- **صعود القاطرجي وأعماله**: بدأ كخياط في شرق سوريا وصعد ليصبح وسيطاً لنقل القمح والنفط بين مناطق النظام وداعش، مما أكسبه ثروة كبيرة ونفوذاً اقتصادياً واسعاً.
- **تأثيره ونشاطاته العسكرية**: أنشأ مليشيا مسلحة وشارك في معارك ضد المعارضة، وفرضت عليه الولايات المتحدة والسعودية عقوبات بسبب علاقته بداعش.
لقي رجل الأعمال السوري المعروف، محمد براء القاطرجي مصرعه، أمس الأول الاثنين، من جرّاء ضربة يُعتقد أنها إسرائيلية استهدفته على الحدود السورية اللبنانية، في حدث أعاد إلى أذهان السوريين قصة صعود القتيل خلال سنوات الحرب السورية من خيّاط في شرق سورية إلى واحد من حيتان الاقتصاد والنفوذ، مستغلاً حالة الفوضى التي ضربت البلاد بدءاً من عام 2011.
مقتل براء القاطرجي
وقالت مصادر عاملة في وحدات الرصد والمتابعة التابعة للمعارضة السورية، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن براء القاطرجي (مواليد عام 1976)، وشخصاً معه يُعتقد أنه سائقه، قُتلا من جرّاء غارة نفّذتها طائرة مُسيّرة إسرائيلية، استهدفت سيارة على طريق دمشق - بيروت عند مفرق الصبورة جنوب غربي العاصمة دمشق، بالقرب من الحدود اللبنانية - السورية، جنوب سورية. القاطرجي، وهو من أبرز رجال الأعمال الذين صعدوا خلال سنوات الحرب، كان قريباً من رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أن استهدافه من قبل تل أبيب يُرجّح أنه بسبب علاقته بحزب الله اللبناني والإيرانيين، إذ كان أبرز الداعمين لهم في سورية ولبنان. ويُعتقد أن براء القاطرجي هو الممول لفصيل محلي أسسه حزب الله أخيراً في جنوب سورية، نفّذ عدة عمليات ضد الجانب الإسرائيلي.
وترأس براء القاطرجي مجموعة اقتصادية كبيرة مؤلفة من عشرات الشركات أهمها شركة قاطرجي للصناعات الهندسية الميكانيكية المغفلة الخاصة وشركة أرفادا البترولية وشركة حلب المساهمة المغفلة الخاصة القابضة، وشركة جذور للزراعة وتربية الحيوان وشركة "أليب للاستشارات والحلول التقنية، إلى جانب شركة قاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري وشركة بي إس للخدمات النفطية. وتتبع للمجموعة أيضاً عدة شركات أخرى صناعية، فضلاً عن شركة للحماية والحراسات الأمنية، وهو إشارة على تغلغل عائلة القاطرجي في كل مفاصل الاقتصاد السوري بعد تكوين ثروة فاحشة خلال فترة زمنية قصيرة.
أعمال مشبوهة
تنحدر عائلة براء القاطرجي المولود في مدينة الرقة من بلدة الباب شمال شرقي حلب، فوالده عمل منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي خياطاً في الرقة، وأسس شبكة علاقات في المنطقة ذات الطابع العشائري والقبلي. وبعد وفاة الأب مطلع الألفية الجديدة، انتقل براء القاطرجي وشقيقاه حسام ومحمد آغا إلى مدينة حلب حيث بدأ رحلة الصعود في عالم المال والأعمال المشبوهة والفساد، من خلال نسج علاقات مع ضباط من الطائفة العلوية، ثم برز في عاصمة الاقتصاد السوري سمسارَ معاملات واستثناءات مقابل المال. وأقامت العائلة مطعماً في حلب القديمة، قبل انتقالها إلى العاصمة دمشق لتوسيع دائرة النفوذ.
في عام 2013، سيطرت فصائل الجيش السوري الحر على محافظة الرقة، فبرز براء القاطرجي من خلال علاقاته في هذه المحافظة عندما كان يقطن فيها، وسيطاً لنقل القمح منها إلى مناطق واقعة تحت سيطرة النظام، ما فتح له أبواب نفوذ واسعة تكرست أكثر بعد سيطرة تنظيم داعش على الرقة ودير الزور وريف حلب وأجزاء من الحسكة في عام 2014. وتضم هذه المناطق أغلب ثروات البلاد النفطية والزراعية التي يحتاجها النظام الذي كان في ذاك العام والعام الذي تلاه على وشك السقوط.
عمل براء القاطرجي وسيطاً بين "داعش" والنظام لنقل النفط والقمح من الشرق السوري إلى مناطق واقعة تحت سيطرة النظام، ما مكّنه من تكوين ثروة فاحشة خلال أعوام، لا سيما بعد تحييد جورج حسواني في عام 2015 عن المشهد، وهو رجل أعمال روسي من أصل سوري كان هو الآخر وسيطاً بين النظام و"داعش". استمر القاطرجي بلعب دور الوسيط بعد القضاء على "داعش"، وهذه المرة مع قوات سوريا الديمقراطية التي حلت محل التنظيم في شمال شرقي سورية، حيث واصل نقل النفط والقمح إلى مناطق تحت سلطة النظام.
ياسر الحسين: نقل الوقود والسلع بين مختلف مناطق النفوذ أكسب مجموعة القاطرجي نفوذاً كبيراً
وأوضح الباحث الاقتصادي ياسر الحسين، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "مجموعة القاطرجي من اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد السوري"، مشيراً إلى أن "نقل الوقود والسلع بين مختلف مناطق النفوذ في سورية أكسبها نفوذاً كبيراً وتأثيراً اقتصادياً واسعاً". ولفت إلى أن العائلة "استغلت حالة الفوضى والصراع المستمر في البلاد"، مضيفاً أن "هناك شبكات تهريب واسعة النطاق ساعدتها في نقل الوقود والبضائع بين مختلف المناطق، ما أكسبها أرباحاً طائلة". وقال إن "المجموعة استفادت من الاحتكار في بعض الأسواق والمضاربة على الأسعار في ظل نقص السلع والوقود، ما أدى إلى تحقيق أرباح كبيرة".
ولم ينحصر دور القاطرجي في الجانب الاقتصادي، إذ امتد نشاطه إلى نواحٍ أخرى لتوسيع دائرة النفوذ في بلاد تتنازع عليها قوى محلية وإقليمية ودولية. أنشأ براء القاطرجي مليشيا مسلحة مهمتها حماية قوافل نقل النفط الخام من شمال شرقي سورية إلى مناطق يسيطر عليها النظام حيث تعرضت عدة مرات لهجمات من فلول وخلايا تنظيم داعش في البادية السورية. كما شاركت هذه المليشيا في معارك ضد فصائل المعارضة السورية على جبهات إدلب عام 2020. وذكرت شبكات إخبارية محلية، في مايو/أيار الماضي، أن المليشيا جنّدت أطفالاً ويافعين في محافظة دير الزور، شرقي سورية، برواتب شهرية تعادل نحو 40 دولاراً لحماية القوافل. ويتزعم هذه المليشيا الابن الثاني في العائلة (حسام)، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة الأميركية في عام 2020 عقوبات ضمن الحزمة الخامسة من "قانون قيصر" (مالية واقتصادية وسياسية على نظام الأسد ومن يتعاون معه). كما دعم القاطرجي عدة مليشيات أخرى مرتبطة بطهران التي تضع يدها على الجانب الأكبر من محافظة دير الزور والبادية السورية حيث تمر قوافل النفط الآتية من شمال شرقي سورية، ما يعني تقاطع مصالح الجانبين.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت على براء القاطرجي عقوبات في عام 2018، بسبب علاقته مع تنظيم داعش وتسهيله معاملات نظام الأسد. وفي عام 2022، أدرجت المملكة العربية السعودية 16 اسماً (أفراداً وكيانات) من بينها شركة "القاطرجي" في سورية، ضمن قوائم الإرهاب، لارتباطها بالحرس الثوري الإيراني وتسهيلها تجارة النفط لتنظيم داعش.
رشيد حوراني: الجانب الإيراني مستفيد من مقتل القاطرجي
ورأى الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن ضلوع النظام في مقتل القاطرجي غير مستبعد، وذلك "من أجل الاستحواذ على ثروته الطائلة وإدارتها لمصلحته كما فعل مع رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد". وأشار إلى أن الجانب الإيراني "مستفيد من مقتل القاطرجي"، مضيفاً: "حاول الإيرانيون تقليص نفوذه في محافظة دير الزور منذ أكثر من عامين لمصلحة رجل أعمال آخر هو محمد حمشو والمدعوم من الفرقة الرابعة في قوات النظام (يقودها ماهر الأسد)، إلا أن الجانب الروسي حال دون ذلك". كما اعتبر حوراني أن مقتل القاطرجي المشمول بالعقوبات الدولية "جاء في وقت تُبذل مساعٍ لإعادة تأهيل النظام من قبل بعض الدول العربية وتركيا"، مضيفاً: "ربما أراد النظام التخلص من أحد أبرز أمراء الحرب في هذا الوقت".