القصف الأميركي لقاعدة الشعيرات: ​أهداف سياسية بالدرجة الأولى

07 ابريل 2017
أهداف سياسية تتجاوز الأهداف العسكرية بالنسبة لترامب(جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
من يتابع ردود الفعل الغاضبة لمعسكر داعمي النظام السوري، المغلّفة بشعار "كنا نتوقّعها"، أي الضربة العسكرية لقاعدة الشعيرات الجويّة في حمص فجر اليوم الجمعة؛ يدرك أن شيئاً كبيراً قد حصل بالفعل، وأن الآتي قد يكون أعظم. ليس المقصود تغييراً في الميزان العسكري طبعاً، من دون التقليل من أهمية الشعيرات كمنصة هي أكبر من مطار عسكري لانطلاق حاملات الموت على المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام. التغيير الذي ربما تمهد له الضربة المحدودة بـ59 صاروخ "توماهوك"، هو سياسي لا بد أن يترك أثراً عسكرياً سيكون حاسماً في تحديد وجهة وشكل إقفال الملف السوري يوماً ما.

أغلب الظنّ أن الكلام عن إخطار أميركي مسبق للقيادة الروسية بشأن الضربة صحيح، فلا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولا غيره في الإدارة اليوم يفكر بحرب شاملة ضد روسيا مباشرة. كان لا بدّ من إيصال رسالة للروس مفادها أن زمن باراك أوباما قد تغير، ليصبح الطلب الأميركي لروسيا بإخلاء القاعدة المخطّط استهدافها في حمص، بمثابة جرس إنذار أميركي لروسيا لا يحتمل تلاعباً على الكلام: دعمُكم لنظام بشار الأسد سيتسبب لكم بمشاكل كبيرة معنا، فادرسوا وقف رعايتكم المقدسة له. ويمكن أن تكون للرسالة تتمّة؛ اليوم أمكن تفادي إصابة أهداف روسية في قصف قاعدة الشعيرات، لكن ربما لا يحصل ذلك في المرات المقبلة، خصوصاً في حال لم يفهم النظام السوري الرسالة، أو في حال لم توصل موسكو لحكام دمشق وطهران عناوين واضحة للمرحلة المقبلة: زمن باراك أوباما في سياسة "دع روسيا تفعل ما تشاء لعلّها تغرق في المستنقع السوري"، قد ولّى بالفعل.

لقد ظهر، منذ تأجيل التصويت في مجلس الأمن الدولي، الذي كان مقرراً عند الثانية من فجر الجمعة بتوقيت القدس المحتلة، على مشروع القرار الأميركي البريطاني الفرنسي حول إدانة نظام الأسد بجريمة خان شيخون، أن الليل سيشهد ضربة عسكرية أميركية محدودة مع تسريب الإعلام الأميركي عشرات الأخبار العاجلة، كلها تذهب بهذا الاتجاه، مع الطلب عند الثانية والنصف فجراً، من مراسلي "البنتاغون"، عدم مغادرة الوزارة. حتى إن النظام السوري نفسه أُعطي الوقت الكافي لإجلاء طائراته من القاعدة المراد استهدافها، ذلك أن الضربة العسكرية ليست ذات أهداف عسكرية، بل سياسية. هي نوع من الضربات التي ينحصر الهدف منها بالقول إن أميركا جاهزة للحرب ولا تخشاها كحال أوباما في الأمس القريب.



لم يكن ترامب متحمساً لإسقاط النظام السوري، وهو ما لم يتغير اليوم، في ظل نظرته المسطحة للعالم، والتي تفيد بأن البديل لنظام الأسد اليوم هو "الإرهاب الداعشي". رؤية مسطحة جاهلة لم تفهم بعد الرابط بين نظام الأسد ونموّ الحالات العدمية التي تتخذ من "داعش" وأشباهه عنواناً لها، ولم تدرك بعد أن أكبر ضحايا "داعش" هي الفصائل السورية التي تحارب الأسد من الشرق؛ فيضربها "داعش" من الغرب. صحيح أن ترامب ليس في وارد هذا الفهم ولا الربط اليوم، لكنه كان بحاجة ماسة لفعل عسكري ــ سياسي يوقف نزيفه الداخلي، ومغادرة أركان من إدارته سفينة الحكم باكراً جداً، بسبب روسيا تحديداً. كان الرجل بحاجة ليقول أنا الرئيس في السياسة الخارجية على الأقل، بعدما عجز لمرتين عن فرض قراراته في الداخل، من بوابة تنفيذ حظر دخول رعايا دول يعتبرها مصدراً محتملاً لإرهابيين.

ثرثرة بيانات وكالة "سانا" حول عدم تأثير الضربة الأميركية على نظرة دمشق لخيار الحسم العسكري، صارت ممجوجة إلى درجة أن المعركة الكلامية تولتها روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين مباشرة، ووكالات أنبائها، فظهرت منذ الفجر توصيفات "العدوان الأميركي" الذي استوجب تعليق العمل بالاتفاقية الأميركية ــ الروسية حول سلامة الطيران الجوي، مع تنديد لم يصل، حتى الآن، إلى مستوى التهديد، ما خلا الوعيد الروسي بأن الضربة الأميركية ستؤثر على مستقبل العلاقات الأميركية ــ الروسية التي تشكل ثقلاً يرغب ترامب ربما بالتخفيف من حمله.

أغلب الظن أن نظام الأسد دخل في طور انتحاري تعمّقه الأوامر الإيرانية خصوصاً. من هنا، لا يُتوقع أن يكون للضربة المحدودة على الشعيرات أثر سريع في إقناعه بالموافقة على تسليم السلطة لهيئة حكم انتقالية، بحسب الدعوة السريعة التي وصلت من وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، صبيحة الغارات، وهو ما يفتح، على الأرجح، احتمالات تصعيد أميركي إضافي ألزم ترامب نفسه به بمجرد أنه أمر بتنفيذ غارات حمص فجر السابع من إبريل/نيسان، لأن التراجع سيُعتبر نقيصة عند رئيس أميركي يقوم جزء كبير من مشروعيته على ذكوريّة "أنا رجل وأنفذ ما أتعهد به".

الضربة الأميركية العسكرية الأولى منفصلة عن التصور الشامل الذي طلب ترامب من وزاراته وأجهزته تقديمه إليه حول سورية، فهي مجرد ضربة ــ إنذار ربما تليها خطوات لا تتوقف التسريبات الأميركية حولها، من نوع تحييد المطارات العسكرية للنظام، وصولاً إلى فرض حظر جوي فوق سورية، مروراً بإعادة منح الثقة للفصائل السورية المسلحة، التي لا يجمعها مع تنظيمي "داعش" و"النصرة" سوى العداء والحرب، انتهاءً ربما بإقامة مناطق آمنة من الإرهابَين الداعشي والأسدي معاً. قرارات مجلس الأمن الدولي صارت بلا قيمة بعد قصف الشعيرات، فصار لزاماً على روسيا أن تقتنع بضرورة الاختيار بين إيران وأميركا كحليف ــ شريك حول سورية، وتتخذ قرارات مصيرية بناءً على هذا الخيار.