غزّة في انتخابات العالم

28 يونيو 2024
+ الخط -

لا يغيب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة عن موسم الانتخابات القائم حالياً في الدول الغربية، وخصوصاً في الولايات المتحدة وبريطانيا، فجرائمه المستمرّة تأخذ حيزاً من حسابات الأحزاب المتنافسة والأشخاص المرشحين، وتنعكس بشكل مباشر على حظوظ النجاح.

ليس سرّاً أن فرص التجديد للرئيس الأميركي جو بايدن ضئيلة في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ورغم أن عوامل عديدة تلعب دوراً في الوضع الانتخابي الحالي الذي يعيشه بايدن، إلا أن العدوان على غزّة كان حاضراً بقوة بفعل انحياز الإدارة الأميركية لإسرائيل، ودعمها الحرب بالأسلحة والعتاد. تُرجم هذا الموقف انتخابياً بداية مع حملة مقاطعة التصويت لبايدن في الانتخابات التمهيدية في عدة ولاياتٍ، في مقدمتها ميشيغان التي خسر فيها بايدن أكثر من مائة ألف صوت ديمقراطي، رغم فوزه بالانتخابات الحزبية. وقد تكرّر الأمر نفسه في ولاية ويسكونسن، حيث خسر بايدن أكثر من 46 ألف صوت نتيجة الحملة نفسها.

ستتضاعف هذه العينة من الخسارات لبايدن في حال استمرار الحملة حتى موعد الانتخابات، وهو المرجّح بفعل استمرار العدوان وعدم وجود تغيير في الموقف الأميركي، فالرئيس الديمقراطي مهدّد بفقدان أكثر من مليون صوت ممن انتخبوه في الانتخابات الماضية، والتي فاز بها بفارق ضئيل عن منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب. والمفارقة أن المقاطعة القائمة على الاحتجاج على دعم العدوان تواجََه بمقاطعة أخرى تقودها تيارات صهيونية أساسها ”خذلان بايدن إسرائيل“، احتجاجاً أيضاً على بعض مواقف الإدارة الأميركية، والتي رأتها الحكومة الإسرائيلية ”تخلياً“، على غرار عدم معاقبة قضاة المحكمة الجنائية الدولية ووقف شحنة أسلحة ذكيّة كان من المقرّر إرسالها إلى دولة الاحتلال.

على المقلب الآخر، يستفيد المرشّح الجمهوري دونالد ترامب من الوضع الحالي ليصبّ الزيت على النار، ويكسب ما سيخسره بايدن من الأصوات اليهودية والصهيونية، متهماً الرئيس الحالي بـ"محاباة حركة حماس". ولا يلقي ترامب، في الأساس، بالاً للأصوات العربية والإسلامية ولا اليسارية، والتي يعلم أنها في كل الأحوال لن تذهب لمصلحته بسبب مواقفه اليمينية المتطرّفة ومزايدته على الإدارة الديمقراطية في دعم إسرائيل. ومن المعلوم أن الأميركيين اليهود يشكلون ما يكفي من الأصوات ليكونوا حاسمين في الولايات المتأرجحة، خصوصاً ولايات بنسلفانيا وميشيغان وجورجيا وويسكونسن وأريزونا.

سيكون الوضع في غزّة أيضاً حاسماً في الانتخابات التشريعية البريطانية المقررة في الرابع من الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، إذا بات العدوان مدرجاً في أجندة الأحزاب المشاركة في الانتخابات التي بات من شبه المحسوم أن تشهد خسارة حزب المحافظين السلطة وعودة حزب العمال بعد أكثر من 14 عاماً من غيابه عن السلطة. هناك عوامل كثيرة أيضاً أدّت إلى تراجع شعبية حزب المحافظين، في مقدمتها الفشل في إدارة الأزمة الاقتصادية وزيادة معدل التضخم في البلاد، إلا أن للعدوان على غزة أثراً في الخسارة المرتقبة لحزب المحافظين بسبب تأييد الحكومة البريطانية العدوان الإسرائيلي ودعمه بالسلاح.

وعلى الرغم من أن موقف رئيس حزب العمال، كير ستارمر، ليس أفضل كثيراً من حزب المحافظين في ما يخصّ إسرائيل، إلا أن الحاضنة الشعبية للحزب عموماً تعارض موقف رئيسه، وهو ما لا يزال يثير انقسامات كبيرة في داخل الحزب تُرجم بعضها بتحرّكات احتجاجية ضد ستارمر. الأمر الذي سيكون له تأثير أيضاً على الائتلاف الحكومي المتوقع لحزب العمال، في ظل وجود مرشحين مستقلين بنوا حملاتهم الانتخابية على العدوان على قطاع غزة.

سيكون العدوان على غزّة حاضراً وحاسماً في الانتخابات الأميركية والبريطانية، وغيرها من الانتخابات في دول أخرى، مع التبدل الكبير الذي أحدثه في الرأي العام الغربي.

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".