الحاجة إلى مجلس حكماء فلسطين

27 اغسطس 2014

اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في عمّان (27 أغسطس/1970/أ.ف.ب)

+ الخط -


بقدر ما يصعب الحديث عن وضع عربي، يصعب الحديث عن وضع فلسطيني، فهنا وهناك، لا يمكن الحديث عن وضع واحد، بل عن أوضاع بالجملة، وقد لا يكون مستغرباً، أو مستنكراً الحديث عن أوضاع عربية، بسبب كثرة الدول العربية وتنوع وتعدد اختلافاتها وتناقضاتها، إنما المستغرب والمستنكر أن الوضع الفلسطيني، وعلى الرغم مما يفترض فيه من خصوصية ووحدة تفرضها مجابهة المحتل والمصير المشترك ووحدة الهدف، أصبح أوضاعاً كثيرة، بسبب ما قادت إليه السياسات الفصائلية والتحديات من تنافر وتنابذ.

والمسؤول الأول والأخير عن كل ما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية هو قيادة منظمة التحرير وقيادات الفصائل، بمختلف أحجامها، وقيادات السلطة وحكوماتها ومجالسها التشريعية والأحزاب والمنظمات الناشئة حديثاً. ويبدو واضحاً أن هذه ما تزال تقود الأوضاع الفلسطينية بالعقليات والمناهج والأساليب القديمة نفسها، الأمر الذي يقود إلى أزمات أشد فتكاً وفشل مضاعف وتدهور متسارع، وتستدعي معالجته جهوداً جبارة، وروافع إنقاذ غير مسبوقة، إلا أن القيادات الفلسطينية ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن الأوضاع المأساوية التي انتهت إليها المنظمة والفصائل، وكذلك السلطة، ومعها المنظمات النقابية والمهنية، وآثار ذلك السلبية على القضية الفلسطينية، ووحدة الشعب وتطلعاته، وترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن ما آلت إليه فصائلها والهيئات التي شاركت في قيادتها.

ويضاف إلى ذلك أن كل واحدة من الفصائل الفلسطينية ترفض ممارسة أي نقد جاد وموضوعي لمسارها، وترفض تجديد قياداتها وبرامجها، وترفض، أيضاً، أن تكتب تاريخها بموضوعية، بما في ذلك الدروس المستفادة إيجاباً أو سلباً، علماً أن عديداً منها قد انتهى منذ زمن، وأن عدداً آخر يعاني سكرات الموت. ومعظم الفصائل وقادتها، بمن فيهم أجيال شابة، تحتاج إلى الإحالة على التقاعد، ليتم ركنها في زاوية من زوايا تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، في انتظار حكم محكمة التاريخ.

وكذلك حال منظمة التحرير التي أحيلت، منذ نحو عقدين، على التقاعد، وركنت جانباً بذريعة عطالتها وتعطيلها تارة من المنشقين والخارجين منها وعليها، وتارة باسم إلغاء ميثاقها، وتارة باسم تقدم السلطة على حساب المنظمة، وبذلك، يتم تعطيل المنظمة ومنعها من مزاولة دورها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، في وقت لم ولن تستطيع لا السلطة، ولا الفصائل، أن تقدم نفسها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.

وقد حان الوقت، بعد كل هذا الاهتراء والتآكل الحاصل في الهيئات القيادية الفلسطينية، للعمل من أجل اجتراح ما يجدد الروح الوطنية الفلسطينية المقاومة، ويعطيها فضاءً جديداً لتستأنف النمو والازدهار، بصيغ جديدة تتلاءم مع فضاءات القرن الحادي والعشرين.

لقد أنتج الشعب الفلسطيني، على امتداد السنوات الخمسين الماضية، كفاءات وخبرات وكوادر وعلماء، تمكنه من انطلاقةٍ إبداعيةٍ وطنيةٍ جديدةٍ ومعاصرةٍ، إذا ما تداعت هذه فيما بينها، وتوفرت لها الظروف والإمكانات المناسبة. ولعل السبيل الأمثل للوصول إلى ذلك يكمن في الدعوة إلى مؤتمر وطني للكفاءات والخبرات والعقول الفلسطينية، سياسية وفكرية واقتصادية وعلمية وثقافية، مؤتمر للنخب الفلسطينية، بعيداً عن أي انتماءات فصائلية، مهمته إعادة النظر في التجربة الفلسطينية، بما لها وعليها، ورسم معالم استراتيجيات جديدة معاصرة، تحمي الهوية والقضية الفلسطينية من التصفية والضياع، وتصون الوحدة الوطنية، وتحول دون تحول المنافي إلى مواطن بديلة، ودون ذهاب الشتات المتزايد إلى ضياع أكثر سلباً ونفياً للوطنية الفلسطينية.

والأهم، على هذا الصعيد، أن ينتخب المؤتمر ما يمكن تسميته (مجلس حكماء فلسطين)، بكل حرية وديمقراطية، ليكون كما اسمه مصدراً للحكمة الفلسطينية، بكل تجلياتها، يرسم للفلسطينيين معالم الطريق، للحفاظ على وهج وحدتهم وقضيتهم وممثلهم ومسارات عودتهم وبناء دولتهم الديمقراطية، مجلساً يكون مصدراً لتقديم النصح والإرشاد والتوجيه على الصعد كافة، وموضع احترام الجميع وثقتهم وفخرهم.

ولعل التوصل إلى اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وتشكيل حكومة التوافق الفلسطينية بعد سنوات عجاف من الانقسام، ولعل موقفها الموحد من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومشاركتهما في وفد واحد، مع باقي الفصائل، في المفاوضات من أجل وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال والتقدم على طريق التوصل إلى اتفاق يقود إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لعل ذلك كله يشكل مدخلاً وطنياً ملائماً للتوجه نحو عقد هكذا مؤتمر، وإنشاء مجلس حكماء فلسطين.