سياسة الأرض المحروقة تُقرّب النظام السوري من سراقب

03 فبراير 2018
تواصل قصف النظام على الغوطة الشرقية (عامر الموهباني/فرانس برس)
+ الخط -
صعّدت قوات النظام السوري، بإسناد كثيف من الطيران الحربي الروسي، من هجماتها في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة للتقدّم نحو مدينة سراقب ومحيطها، في مسعى للوصول إلى المدينة ومنها إلى بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين والمواليتين للنظام في ريف إدلب الشمالي، وذلك في ظل تشتت الفصائل المدافعة عن المنطقة وخلافاتها مع "هيئة تحرير الشام" المتهمة بالانسحاب أمام قوات النظام. ويأتي ذلك وسط صمت تركي على خرق النظام وروسيا وإيران لتفاهمات أستانة، واستغلالهم كما يبدو انشغال تركيا بعمليتها في منطقة عفرين.

وواصلت الطائرات الحربية والمروحية التابعة للنظام وروسيا، أمس الجمعة، شنّ غاراتها بلا توقف على مناطق ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، خصوصاً مدينة سراقب والقرى المحيطة بها، وامتدت الغارات إلى بلدة تفتناز الواقعة شرق كفريا والفوعة شمال إدلب، كما استهدفت غارة محطة وقود على الطريق الدولي في بلدة معردبسة شرق إدلب. وشمل القصف أيضاً أغلب قرى وبلدات ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، ما اضطر السلطات المحلية إلى إلغاء صلاة الجمعة في هذه المناطق، إذ تعرّضت بلدات جرجناز ومرعيان وكنصفرة وكفرنبل وتل مرديخ والشيخ إدريس والغدفة وخان السبل ومعصران وكفرعميم ومكة واسلامين وتل الطوكان وسراقب وأطرافها لغارات جوية روسيّة أغلبها بالقنابل الحارقة.

وقال ناشطون محليون لـ"العربي الجديد" إن معظم المراكز والنقاط الحيوية خرجت عن الخدمة في سراقب والقرى المجاورة، مثل كفرعميم والريان والشيخ إدريس، مع استمرار موجة النزوح، وقُدّر عدد النازحين من هناك بمئتي ألف نسمة خلال اليومين الماضيين، وسط تفاقم المعاناة الإنسانية، بعد أن امتلأت البساتين والأحراش والمباني المهجورة في مدينة إدلب بالنازحين الهاربين من القصف.

من جهتها، تحاول فصائل المعارضة التصدي لمحاولات قوات النظام التقدّم في المنطقة، إذ تدور اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وقالت مصادر عسكرية متطابقة لـ"العربي الجديد" إن قوات النظام مدعومة بمليشيات أجنبية والطيران الروسي حققت تقدّماً في محور ريف سراقب، وسيطرت على بلدة تل فخار وأجزاء من بلدة تل السلطان شرق إدلب بعد اشتباكات مع فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" والحزب الإسلامي التركستاني، في حين شنّت فصائل المعارضة هجوماً معاكساً فجر أمس الجمعة بهدف استعادة السيطرة على النقاط والقرى التي تراجعت عنها. وأوضحت المصادر أن المعارك تدور على أكثر من عشر نقاط في محور شرق سراقب وغرب أبو الظهور، في قرى البراغيثي، تل خطرة، السكرية، الصالحية، جديدة، الذهبية، مغارة، طويحنية، طويل الحليب، وموقعي تلة المقبرة وكتيبة الدفاع الجوي، مشيرة إلى أن قوات النظام باتت على بُعد نحو عشرة كيلومترات فقط من مدينة سراقب وعشرين كيلومتراً من مدينة إدلب مركز المحافظة.
وقُتل ستة مدنيين وأصيب آخرون في مدينة سراقب نتيجة القصف الجوي والصاروخي العنيف، كذلك تعرّض مركز الدفاع المدني فيها لغارات روسية أدت إلى إصابة بعض عناصر الدفاع وتدمير الآليات، وخرج مبنى المجلس المحلي في سراقب عن الخدمة نتيجة الغارات، إضافة إلى استهداف الطرقات المؤدية إليها بالرشاشات الثقيلة.

وأعلن وجهاء مدينة سراقب أمس النفير العام وتوحّد جميع فصائل المدينة في كيان عسكري، تحت اسم "جيش سراقب"، وقام الوجهاء بتسجيل المتطوعين فيه. وحسب ما أفاد مصدر محلي من سراقب، فإن الجيش مكوّن من 1400 عنصر بقيادة أبو طراد قائد "جبهة ثوار سراقب"، كما قام أهالي سراقب بحفر خنادق وإنشاء متاريس على أطراف المدينة.
وقال أمين سر "التجمع الثوري في سراقب" حمزة الأبرش، في حديث لوكالة "ستيب الإخبارية"، إنّ "قوات النظام تقترب من سراقب نتيجة العدوان الذي ينتهج عمليات الأرض المحروقة، فهو يشنّ عدوانه على الخطوط الخلفية للجبهة ليُعدم كافة مقوّمات الحياة والثبات للمدنيين، وبدأ بتدمير المستشفى الوحيد في المدينة، يوم الإثنين الماضي، ودمّر البنى التحتية للدفاع المدني وأخرجه عن الخدمة، ولم يترك مكاناً يمكن للمدنيين اللجوء إليه".


من جهته، قال المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام تتقدّم على محور الذهبية-الرصافة-أفيس ما بين بنش وسراقب وتفتناز، بهدف الوصول إلى كفريا والفوعة لفك الحصار عنهما، وهو هدف إيراني معلن. وأشار رحال إلى أن النظام وروسيا يستخدمان القوة المفرطة في هذا الهجوم عبر سياسة الأرض المحروقة التي تمكّن قوات النظام من التقدّم دون قتال تقريباً بسبب كثافة القصف التدميري، لافتاً في الوقت نفسه إلى ورود أنباء عن انسحاب عناصر "هيئة تحرير الشام" من سراقب، وبات الأهلي وحدهم يدافعون عن مدينتهم، داعياً الفصائل إلى التقدّم للدفاع عن سراقب وإدلب بغض النظر عن موقف الهيئة.

وحول الملابسات السياسية المرتبطة بتقدّم قوات النظام غرب سكة الحديد بما يتعارض مع تفاهمات أستانة، اعتبر رحال أن انسحاب الرتل العسكري التركي قبل أيام من تلة العيس إثر التعرض له من قِبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية، يشير إلى خلاف تركي روسي على الرغم من الاتفاق في أستانة على أن تنشر تركيا قواتها في نقطة المراقبة في تل العيس. ورأى رحال أن تغير الوقائع على الأرض، والتقدّم الذي أحرزته قوات النظام شرق إدلب، أغرى كما يبدو النظام وإيران بعدم الالتزام بالاتفاق، وجارَتهم بذلك روسيا، مستغلين معركة عفرين كوسيلة ضغط على الأتراك وفق معادلة: تراجعوا عن العيس وغضوا الطرف عن تقدّمنا في إدلب، لكي نواصل دعمكم في عفرين. وحذر تركيا من أن إيران وروسيا هما مثل الذئاب ولا يمكنها أن تأمن جانبهما، "فأنتم لا تتعاملون مع حلفاء بل مع ذئاب ينقضون عليكم عند أول فرصة".

وحول ما يقال عن صفقة بين تركيا وروسيا مفادها "إدلب مقابل عفرين"، قال رحال إنه لا يستطيع تأكيد وجود مثل هذه الصفقة بسبب غياب الأدلة، خصوصاً أنه توجد في إدلب عشرات الفصائل، وليست لتركيا سلطة عليها كلها، بل سلطتها على عدد محدود منها فقط، مشيراً في الوقت نفسه إلى عوامل أخرى أسهمت في تقدّم قوات النظام أهمها الخلافات بين فصائل المعارضة والانسحابات غير المفهومة التي قامت بها "هيئة تحرير الشام" من بعض المناطق، فضلاً عن كثافة النيران المستخدمة من قِبل النظام وروسيا، معرباً عن تشاؤمه إزاء التطورات المقبلة في إدلب.

من جهته، اتهم القيادي السابق في "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حالياً)، صالح الحموي، الهيئة بعدم قتال قوات النظام بشكل جدي، وعرقلة مسعى بقية الفصائل للقتال. وقال الحموي في تغريدات له على "تويتر"، إن الهيئة قامت بسلسلة انسحابات في ريف حماة الشرقي وصولاً إلى إدلب، إضافة إلى معارك ريف حلب الجنوبي، و"عملت على تفكيك معظم فصائل الثورة لأجل الهيمنة لا لمحاربة الفساد، وانسحبت من المناطق عن سابق قصد، بل خربت غرف عمليات للجيش الحر".

ولا تقتصر العمليات على ريف إدلب الشرقي، بل صعّدت قوات النظام من القصف والعمليات العسكرية في ريف حلب الجنوبي أيضاً، حيث قُتل وجرح سبعة مدنيين ليل الخميس-الجمعة، جراء إلقاء الطيران المروحي براميل متفجرة على قرية حوير العيس في منطقة جبل سمعان جنوب حلب. كذلك قُتل 4 مدنيين وأصيب آخرون أمس الجمعة جراء غارات شنّها الطيران الروسي على بلدة كفرنبودة شمالي حماة، فيما تم استهداف "مستشفى الشهيد حسن الأعرج" في ريف حماة، ما أدى إلى خروجه عن العمل. وأشارت مصادر محلية إلى أن معظم مناطق شمالي حماة تشهد تصعيداً عسكرياً وقصفاً جوياً من قبل الطيران الروسي، خصوصاً مدينتي كفرزيتا واللطامنة وبلدة كفرنبودة وقريتي الأربعين والزكاة، ما يسفر عن وقوع ضحايا من المدنيين.

كذلك تتواصل المعارك في مدينة عفرين بين فصائل الجيش الحر المدعومة من تركيا والوحدات الكردية في المدينة. وأعلنت رئاسة الأركان التركية "تدمير 6 أهداف إرهابية في غارات جوية" أمس الجمعة، مشيرة في بيان آخر إلى "تحييد" 823 عنصراً من "وحدات حماية الشعب" ضمن عملية "غصن الزيتون". وأعلنت فصائل المعارضة سيطرتها على مركز ناحية بلبل، عقب معارك عنيفة مع "وحدات حماية الشعب". من جهتها، قصفت الوحدات الكردية بقذيفتين صاروخيتين مركز ولاية كلس الحدودية مع سورية، ولم يسفر القصف عن سقوط ضحايا من المدنيين، بحسب وكالة "الأناضول". كما سقطت قذائف مدفعية على مدينتي الريحانية وهاتاي ما خلّف 6 جرحى من المدنيين.

وفي ريف دمشق، تحدث الدفاع المدني السوري عن إصابة العديد من المدنيين بجروح جراء تجدد القصف المدفعي من قوات النظام على الأحياء السكنية في مدينة حرستا في الغوطة الشرقية المحاصرة، بينما سقطت قذائف صاروخية الليلة قبل الماضية على مناطق في حي عش الورور وحي المزة وحي وضاحية الأسد الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين. وتشهد الأطراف الشمالية الشرقية من مدينة دمشق معارك عنيفة جراء هجوم من قوات النظام على مواقع المعارضة المسلحة في محاور مدينة عربين على أطراف الغوطة الشرقية.