حرب اللوبيات في أميركا ضد قطر: من يقف خلفها؟

27 مايو 2017
داخل قطر مول (جون فيليبس/Getty)
+ الخط -
يكاد لا يمرّ يوم واحد، منذ أكثر من شهر، إلا ويجد المتابع للإعلام الأميركي، المكتوب خصوصاً، ولإنتاجات مراكز الدراسات الأميركية الفاعلة في واشنطن، مقالاً أو ندوة أو دراسة بعنوان ومضمون موجَّهين سياسياً في اتجاه ثلاثي الأضلاع: قطر، وعلاقة مفترضة تربط هذه الدولة بحركة الإخوان المسلمين، ومن خلفهما عنوان عريض اسمه "شيطنة قطر" وتصويرها كداعم للإرهاب.
واللافت في هذه الإنتاجات، التي تستعين بإعلاميين وسياسيين أميركيين حاليين ومتقاعدين من "الصف الأول" أحياناً، أن خيطاً واحداً يربط في ما بينها، وشخصيات عربية وأجنبية تدير ماكينتها، يظهر، من دون عناء كبير، أنها تنتمي في النهاية إلى مصدرين اثنين؛ الأول يسمى في واشنطن "اللوبي الإماراتي" السياسي ــ الإعلامي الفاعل للغاية في العاصمة الأميركية، على شاكلة تمويل دراسات ومقالات ووثائقيات تلفزيونية وورش عمل تتخذ من "الفكر" عنواناً عريضاً لها، لكنها في نهاية المطاف تبدو عبارة عن حملات سياسية في خدمة الترويج لسياسات خارجية تتبناها دول، كالإمارات ومصر والسعودية أحياناً، أو موضوعة بهدف مهاجمة سياسات تعتمدها دول كقطر وتركيا غالباً، وذلك باختيار توقيت سياسي غالباً ما يكون مدروساً، مثلما حصل أخيراً، أي منذ تحديد موعد لأولى زيارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخارج، واختياره السعودية منطلقاً لها. والمصدر الثاني هو اللوبي الإسرائيلي الذي ربما يكون الأقوى على الإطلاق في الإعلام وفي دوائر صنع القرار الأميركي ومراكز الدراسات الأكبر والتي تجاهر بدعمها إسرائيل وسياساتها بشكل مطلق.


وغالباً ما يظهر لقاء مصلحة بين اللوبيين في عدد من المواضيع، تحديداً في ما يتعلق بمهاجمة قطر، ذلك أن عداء أبوظبي – القاهرة الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مثلاً، يكاد يزيد عن العداء الإسرائيلي لها. من هنا، يظهر في أحيان كثيرة اهتمام إعلامي استثنائي من وسائل إعلام محسوبة على أبوظبي مثل "قناة الغد" التلفزيونية (المحسوبة على القيادي الأمني المطرود من حركة فتح، محمد دحلان)، بأحداث وفعاليات "فكرية" وإعلامية وسياسية تنظمها شخصيات ومؤسسات مؤيدة لإسرائيل بشكل مطلق. آخر تجليات هذه الظاهرة، بدت في مؤتمر "منظمة غينزا" الأميركية المتخصصة بالأمن القومي الأميركي، عقد في إحدى قاعات الكونغرس الأميركي في واشنطن مطلع شهر مايو/ أيار الحالي، واستضاف عدداً من السياسيين الأميركيين المعروفين بتأييدهم لإسرائيل وبتحريضهم ضد دولة قطر، أبرزهم كان المبعوث الأميركي الأسبق إلى الشرق الأوسط، السفير دينيس روس. وقد تصدرت المؤتمر المذكور عناوين تحتلّ اليوم صدارة المواقف المتداولة حالياً في العواصم المصرية والإماراتية والسعودية ضد قطر، من نوع "هل ينبغي إغلاق قاعدة العديد الأميركية في قطر"، و"تمويل قطر لمنظمات إسلامية متطرفة ودعمها بالسلاح والمال". والمقصود بالجماعات هذه بتعريفات روس، حركة "حماس" و"الإخوان المسلمين"، ويضيف إليها المؤتمر، الذي كان نجمه روس، "جبهة النصرة وليبيا وداعش"، بحسب تعبير عضو الكونغرس الأميركي، براد شيرمان. كل ذلك مع إضافة المتحدثين في المؤتمر كليشيهات تستخدم اليوم في كل تعليق ومقال وتقرير في إطار الحملة الحالية ضد الدوحة، من نوع أن "استمرار دعم قطر للإخوان المسلمين خطير على مستقبل المنطقة العربية".

14 مليون دولار سنوياً

هذا النمط من عمل لوبي أبو ظبي في الولايات المتحدة ليس جديداً بالنسبة لمن يعرفون أن دولة الإمارات هي أكثر دولة شرق أوسطية تنفق أموالاً على العلاقات العامة ولوبيات الضغط في واشنطن. ويضطلع السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، بدور مركزي في إدارة لوبي أبوظبي ونسج العلاقات مع صناع القرار في البيت الأبيض والكونغرس.

وتظهر إحصائية تعود لعام 2016 أن الإمارات تدفع من خلال سفارتها في واشنطن نحو 14 مليون دولار سنوياً لشركات علاقات عامة ومنظمات ضغط وشخصيات سياسية، ويأتي المغرب في المرتبة الثانية، حيث تبلغ الميزانية السنوية للوبي المغربي في واشنطن نحو أربعة ملايين دولار، وتليهما كل من السعودية في المرتبة الثالثة وقطر رابعة.

13 مقالاً في 5 أسابيع
ومنذ الإعلان عن موعد زيارة ترامب إلى الرياض، مع كل ما رافق التحضير لها من حملة إعلامية وسياسية ترويجية، ارتفعت وتيرة النشر في الإعلام الأميركي ضد دولة قطر عموماً، ليصل عدد المواد الصحافية المكتوبة التي تندرج في خانة "شيطنة قطر" إلى 13 مقال رأي خلال خمسة أسابيع، بحسب أرقام أدلى بها وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يوم الخميس، في الدوحة، في سياق تعليقه على الحملة المستجدة ضد بلده والتي انطلقت بزخم غير مسبوق وبأدوات جديدة تمثلت باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية "قنا"، ليل الثلاثاء ــ الأربعاء، واختراع خطاب غير موجود لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، يكون منطلقاً لشنّ "حرب" إعلامية وسياسية ضد الدوحة أملاً في أن تحقق هذه الحملة أهدافها، وأن تغيّر الدوحة من سياساتها الخارجية التي تصرّ هذه الدولة على أن تبقى مستقلة عن محاور المنطقة.

أبرز الصحف ومراكز الأبحاث

واحتلت مجلة "فورين بوليسي" وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركيتين، أخيراً، صدارة وسائل الإعلام المفضلة بالنسبة للرأس المدبر للحملة الإعلامية ضد قطر في الولايات المتحدة. أما في مراكز الدراسات الأميركية، أو الـ"ثينك تانكس"، فقد قدمت أبوظبي مئات ملايين الدولارات سنوياً كتبرعات لمنظمات ضغط ومراكز أبحاث وسياسات. وتُتداول في واشنطن أسماء البعض من هذه المراكز، من دون أن يكون ممكناً التأكد بشكل دقيق من مصادر تمويلها، منها مركز التقدم الأميركي CENTER OF AMERICAN PROGRESS، مؤسسة اسبن ASPEN INSTITUTE، ومؤسسة شرق غرب THE EASTWEST INSTITUTE ومركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CENTER FOR STRATEGIC AND INTERNATIONAL STUDIES، ومركز الشرق الأوسط middle east institute.
وتطمح أبوظبي في إقناع الأميركيين بالتخلي عن قاعدة العديد الأميركية الجوية في قطر، ونقلها إلى القواعد الأميركية في الإمارات. وبرز دور السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وهو ابن أول وزير نفط إماراتي، عندما عينه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مستشاراً للعلاقات الدولية وتحديداً للعلاقات مع الولايات المتحدة. وكونه اليد اليمنى لمحمد بن زايد، فإن العتيبة كان مسؤولاً عن الشؤون الدفاعية لدولة الإمارات، وخصوصاً لجهة العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، الأمر الذي ساعده على بناء صداقات مع جنرالات الجيش الأميركي أيضاً.

قائد "الحرب": يوسف العتيبة
وبعد تعيينه سفيراً للإمارات في العاصمة الأميركية عام 2008، نجح العتيبة خلال سنوات قليلة في نسج علاقات صداقة وطيدة مع مروحة من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال في واشنطن. ساعدته في ذلك الجمهورية إمي ليتل توماس، الموظفة السابقة في إدارة جورج بوش الابن، التي عينت مسؤولة عن التشريفات في السفارة الإماراتية في واشنطن. ولم يقتصر نشاط العتيبة على مكتبه في مقر السفارة، بل تحولت أجنحة فنادق "فور سيزنز" و"ريتز كارلتون" في واشنطن إلى قاعات اجتماع وموائد عمل تجمعه بأعضاء مجلس شيوخ ونواب ورجال أعمال وإعلام. وينقل تقرير نشره موقع "هافنغتون بوست" عن مستشار سابق في البيت الأبيض، أن العتيبة يفهم "كيف تعمل واشنطن، وكيف يعمل الكونغرس". ويقارن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، ريتشارد بور، بين السفير الإماراتي نفسه، وبين الرئيس السابق للاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، الذي تحول إلى لاعب سياسي مؤثر في واشنطن عندما كان سفيراً للسعودية في الولايات المتحدة.

ويشير تقرير "هافنغتون بوست" إلى كيفية تحول السفير الإماراتي إلى رمز "للسخاء" على السياسيين والإعلاميين في واشنطن من خلال تمويل تنظيم المؤتمرات والدعوات العامة والاجتماعات الخاصة على الموائد وفي السهرات. ورغم العلاقات الوطيدة التي ربطت السفير الإماراتي مع الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية الرئاسية، هيلاري كلينتون، إثر تقديم الإمارات أكثر 3 ملايين دولار لصندوق "مؤسسة كلينتون الخيرية"، فإن علاقات قوية ظلت تربط العتيبة بالإدارة الجديدة، وخصوصاً مع جاريد كوشنر، صهر ترامب، وكبير مستشاريه. حتى أن العتيبة كان من أوائل الشخصيات العربية التي التقاها كوشنر في واشنطن في عهد الإدارة الجديدة.
وتشير بعض التقارير الصحافية إلى دور ما للعتيبة في قضية العلاقات بين حملة ترامب الانتخابية والمسؤولين الروس في إطار التحقيقات بالعلاقات المشبوهة بين الطرفين. ويرجح أن يكون الدبلوماسي الإماراتي قد شارك في اجتماع سرّي عقد في نيويورك ضم إلى جانب كوشنر، ومسؤولين آخرين في فريق ترامب، كلاً من السفير الروسي في الولايات المتحدة سيرغي كيسلاك وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وذلك في إطار مسعى إماراتي لتأمين قناة سرية بين إدارة ترامب والحكومة الروسية.

ندوة فيرمونت
وفي إطار الحملة الإعلامية المنظمة ضد دولة قطر، نظمت مجموعات ضغط أميركية قريبة من لوبي أبوظبي في الولايات المتحدة، قبل يومين، مؤتمراً تحت عنوان "قطر والفروع الدولية للإخوان المسلمين"، أشرف على تنظيمه كليفورد ماي، الناشط الإعلامي الجمهوري القريب من مجموعة "المحافظون الجدد" التي ظهرت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وأدارت البيت الأبيض من خلال إدارة الرئيس بوش الابن، وأشرفت على التخطيط لحرب العراق عام 2003. وخلال كلمة ألقاها في جلسة افتتاح المؤتمر في "أوتيل فيرمونت"، قال منظم المؤتمر إن جهات (لم يسمها) حاولت منع انعقاد المؤتمر، وإنه واجه صعوبات في إقناع مسؤولين كبار في إدارة الرئيس دونالد ترامب بالمشاركة فيه، فاقتصر الحضور على مسؤولين سابقين في إدارة بوش، منهم وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، الجمهوري إد رويس، والسفير الباكستاني السابق في واشنطن حسين حقاني. علماً أن دعوة لم توجه لأي طرف قطري للمشاركة في المؤتمر.

وفي الحوار الذي أدارته الإعلامية في قناة "فوكس نيوز"، جينا لي، حرص وزير الدفاع الأميركي السابق على لفت نظر محاورته إلى أنه متقاعد منذ ست سنوات وأنه لا يتسلم أي تقارير رسمية وأن معلوماته مقتصرة على ما تنشره وسائل الإعلام. ورغم انتقاداته لعلاقة قطر بحركة "حماس" على خلفية إعلان وثيقتها السياسية من الدوحة، إلا أن غيتس حذر منظمي المؤتمر من التمادي في خطابهم المعادي لقطر التي تبقى في كل المقاييس "حليفاً عسكرياً قوياً للولايات المتحدة" كونها تستضيف قاعدة العديد، أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج والمنطقة، على حد تعبيره. ورأى أن مشاركة قطر في القمة الإسلامية ــ الأميركية في الرياض، وتوقيعها على اتفاقيات مكافحة الإرهاب التي تم إبرامها، هي "الطريق الصحيح لإزالة الشوائب من العلاقات الأميركية القطرية".

كما أبدى غيتس حذراً مماثلاً من دعوات منظمي المؤتمر ومن حماسة بعض المشاركين فيه لإدراج جماعة "الإخوان المسلمين" على لوائح الإرهاب. وقال إنه يفضل عدم التسرع في ذلك واقتصار الإدراج على "أجنحة أو فروع للجماعة معروف قيامها بأنشطة إرهابية".
بدوره، شدد عضو مجلس النواب، إد رويس، على ضرورة التمييز بين ما سماها "أجنحة الإخوان المسلمين المتورطة بشكل مباشر بالإرهاب، حركة حماس تحديداً، وبين أحزاب ومنظمات وأحزاب في دول إسلامية متأثرة بعقيدة الإخوان المسلمين وتشارك في السلطة السياسية في بلدانها عبر العملية الانتخابية"، مشيراً إلى أنه سيقترح خلال الأسبوع المقبل على الكونغرس فرض عقوبات جديدة على حكومات الدول التي تدعم "المنظمات الإرهابية وتقدم لها ملاذاً آمناً".

وفي الأشهر القليلة الماضية، حرّكت بعض اللوبيات الناشطة في واشنطن، لصالح عدد من الحكومات العربية، وخصوصاً لمصلحة أبوظبي والقاهرة، قضية إدراج جماعة الإخوان المسلمين على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية من خلال مشاريع قوانين يتم إعدادها للتصويت في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين. وتصاعدت تلك الحملة بعد دعوة ترامب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة البيت الأبيض. وقرأ البعض الحفاوة التي استُقبل بها السيسي أنها مؤشر على أن قراراً وشيكاً سيصدر بشأن "الإخوان المسلمين". وقد ضاعفت ماكينة لوبي أبوظبي من نشاطها، من أجل تمتين العلاقات العسكرية والأمنية مع واشنطن، خصوصاً بعد تسلم ترامب الإدارة الجديدة. وقد توجت تلك الجهود بزيارة محمد بن زايد إلى البيت الأبيض قبل أيام، وعقد صفقات سلاح جديدة والإعلان عن اتفاق عسكري استراتيجي جديد بينهما، ينظم الوجود العسكري الأميركي في الإمارات في السنوات الـ15 المقبلة.