أزمة الديمقراطية في انتخابات وتلفزيون

05 يونيو 2024

(منى نحلة)

+ الخط -

الديمقراطية في خطر، لا اكتشاف في ذلك. صعود الشعبوية بيمينها ويسارها علامة فاقعة للأزمة. المدّ اليميني المتطرّف في بلدانٍ معروفة بتقاليدها الديمقراطية الراسخة إشارة مفزعة ثانية. انحسار اليمين الوسطي المعتدل، حفيد اليمين الخائف من الشيوعية في الماضي، فأدخل إلى أفكاره الاقتصادية جرعة من الكينزية الاجتماعية، إنذار ثالث. تراجُع تيارات اليسار الديمقراطي قد يكون ردة فعل طبيعية على انحسار اليمين الكلاسيكي، لكنه بكل الأحوال دليل رابع على أزمة الديمقراطية. أما المؤشر الخامس والمخيف فعلاً، فهو انحسار الخيارات في كثير من محطات انتخابية أمام المواطنين لكي يمارسوا سلوكاً هو من بين أهم تعريفات الديمقراطيات، أي الاقتراع، ليصبح المطروح يمين متطرف أو يمين أشد تطرفاً، أو يمين متطرف ويسار راديكالي لا حساسية شديدة عند كثير من أحزابه ورموزه تجاه الديمقراطية. ظواهر خمس يتوقع أن تتدفق على شكل موجة تصويت بين يومي الخميس والأحد المقبلين، حين يختار مواطنو 27 بلداً أوروبياً نوابهم الـ720 في برلمان الاتحاد. بغض النظر عن فعالية البرلمان الأوروبي من عدمها، فإن انتخاباته مقياس لاتجاهات الرأي العام في بلدان أكثر قارة ديمقراطية في العالم. والبارومتر هذه الأيام لا يبشّر بخير. بعض الأرقام تغني عن الشرح: اليمين الأوروبي المتطرف بكتلتيه، "مجموعة الهوية والديمقراطية" و"أحزاب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" يملك اليوم 126 نائباً. أما الاستطلاعات، فتقدّر أن يصبح عديد الكتلتين 184 مشرعاً مع إغلاق الصناديق. هذه عيّنة من الرعب الذي تقبل عليه أوروبا مستعجلة التخلص من مكتسبات هائلة في الحقوق والحريات والعدالة والانفتاح والبناء الأوروبي المهم ثقافياً وسياسياً وحقوقياً وبيئياً واجتماعياً.

ليس بعيداً عن البر الأوروبي، تُجري بريطانيا انتخاباتها في الرابع من يوليو/ تموز المقبل. فوز حزب العمال شبه محسوم والخسارة الساحقة لحزب المحافظين مؤكدة حتى الآن. خبر جيد؟ نعم وكلا، ذلك أن الفوارق بين الحزبين اقتصادياً وسياسياً وثقافياً آخذة بالتحلل، في مسار بدأ منذ أن سُمّي توني بلير (العمالي) خير وريث سياسي لمارغريت تاتشر، رمز اليمين النيوليبرالي حين يُستخدم المصطلح شتيمةً. حصلت محاولات لاحقة لإعادة "العمال" إلى قواعد اليسار الاجتماعي مع إيد ميليباند، ثم إلى الماركسية الاشتراكية مع جيرمي كوربن، وكل ذلك انتهى إلى فضيحة اسمها كير ستارمر، زعيم الحزب الحالي ورئيس الحكومة المقبل على الأرجح، ومعه صار اليسار اسماً حركياً لليمين في بريطانيا. رجل يتساءل عماليون كثر إن كان فعلاً أفضل من ريشي سوناك، إلى درجة أن الوعدين الانتخابيين الإيجابيين الوحيدين ربما لحملة العمال بقيادة ستارمر اليوم، هما إلغاء خطة ترحيل اللاجئين "غير الشرعيين" إلى رواندا، وتأييد مشروع قانون السماح بالموت الرحيم للحالات الطبية المستعصية.

ولأن الانتخابات ليست كل شيء في مكونات الديمقراطية، وجب المرور على خبر لم يأخذ حجمه إلا داخل فرنسا مع أنه مؤشر فاقع لأزمة الديمقراطية في كل أوروبا وفي العالم. الخبر هو حلول تلفزيون CNEWS الإخباري في المرتبة الأولى بعدد المشاهدين في فرنسا (كتلفزيون إخباري). وCNEWS تلفزيون صريح بخطه اليميني المتطرف الهوياتي التحريضي الكاره لكل ما لا يشبهه، وكانت له اليد الطولى في بناء شهرة إريك زيمور وهو موظف فيه بصفة معلّق سياسي. والتلفزيون المذكور بمثابة النسخة الفرنسية من فوكس نيوز الأميركية، يملكه الملياردير فانسان بولوريه، عاشر أثرياء فرنسا ومالك إمبراطورية CANAL+ وهي علامة تجارية تمتلك عدداً كبيراً من وسائل الإعلام، ومن بينها CNEWS. وعندما يتصدر CNEWS عدد المشاهدات على حساب منافسه BFM TV اليميني بدوره ولكن ليس بنفس منسوب تطرف CNEWS ووقاحته، فإن الأزمة تصبح جلية. وحين يقف الناخب الأوروبي أمام خياري السيئ والأسوأ، تكون الديمقراطية هي أبرز الخاسرين في عقر دارها على أرضها وأمام جمهورها.