الزهايمر ضد الانقلاب
المفاجأة الوحيدة في تصريحات وزير الدفاع القطري، خالد العطية، لتلفزيون بلاده الرسمي، أن الإخوان المسلمين، والمتعاطفين معهم، ومن هم ضدهم، فوجئوا بها، وتعاملوا معها كما لو كانت كشفاً جديداً.
هذا التفاجؤ، مما لا ينبغي أن يفاجئ، يكشف عن تآكل مخيف في ذاكرة القوى المعنية بمجابهة انقلاب عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي أشعل حرائق السفسطة والتراشق مجدّداً، وكأننا بصدد سردية جديدة كلياً لما جرى في مصر في صيف 2013.
التقطت أصوات من الإخوان والإسلاميين حوار الوزير خالد العطية المذاع على تلفزيون قطر، قبل أيام، لتقول إنها كانت راغبةً في حقن الدماء، بينما أرادها عبد الفتاح السيسي مجزرة تاريخية.
واقتنص معارضو الإخوان، والمشمأنطون منهم، والمتفاصحون والمتعالمون عليهم، ذلك الجزء من التصريحات الذي روى فيه الوزير بعض ما جرى وكان شاهداً عليه، حين زار القاهرة في الأسبوع الأول من أغسطس/ آب 2013 رفقة وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، استجابة لطلب من وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، جون كيري، بغية التوصل إلى مخرج للأزمة المصرية، يجنب المصريين مزيداً من الدم المراق بغزارة، عقب انقلاب وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
اعتبر المتفاصحون الاستراتيجيون أن هذه الشهادة، بعد أربع سنوات من الكارثة، دليل آخر على غيبوبة، أو بالأحرى بلادة سياسية، لدي قيادات جماعة الإخوان، وإشارة إلى أن الجماعة لا تحترم قواعدها، كونها لم تعلن تفاصيل مفاوضات حقن الدماء التي دارت مع القيادات داخل المعتقلات، وفي مقدمتهم نائب المرشد العام للجماعة، المهندس خيرت الشاطر.
لست بصدد إدانة قيادات "الإخوان"، أو تبرئتهم، ما يعنيني هنا هو هذا العطب الذي أصاب ذاكرة المنشغلين بموضوع الانقلاب العسكري المصري ومآلاته، بحيث باتوا يسلكون وكأنهم لا يملكون رواية، أو يحتفظون بسردية، من واقع أرشيف الأحداث، لما تم في ذلك الوقت.
فالشاهد أن الوزير خالد العطية لم يضف جديداً على ما أعلنه قبل أربع سنوات وأربعة أشهر، إلا قليلاً، وبالتحديد في اليوم الثامن من أغسطس/ آب 2013 قبل أسبوع من جريمة القرن التي ارتكبها السيسي ضد المعتصمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
روى العطية، الذي كان يتولى وزارة الخارجية القطرية في ذلك الوقت، في حوار متلفز بثته قناة الجزيرة وقائع ما جرى في رحلته إلى القاهرة، وكيف أن سلطة الانقلاب أحبطت كل الجهود الرامية إلى وقف جريان دماء المصريين أنهاراً.
وكما هو منشور على موقع قناة الجزيرة، "..وتحدث العطية في مستهل المقابلة عن زيارته إلى مصر التي استمرت أربعة أيام قائلا إنها لم تكتمل، حتى يستطيع أن يقيم نتائجها، مشيرا إلى لقائه مع نائب مرشد الإخوان المسلمين خيرت الشاطر في مكان اعتقاله لمدة ساعة ونصف عبّر خلالها الأخير عن أفكاره حيال الأزمة.
وقال إنه كان من المفترض أن يلتقي الرئيس المعزول محمد مرسي أثناء الزيارة، وأضاف أن من التقاهم في الزيارة هم نائب رئيس الجمهورية المؤقت محمد البرادعي وخيرت الشاطر وبعض الأطراف الأخرى المؤثرة.
وقال إن ترتيبات الزيارة تمت مع مكتب الرئيس المؤقت عدلي منصور، وكانت تتضمن إجراء لقاءات مع مرسي ومرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع والشاطر، مشيرا إلى أن هذه اللقاءات لم تتم. وقال أيضا إنه التقى مع قيادة حركة 6 إبريل، وبينها منسقها العام أحمد ماهر، وأطلعهم على اهتمام قطر بمصر وعدم انحيازها لأي طرف، مشيرا إلى أن قيادة الحركة "أبدوا تفهمهم " لموقف قطر".
المعنى أن الذاكرة تعبت، أو ربما تعبأت بأشياء أخرى كثيرة مسحت فصول القصة، أو على الأقل أصابتها بالشحوب. ولعل هذا هو الأخطر في الموضوع كله: أن ننسى ما جرى، وإن أعاد أحد تذكيرنا به نندهش، ونتلقفه وقوداً لرفاهية المعارك والاشتباكات الذاتية، بينما الذين سفكوا الدماء وأحرقوا البلاد يبتسمون، في سعادة: شكراً أيها الزهايمر.