ترحيل الاتفاق الفلسطيني

11 أكتوبر 2020
+ الخط -

منذ ما قبل بداية حفلة التطبيع مع إسرائيل، ونحن نترقّب دخول القرارات الفلسطينية الخاصة بمواجهة صفقة القرن وضم الضفة الغربية حيز التنفيذ، وخصوصاً في ما يتعلق بتطبيق المصالحة التي طال انتظارها، واعتبارها واحدةً من الإجراءات الأساسية الهادفة إلى مواجهة تصفية القضية الفلسطينية. كثير من الكلام قيل، وعديد من الإجتماعات عقدت لتحقيق هذا الأمر، لكن أيا منها لم يخرج بشيء فعلي على الأرض. وحتى مع انطلاق قطار الدول العربية الملتحقة بـ"اتفاقات السلام" مع إسرائيل، ظلت الإجراءات الفلسطينية مجرّد كلام، أو أطرا ضبابية لا أفق معروفاً لها.

قبل أيام، أنهى وفد من حركة فتح لقاءات مع الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، استكمالاً للقاء الذي عقد في القنصلية الفلسطينية في إسطنبول مع حركة حماس. وعلى الرغم من أهمية الخطوة، إلا أن لا قرار فعلياً خرج عنها، إذ تم الإكتفاء بالإشارة إلى اتفاق على وضع "خريطة طريق" لتحقيق المصالحة، الأمر الذي يعني مزيداً من الترحيل، إذ إن الإتفاق على هذه الخريطة كان من المفترض أنه تم في بيروت خلال اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية مع رئيس السلطة محمود عباس. حينها، نص البيان على: "تشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تحظى بثقة الجميع، تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع". هذا البيان كان بعد الإجتماع الذي عقد في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، ومهلة الخمسة أسابيع من المفترض أنها انتهت، ومع ذلك لم يظهر أي شيء عن هذه اللجنة ولا شخصياتها "الوازنة"، ولم تخرج أي استراتيجية لتحقيق المصالحة، بل ما زلنا في طور الاتفاق على استراتيجيات.

حتى ما حكي عن اتفاق في اجتماعات إسطنبول، والتي عقدت في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، بقي عائماً ومن دون محددات واضحة، باستثناء ما أعلنه رئيس وفد "فتح"، جبريل الرجوب، عن اتفاق على إجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ ورئاسيةٍ في غضون ستة أشهر، وهو ما لم يذكر في البيان الختامي للقاءات. إذ اكتفى البيان المشترك الذي صدر عن الحركتين بالإشارة إلى "إنضاج رؤية متفق عليها بين وفدي الحركتين". على أن تقدم هذه الرؤية "للحوار الوطني الشامل بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية، ويتم الإعلان النهائي والرسمي عن التوافق الوطني في لقاء الأمناء العامين تحت رعاية الرئيس محمود عباس على ألا يتجاوز أول أكتوبر/ تشرين الأول، بحيث يبدأ المسار العملي والتطبيقي بعد المؤتمر مباشرة"، بحسب ما جاء في البيان. غير أن الأول من أكتوبر لم يشهد أي مؤتمر وطني للمصالحة، وبقيت هذه "الرؤية" في طي الكتمان. الأمر نفسه بالنسبة إلى الانتخابات، إذ كان من المفترض بعد هذا الاتفاق أن تتم الدعوة إلى انتخابات، خصوصاً أن الحديث عن ستة أشهر، وبالتالي فإن الوقت ضيق إذا أرادت السلطة فعلاً تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، لكن أيضاً لم يظهر أي شيء، بل على العكس جرى التذرع بالحاجة إلى "مزيد من المشاورات السياسية قبل الدعوة غلى الإنتخابات".

حتى الكلام والتوافق على تفعيل المقاومة الشعبية، والذي تبنّاه الأمناء العامون للفصائل خلال الاجتماع مع عباس، لم يتم تكريسه فعلياً على الأرض، ولم تخرج أي استراتيجية لتفعيل هذه المقاومة، وبقيت التحرّكات الفلسطينية الرافضة لإجراءات التطبيع فردية وارتجالية في بعض الأحيان.

من المفهوم أن ملف المصالحة الفلسطينية قد يكون أعقد مما يظن البعض، وخصوصاً في ما يتعلق بالمصالحات العائلية، غير أنه من الممكن القفز فوق بعض البنود، وتقسيم إنهاء الإنقسام إلى خطوات، يكون أولها الاتفاق فعلياً وعملياً على رؤية وإجراءات لمواجهة التحديات أمام القضية الفلسطينية، وليس ترحيل الاتفاق إلى لجان وخرائط طرق.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".