرة بشأن مثلث حلايب وشلاتين، على غرار "تيران" و"صنافير".
معنى هذا أن زيارة الخطيب إثيوبيا، أخيراً، ربما تكون لها أهداف أخرى استراتيجية، غير
"تحريض" إثيوبيا على مصر بشأن سد النهضة. صحيح أن هذا قد يكون أحد الأهداف الفرعية، لكنه ليس الهدف الأساسي من وجهة نظرنا، لا سيما أن الرياض منذ انقلاب السيسي عام 2013 ودعمها الكبير له، لم تضغط في ملف سد النهضة تحديدا بأي صورة، ربما لأنها لا تريد خسارة إثيوبيا، ذات العلاقات الوطيدة مع إيران التي عملت على تقديم الدعم اللوجيستي للحوثيين عبر أديس أبابا.
ما هي أهداف السعودية تجاه إثيوبيا وشرق أفريقيا؟ تتعدد الأهداف التي تبتغيها السعودية من وراء اهتمامها بهذه المنطقة القريبة جدا من حدودها، ولا يفصلها عنها سوى البحر الأحمر. منها أهداف اقتصادية، تتمثل في الرغبة في الاستثمارات في بعض الدول الأفريقية، لاسيما التي تتوفر فيها مساحات صالحة للزراعة، لاسيما مع وجود أزمةٍ لدى دول الخليج، فيما يتعلق بموضوع الاكتفاء الذاتي من الغذاء. وهذا ما لعبت عليه دول أفريقية عديدة لجذب الاستثمارات الخليجية والسعودية، حيث تعرض لها الاستثمار الزراعي في أراضيها، في مقابل الحصول على المنتجات الغذائية. وهنا، تجدر الإشارة إلى تصريحات رﺋﯾس اﻟوزارء اﻹﺛﯾوﺑﻲ اﻟﺳﺎﺑق، ﻣﯾﻠﯾس زﯾﻧﺎوي، ﻟوﺳﺎﺋل إﻋﻼم ﺳﻌودﯾﺔ ﻋﺎم 2008، إن ﺑﻼدﻩ ﺗرﻏب ﻓﻲ وﺿﻊ ﻣﺋﺎت آﻻف اﻟﻬﻛﺗارات ﺗﺣت ﺗﺻرف ﻣن ﯾرﻏب ﻓﻲ اﻻﺳﺗﺛﻣﺎر، كما ﺧﺻﺻت حكومته ﻧﺣو ﻣﻠﯾوﻧﻲ ﻫﻛﺗﺎر ﻣن أﺟود اﻷراﺿﻲ اﻟزراﻋﯾﺔ اﻟﺧﺻﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎطﻌﺗﻲ أﻣﻬرا وأوروﻣيا ﻟﻬذا اﻟﻐرض. لذا، لا غرابة في أن ﯾﺳﺗﺛﻣر رﺟﺎل أﻋﻣﺎل ﺳﻌودﯾون ﻧﺣو 100 مليون دولار ﻓﻲ أرضٍ زارﻋﯾﺔ ﻹﻧﺗﺎج اﻟﻘﻣﺢ واﻟﺷﻌﯾر واﻷرز. ووفقاً للبيانات المعلنة حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2015، يبلغ عدد المشروعات السعودية في إثيوبيا 294 مشروعاً بقيمة ثلاثة مليارات دولار، 141 منها في الإنتاج الحيواني والزراعي، و64 مشروعاً صناعياً، ومشروعات أخرى متنوعة.
ربما يكون هذا المدخل الاقتصادي من الأدوات السعودية لتحقيق أهداف أخرى سياسية، وعسكرية أيضاً، مثل تحجيم النفوذ الإيراني في منطقة القرن الأفريقي، سواء بمفهوما الضيق، الصومال، جيبوتي، إثيوبيا، إريتريا، أو بمفهومه الواسع الذي يضم كذلك كينيا وتنزانيا والسودان، لا سيما أن إيران تشكل تهديداً للسعودية من زاويتين، أمنية بسبب حرب اليمن، ودينية حيث انتشار التشيع في عديد من هذه الدول، خصوصاً كينيا وتنزانيا، بما يهدد المكانة الدينية للسعودية قبلة للعالم السني.
وفي هذا الإطار، يمكن فهم التحرّكات السعودية في المنطقة، ومنها زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كينيا وتنزانيا في فبراير/شباط الماضي، وتركيز الرياض على جيبوتي تحديداً، للحليلولة دون هيمنة إيران على ضفتي باب المندب، حيث تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية فيها، وتسيير خطوط ملاحية بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان، وكذلك تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية لاستعادة الشرعية في اليمن. وبالنسبة لإريتريا، أبرمت اتفاقاً عسكرياً في إبريل/ نيسان 2015، في مجال محاربة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر. وربما يفسر هذا الاهتمام أسباب قطع بعض هذه الدول، مثل الصومال والسودان، علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وكذلك تأييد إثيوبيا "عاصفة الحزم".
الخلاصة، إذن، أن السعودية ربما تتحرّك في منطقة مهمة وحساسة للأمن القومي المصري هي الدائرة النيلية. ولكن، لأهداف خاصة، ربما تدخل إحداها في المكايدة السياسية. ولكن، بفرض وجود ذلك، يبقى السؤال: كيف سيكون رد فعل القاهرة تجاه الرياض أو أديس أبابا؟ ثم يبقى السؤال الأهم: ألم تكشف هذه الزيارة وغيرها من زيارات تركية وإيرانية، أو حتى إسرائيلية، لدول هذه المنطقة الحساسة عن تراجع مدوٍّ للدور المصري في أفريقيا عامة، وفي دول حوض النيل خصوصاً، وكيف يمكن استرجاع هذا الدور المفقود؟ أظن أن هذا هو السؤال الأهم، بدلا من الاكتفاء بالحديث عن الكيد السياسي الذي ربما يكون سمةً عادية من سمات العلاقات الدولية.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.