تهديد قبرص... ما الجدوى؟

21 يونيو 2024
+ الخط -

أمست الأنظار معلّقة اليوم باتجاه الجبهة اللبنانية بعد التصعيد غير المسبوق الذي شهدته في الأيام الماضية. تصعيد عسكري ترافق مع سلسلة من التهديدات أطلقها المسؤولون الإسرائيليون ضد لبنان، ردّ عليها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بخطاب ناري، أطلق فيه أيضاً ما تيسّر من التهديدات ضد الاحتلال، ولم يستثن قبرص.

جاء خطاب نصرالله في سياق تحذير الاحتلال من مغبّة أي مغامرة ضد لبنان، واستعرض فيه ما يمتلك حزب الله من قدراتٍ تكلّف دولة الاحتلال ثمناً باهظاً، وهو أمر مفهوم في سياق المواجهات المتبادلة بين الحزب والجيش الإسرائيلي على الحدود، لكنه لم يكن موفقاً حين أدرج دولة قبرص ضمن لائحة بنك الأهداف التي يمتلكها حزب الله.

خلفية كلام الأمين العام لحزب الله عن قبرص هي الحديث عن استخدام جيش الاحتلال القواعد والمطارات القبرصية لشنّ هجمات على لبنان، فقد قال إن "فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب، وستتعاطى معها المقاومة على أنها جزءٌ من الحرب".

من غير المعلوم ما إذا كان هذا التهديد جزءاً من الخطاب الأساسي أم أنه ارتجال من نصرالله خلال الكلمة، خصوصاً أن الحسابات والتداعيات السياسية لهذا التهديد ستكون كبيرةً على الحزب وعلى لبنان عموماً، حتى في حال عدم اندلاع حربٍ شاملة مع إسرائيل. ورغم أن حزب الله سبق أن نفّذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية في دول غربية، ومنها دول أوروبية، غير أنها المرّة الأولى التي يهدّد فيها مباشرة باستهداف دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

من المرجّح أن هذا التهديد لن يمرّ بسهولة، وهو فعلاً استدعى ردود فعل أولية من نيقوسيا ومن الاتحاد الأوروبي، فإضافة إلى نفي قبرص معلومات نصرالله، على لسان رئيسها، نيكوس خريستودوليديس، أغلقت قبرص سفارتها في لبنان "حتى إشعار آخر". كما دخل الاتحاد الأوروبي على الخطّ وأكّد، عبر المتحدّث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بيتر ستانو، أن "قبرص دولة عضو في الاتحاد، وأي تهديدٍ ضدها نعتبره تهديداً ضد الاتحاد ككل".

يتساءل كثيرون اليوم عن جدوى زجّ قبرص في الخطاب، وفتح جبهة جديدة على لبنان الذي يعاني أساساً شبه مقاطعة غربية، وموجود بالفعل ضمن مجموعةٍ من العقوبات المرتبطة بسورية وإيران وحزب الله، والتهديد الأخير لنصرالله قد يفتح المجال أمام عقوبات إضافية ستزيد تعقيد الوضع في البلاد.

سؤال آخر يمكن طرحه، هل إسرائيل بحاجة فعلاً إلى المطارات والقواعد القبرصية في حربها المفترضة على لبنان، وهي لم يسبق لها استخدامها في أيٍّ من معاركها السابقة؟ وحتى لو افترضنا أن المعلومات صحيحة، وأن هناك خططاً لاستخدام هذه القواعد، كان يمكن للخطاب أن يمرّ من دون هذه الجزئية، فنصرالله وجّه الرسائل التي يريدها إلى إسرائيل، وأظهر لدولة الاحتلال القدرات التي يمتلكها حزب الله، ولم تكن هناك ضرورة للإعلان صراحة إن هذه الترسانة لا تهدّد إسرائيل فحسب، بل يمكنها استهداف القارّة الأوروبية، وهو ما سيبقى في أذهان القادة الأوروبيين في تعاطيهم مع لبنان في المستقبل.

وللمفارقة، يأتي هذا التهديد من حزب الله في وقت تفقد فيه إسرائيل معظم التعاطف الغربي معها بعد "7 أكتوبر" والعدوان الذي تشنّه على قطاع غزّة. وبالتالي، يعطي مثل هذا التلويح من حزب الله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورقة جديدة في خطابه مع الغرب، مفادها بأن الحرب التي تخوضها إسرائيل في جبهتي الجنوب والشمال هي نيابة عن "الدول الغربية، وليست لحماية إسرائيل فقط". هذا الكلام سبق أن استخدمه نتنياهو في خطاباته، لكنه حالياً مسنود إلى تهديد صريح مما يمكن اعتباره أقوى فصيل في المنطقة.

مفهومٌ أن رفع سقف التهديد من حزب الله وإسرائيل جزء من الشدّ والجذب في الميدان وفي غرف محاولات التسوية التي يقودها الأميركيون، لكن زجّ قبرص لم يكن له داعٍ.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".