معسكر المسطومة: القوة الضاربة للجيش التركي في إدلب

01 مايو 2020
تعزيزات عسكرية تركية في المسطومة بفبراير الماضي(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

تفاقمت التطورات العسكرية في إدلب بشمال غربي سورية أو "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها)، بعد استئناف النظام لهجماته بدعم روسي وإيراني في نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، من خلال الاجتياح البرّي انطلاقاً من جنوب إدلب وشرقها، الذي ترافق مع حملة من سلاح الجو الروسي أو التابع لقوات النظام. وهو ما دفع بالجيش التركي لإرسال تعزيزاته بشكل كبير وغير متوقع إلى نقاطه المنتشرة في إدلب، بحسب تفاهمات مساري أستانة وسوتشي. وزاد في ذلك بإنشاء عدد كبير من النقاط العسكرية الجديدة، أضيفت إلى النقاط الـ12 الأساسية التي كانت قد بدأت بالتمركز في إدلب وما حولها نهاية عام 2017، ليفوق عدد النقاط التركية اليوم في المنطقة الـ45 نقطة عسكرية، إلا أنّ أضخمها يعدّ معسكر المسطومة القريب من قرية المسطومة، جنوبي مركز المحافظة (مدينة إدلب).

فمنذ السابع من شهر فبراير/ شباط الماضي، بدأ الجيش التركي بإرسال أولى تعزيزاته إلى المعسكر، وأتبعها برتل يعدّ الأضخم منذ بدء دخول الأرتال والتعزيزات العسكرية التركية إلى إدلب، والذي استقر في معسكر المسطومة في التاسع من فبراير/ شباط، ولحق ذلك مزيد من التعزيزات العسكرية التركية إلى المعسكر من جنود وآليات، حتى بات النقطة الأضخم للجيش التركي في إدلب وما حولها.

ولا شكّ أنّ خيار الجيش التركي بوضع يده على المعسكر، كان مدروساً ولأسباب استراتيجية، إذ تزامن ذلك مع المعارك التي كانت تدور قرب مدينة سراقب، ومحاولة قوات النظام وحلفائها التقدّم غرب المدينة باتجاه الطريق الدولي حلب-اللاذقية "أم 4"، حيث يقع المعسكر شمالي الطريق المذكور بمساحة 2 كيلومتر مربع، مع نية النظام الوصول إليه بعد سيطرة قواته على قرية النيرب الواقعة على الطريق الدولي قرب المعسكر، قبل إعادتها لسيطرة المعارضة بدعم وإسناد من الجيش التركي. وبذلك يكون الأتراك قد حصنوا وجودهم على الطريق من بدايته، غربي سراقب، وجعلوا من المعسكر حاجزاً منيعاً جنوبي مركز المحافظة (مدينة إدلب)، لحمايتها في حال اتخذ النظام وحلفاؤه قرارهم بالتقدم نحوها، بالإضافة لاتخاذ المعسكر مركزاً لتحرك التعزيزات وإعادة انتشارها، بعد وصولها من الحدود التركية-السورية.

وعلى الرغم من أنّ الجيش التركي كان قد اتخذ من قاعدة تفتناز الجوية (مطار تفتناز العسكري)، شمالي شرق إدلب، مركزاً لقيادة عملياته منذ بداية العام الحالي، إلا أنّ المعلومات الواردة من إدلب، تشير إلى أنّ الأتراك بدأوا بالاعتماد على معسكر المسطومة كمركز للعمليات بعد تحصينه وزيادة عتاده منذ منتصف فبراير/ شباط الماضي. وباتت الأرتال القادمة من تركيا تصل إلى المعسكر كنقطة تمركز أولى، ومن ثمّ يتم توزيعها على باقي النقاط المنتشرة في إدلب، والتي لا تزال، أي التعزيزات، مستمرة في التدفق نحو المحافظة إلى اليوم، على الرغم من إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، بداية مارس/آذار الماضي، والذي أوقف العملية العسكرية التركية "درع الربيع" التي شنها الجيش التركي بالمشاركة مع فصائل المعارضة السورية ضدّ قوات النظام، بعد استهداف الأخيرة لنقاط وأرتال للجيش التركي.

ولا يوجد إحصاء دقيق لحجم القوات أو العتاد التي ينشرها الجيش التركي في معسكر المسطومة، إلا أنّ مصدراً عسكرياً من المعارضة السورية، رجح وجود ما لا يقل عن حوالي 3000 آلية، مع ما يفوق الـ5000 جندي تركي، جزء كبير منهم من قوات "الكوماندوس- القوات الخاصة".

كما ينشر الجيش التركي داخل المعسكر، منظومات للتشويش على الاتصالات اللاسلكية في مناطق العمليات، والتي تلتقط إشارة الاتصالات المعادية في قطر يصل إلى 50 كيلو متراً. ويضمّ المعسكر أيضاً المئات من المدرعات والدبابات المتطورة من طراز "فرتينا" و"ألتاي"، بالإضافة إلى راجمات الصواريخ ومدافع الميدان من نوع "يافوز" و"هاوتزر 155" المتطورة. ويعتقد أنّ الجيش التركي قد عزز قواته في المعسكر بمنظومات للدفاع الجوي من طراز "إم آي إم-23 هوك" أميركية الصنع (متوسطة المدى)، التي زجّ بها إلى إدلب على دفعتين، كانت الأخيرة نهاية شهر مارس/آذار الماضي، بالإضافة لمنظومة دفاع جوية تركية الصنع محمولة على العربات.

وتشير إحصائيات "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى أنّ عدد الشاحنات والآليات العسكرية التركية التي وصلت إلى منطقة "خفض التصعيد" في إدلب خلال الفترة الممتدة من الثاني من شهر فبراير الماضي وحتى الـ12 من أبريل الفائت، ارتفع ليصل إلى أكثر من 5915 شاحنة وآلية عسكرية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات وكبائن حراسة متنقلة مضادة للرصاص، ورادارات عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر 10300 جندي تركي. كما أن عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الأخير وحتى نهاية شهر أبريل الماضي، بلغ 2695 آلية إضافة لآلاف الجنود، وفق المرصد. 

ويعني ذلك أنّ هذا الرقم على صعيد تعداد الجنود أو العتاد على حدّ سواء، قد يصل إلى الضعف، إذ إنّ هذه الإحصائية تشمل الفترة الأخيرة فقط، فيما بدأت التعزيزات التركية بالوصول إلى إدلب ومحيطها بكثافة منذ خريف العام الماضي. وتشير التقديرات إلى أنّ عدد الجنود الأتراك الكلي في إدلب فاق الـ20 ألف جندي، وأن الآليات العسكرية التي زجّ بها الجيش التركي إلى نقاطه المنتشرة في إدلب تصل إلى 9000 آلية عسكرية متنوعة.

ويتربع معسكر المسطومة على مساحة 2 كيلومتر مربع فوق تلة قليلة الارتفاع قرب بلدة المسطومة، جنوبي مدينة إدلب بحوالي ستة كيلو مترات. ولأكثر من عشرين عاماً قبل اندلاع الثورة في سورية، اتُخذ المعسكر كمركز لمعسكرات الكشافة التابعة لمنظمة "طلائع البعث"، وهي منظمة رديفة لحزب "البعث" الحاكم، مهمتها تطبيق وتعليم أفكار الحزب في المدارس الابتدائية ومدارس التعليم الأساسي، مستهدفةً الأطفال ما دون 13 عاماً، إذ يخضع معظم الأطفال في تلك المدارس لدورة تدريبية صيفية بعد إنهاء الصف الخامس في معسكرات الطلائع المنتشرة في سورية، ومنها معسكر المسطومة.

وبعد اندلاع الثورة عام 2011، واتخاذ النظام قراره بإرسال قواته إلى المحافظات لوأدها، اتخذت قوات الأسد التي دخلت إدلب، من معسكر المسطومة مركزاً لقيادة العمليات في المحافظة، ودعمته بالعديد من الآليات والجنود، وكان نقطة انطلاق لتلك القوات باتجاه باقي مدن وقرى إدلب، قبل دحرها منه على يد فصائل المعارضة في مايو/أيار من عام 2015، في معارك سيطرت من خلالها المعارضة على مساحات واسعة من إدلب، من ضمنها مركز المحافظة (مدينة إدلب).

وبعد التدخل التركي في إدلب، بناء على تفاهمات أستانة في مايو من عام 2017، بنشر نقاط مراقبة في المحافظة، بعد اتفاق "مناطق خفض التصعيد"، ومن ثمّ اتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سبتمبر/أيلول 2018 حول "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، ومحاولة الروس والنظام الالتفاف على الاتفاقين، وقضم مزيد من المساحات التابعة للمنطقة، اضطر الجيش التركي لتكثيف وجوده في إدلب، وشنّ عملية عسكرية توقفت باتفاق موسكو بين الروس والأتراك لوقف إطلاق النار، وتعليق العملية العسكرية التركية ضدّ قوات النظام السوري أخيراً. إلا أنّ محللين عسكريين وسياسيين ينظرون إلى الاتفاق على أنه غامض وهشّ وغير قابل للصمود، ما يشي بتجدد المعارك حال انتهاء الأزمة الدولية التي سببها انتشار فيروس كورونا. ولا شكّ في أنه سيكون لمعسكر المسطومة دور كبير في حال استئناف المعارك، نظراً للقوة الهائلة التي دفعت بها تركيا إليه.

المساهمون