سعدي الشيرازي وتأملات في ما قاله

20 ابريل 2023

(كريستيان سركيس)

+ الخط -

"خطأ أن تكون الرياسة بأيدي الأشخاص الذين ترتفع الأيدي إلى الله من جرائمهم بالدعاء عليهم". حاولتُ أن أسأل، في سرّي، سعدي الشيرازي، قائلا له: فما بالُك لو كان الظالم أو من تظنّ أنه هو الظالم قد أمر بتوزيع أربعة ملايين كرتونة للمظلومين في رمضان فقط، وفيها الزبيب والمكسّرات ووزارة داخليته تضع الورد البلدي في عرى قمصان زوّار سجونه "السبع نجوم" في كل زيارة، ويبني أكبر مسجدٍ تتدلى منه أضخم ثريا، وفي الوقت نفسه، يحرم الطفل الثالث من زجاجة الزيت وكيلو السكر، فهل ينفع الدعاء على الظالم الذي يحرم المولود من الزيت والسكّر ويعطيه قطفة زبيب ومكسّرات في الكرتونة؟ وما بالك لو قال جهارا نهارا: "أهم حاجة عندي الفلوس"، مع أنه قد ذكر، في بداية مسيرته، أيام الزهد القراح، أن ثلاجته لم يكن فيها سوى الماء سنواتٍ لا داعي لذكر عددها، فهل زهد السنوات واكتفاؤه بالماء فقط في الثلاجة يغفران له ذنوب الظلم أو شراء الطائرات غالية الثمن جدا في الأسواق العالمية؟ أما أكفّ الدعاء على الظالم من أي مظلوم في أي سجن لا أعرف كم بلغ عددها، لأنني توقفت عن متابعة الأعداد بعدما عجزت قدراتي عن المتابعة والرصد، فهناك أيضا، في الجهة المقابلة، ملايين من الأكفّ الأخرى تدعو له بالسداد، فهل يردّ الله طلبات هذه الأكفّ التي تدعو له بالسداد والنصر من مساجد سيدنا الحسين والأزهر والسيدة زينب طوال رمضان في كل جمعة؟

عموما، فصل الخطاب في يد الله وعلمه، والرجل نرى في جبهته علامة الصلاة قبل التسريبات، والعياذ بالله، وبعدها، والله أعلم بما أظهره وأخفاه، فأردف الشيرازي، وهذا ما حيّرني وأربكني، وتُرك على قوله من الغموض، ما جعلني في حيرة التفسير أكثر مما قاله في شأن المظلومين، حين قال: "ما أحسن ما قاله تاجرٌ أسير، حين أحاط به اللصوص: "حين تأتي البطولة من قطّاع الطرق، فسواء رجال الجيش وجماعة النساء"، فهل كانت هناك تسريباتٌ على أيام مولانا سعدي الشيرازي، أم كانت هناك شبكة إنترنت، أم أن الشيخ بشفافية القلب قد رأى على بعد قرون عدة ما عجزنا نحن عن أن نراه؟

أما حينما وصل سعدي الشيرازي إلى قوله: "العظماء يكرّمون المسافر الغريب بأرواحهم، لتحمل سمعتهم الطيبة إلى العالم". وهنا من الجائز أن نردّ على مولانا سعدي الشيرازي، من دون أن يكون في فمنا ذلك الماء، ونقول: ونحن أكرمنا اللاعب ليونيل ميسّي، والشيء بالشيء يُذكر، وهو غريب على أي حال.

أمّا لو نطق الشيرازي وقال: "أكرم الضيف وأعز المسافر الغريب، وكن أيضا في حذرٍ من أذاهما"، فهنا، يا سعدي، قد اكتمل المعنى، ولا مزيد. أمّا لو حلّق بنا سعدي الشيرازي ثانية في تفسير شخصيّة الحاكم الظالم، وقال: "تفرّ الرعيّة من الظالم وتجعل سيرته وسمعته القبيحة سمرا في العالم"، فنردّ عليه بالآتي: العالم على أيامك غير العالم على أيامنا، سير الظالمين تغسلها القنوات الفضائية، أولا بأول، وتكتب له الأغاني وتسبك له المسلسلات والأفلام التي تمثلها الحسناوات، وتؤلف له الأغاني، وهو يعبُر البحار والمحيطات أو من فوق الكباري (الجسور) فجرا، ويركن السائق، بالمصادفة المحضة، بجوار عجوزٍ تبيع الفجل، فتدعو له بالصحة وطول العمر وأنها رأته في الجنّة بالحرير، والزمرّد في عقودٍ حول رقاب الغلمان في الجنّة، بجوار أنهار العسل والمنّ والسلوى، ويؤمن على كلامها الشيوخ من كتب التراث، فهل نصدّق العجوز بيّاعة الفجل، وخالد الجندي ينقل كلامها بحذافيره على موائد الشرح والتفسير والتأويل، أم نصدّقك أنت في غابر سنواتك، حينما تقول: "تفرّ الرعيّة من الظالم، وتجعل سيرته وسمعته القبيحة سمرا في العالم"، أم نصدّق التسريبات التي لم يتّضح صِدقها بعد، خصوصا أن مشايخنا الثقات قد اعتبروا "التسريبات" من الإثم والعياذ بالله؟ فوضح لنا المعضلة، يا سعدي، فنحن في بلبلةٍ من أمرنا، أما لو انتهى سعدي الشيرازي في آخر مواعظه، وقال: "كن مراعيا خاطر الفقير"، تلك المقولة التي قالها سعدي وقت أن صعدت روحُه إلى السماء، فعسى أن يفعلها عبدالله، وهو يدعو الله في مسجد المشير في إحدى الليالى الوتر من أواخر رمضان. المهم أن يكون بعيدا عن الكاميرا، كي لا تتلوّث بركة "الدمعة" بتنهّدات السياسة أو تقل، والعياذ بالله، مساحة البركة في "زبيبة الصلاة".

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري