اليمن: زيارة غريفيث تعزز فرص الحل السياسي

23 نوفمبر 2018
وصل غريفيث إلى صنعاء الأربعاء (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

مجدداً، يحتل الحراك الدبلوماسي الدولي لوقف الحرب اليمنية، صدارة المشهد اليمني، في ظل التحضيرات المكثفة التي يُجريها المبعوث الدولي، مارتن غريفيث، لعقد جولة مشاورات بين الأطراف اليمنية في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد، مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل، في ظل معطيات إقليمية ودولية ترجح كفة الحل السياسي على حساب الحرب، ووسط تساؤلات عما إذا كانت الجولة المقبلة ستختلف عن كل ما سبقها، أم أنها قد تصبح فرصة ضائعة، كما اعتاد اليمنيون على مدى ما يقرب من أربع سنوات.

ويُجمع أكثر من مصدر سياسي في الحكومة اليمنية والأحزاب الموالية للشرعية، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، على أن مستجدات الأوضاع في البلاد والموقف الدولي من الحرب، باتا يعززان ملامح مرحلة مقبلة مختلفة عما سبقها، في مسار المفاوضات السياسية الهادفة إلى وقف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، بصرف النظر عن المعارك المفتوحة، والتي يظل وقف إطلاق النار فيها مهدداً في أغلب الاحتمالات، كجبهة مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي.

وتبرز المتغيرات المتعلقة بالمسار السياسي، بالدعم غير المسبوق الذي يتمتع به المبعوث الدولي، مارتن غريفيث، الذي يزور صنعاء حالياً، وتشمل زيارته مدينة الحديدة، اليوم الجمعة، لخلق "فرصة للتهدئة في إطار التحضير لمشاورات السلام"، كما قال مصدر في مكتبه لوكالة "فرانس برس" أمس.
والتقى غريفيث أمس الخميس، زعيم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عبدالملك الحوثي، وناقش معه الإجراءات التي من الممكن أن تساعد على إجراء مشاورات جديدة، والتسهيلات التي يطالب بها الحوثيون لنقل جرحى من الجماعة ومرضى للعلاج خارج البلاد. وقال المتحدث باسم الحوثيين ورئيس وفدهم المفاوض، محمد عبدالسلام، في بيان، إن زعيم الجماعة "أكد أهمية المصداقية والإرادة لدى قوى العدوان" بالذهاب إلى الحل السياسي "بعيداً عن المغالطات والتزييف كما يحصل قبيل كل مشاورات". وأضاف أن الحوثي أشار إلى ما سبق أن قدّمته الجماعة من "مبادرات إيجابية وخطوات عملية باتجاه دعم الحل السياسي"، بما في ذلك ما يتعلق بمحافظة الحديدة، بعدما قدّمت الجماعة عرضاً لمنح الأمم المتحدة دوراً رقابياً وإشرافياً على ميناء الحديدة.

ويتحرك غريفيث مشمولاً بدعم لا محدود من الأطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا. وكان لتحركات لندن الأثر المباشر في الهدنة غير المعلنة في الحديدة، وهي قدّمت مشروع قرار دولي بشأن اليمن في مجلس الأمن الدولي لدعم غريفيث والتهدئة التي دعا إليها وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، منذ أسبوع.

لكن برز، في المقابل، كلام لرئيس ما تسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي، الذي كتب على "تويتر" أمس، أنه يأمل ألا يتبع زيارة غريفيث إلى الحديدة "تصعيد للعمليات العسكرية" من قِبل "تحالف العدوان". وأضاف "آمل أن تكون أجندة زيارة المبعوث تحمل مقترحات بنّاءة تلبي الوضع الاقتصادي والإنساني، وتحدّد معالم حقيقية لصناعة السلام وفق رؤية واضحة لا تخضع لإملاءات أو حمل رسائل من دول العدوان".

وبعد الفشل الذريع الذي منُيت به الجولة السابقة من المفاوضات، والتي كان من المقرر أن تستضيفها جنيف، في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي، بدا المبعوث الأممي حريصاً على التدارك هذه المرة، إذ تحفّظ على إعلان موعدٍ محدد لانطلاق المفاوضات، خشية أن يطرأ أي تأخير. كما أعلن أنه ينوي اصطحاب أعضاء الوفد المفاوض عن الحوثيين من صنعاء، إلى جانبه، بعد أن كان مبرر غياب هذا الوفد عن جولة جنيف، هو مطالبة الحوثيين بـ"طائرة آمنة" تابعة لسلطنة عُمان لنقلهم.


وبالنظر إلى الظروف التي سبقت جنيف 3 اليمني (الذي فشل من دون أن يبدأ)، تبرز العديد من المتغيرات التي ترفع فرص عقد جولة مفاوضات ناجحة، إذ تأتي مسبوقة بضغوط دولية غير مسبوقة على كلٍ من السعودية والإمارات، عمودي التحالف العسكري للحرب في اليمن، وفي ظل موقفٍ صعبٍ للرياض على الأقل، كأحد تبعات قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وما أعقبه من مواقف دولية ضاغطة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي يُنظر إليه كصاحب القرار الأول عملياً في التحالف.

إلى جانب ذلك، تفيد مصادر في الحكومة اليمنية وأخرى قريبة من الأمم المتحدة، بتقدمٍ حققته المفاوضات المرتبطة بـ"إجراءات بناء الثقة"، والتي تشمل بصورة أساسية إطلاق سراح المعتقلين والأسرى، أو بعض منهم على الأقل، وفق آلية تقترحها الأمم المتحدة. إلى جانب إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، المغلق أمام الرحلات التجارية منذ أكثر من عامين، وكذلك السماح بوصول المساعدات الإنسانية. وهذه المساعدات ترتبط بصورة أساسية بالتصعيد العسكري في مدينة الحديدة، بوصفها تضم الشريان الذي تمر عبره أغلب الواردات والمساعدات الإنسانية إلى اليمن.

وفي الوقت ذاته، تشير أغلب التصريحات الصادرة عن الحكومة اليمنية وعن الحوثيين، إلى وجود موافقة على التوجّه للمشاركة في مفاوضات ستوكهولم. واستبق الحوثيون ذلك، بإعلان وقف إطلاق الصواريخ البالستية وضربات الطائرات المسيّرة تجاه السعودية والإمارات وحلفائهما، مع إعلان الجماعة عن استعدادها لوقف العمليات العسكرية في مختلف جبهات الحرب المشتعلة في البلاد، في إطار تهدئة تهيئ لإنجاح المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة.

وفيما تصب غالبية المعطيات، ميدانياً وسياسياً، في اتجاه عقد مشاورات السويد، مع احتمال الإعلان عن اختراقات سياسية بالتزامن معها أو قُبيل انطلاقها، مثل الإفراج عن المعتقلين، إلا أن التعقيدات الميدانية تظل تحدياً غاية في الأهمية، في ظل حالة عدم الثقة بين الأطراف. ويأتي الوضع في مدينة الحديدة على رأس التهديدات، مثلما أنه قد يتحوّل إلى صفقة يتم التفاهم سياسياً بشأنها، لتجنيب المدينة دماراً لا يقف تأثيره عند حدودها، بقدر ما يهدد أيضاً وصول الإمدادات إلى أغلب المحافظات اليمنية شمال ووسط البلاد. ويبقى تحقيق التقدم في هذا الشأن قضية غاية في التعقيد، لكنه لا يمنع بروز ملامح مرحلة مختلفة، يتصدر فيها المسار السياسي على حساب الحرب، مع إجماع المواقف الدولية على ألا حل عسكرياً في البلاد.