سحب نصف القوات من أفغانستان: هدية من ترامب لـ"طالبان"

22 ديسمبر 2018
نحو 14 ألف جندي أميركي في أفغانستان(وكيل كوشار/فرانس برس)
+ الخط -
ما كان متوقعاً بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية، حصل أسرع من التوقعات. فمسلسل الانسحابات الذي أطلقه الرئيس الأميركي يوم الأربعاء، استكمله سريعاً باتخاذ قرار بسحب قسم كبير من الجنود المنتشرين في أفغانستان، قد يصل عددهم إلى نحو 7 آلاف من أصل 14 ألف جندي أميركي في ذلك البلد.

هذا القرار الذي بدا أنه كان مفاجئاً لكل الأطراف، وجاء من دون استشارة أي من حلفاء الولايات المتحدة، أكان الحكومة الأفغانية أو أعضاء حلف شمال الأطلسي، من المتوقع أن تكون له ارتدادات كبيرة على الأرض، إذ يُقدّم هدية كبيرة لحركة "طالبان"، التي ستتوفر فرصة أمامها لاستعادة المبادرة والتوسع ميدانياً من جديد، فيما خسرت واشنطن ورقة كان يمكن أن تستخدمها لدفع الحركة لتقديم تنازلات في المفاوضات السياسية التي ترعاها.

وبشكل مفاجئ بتوقيته ولكن متوقع، كشفت وسائل إعلام أميركية أمس الخميس أن ترامب قرر سحب الآلاف من جنوده من أفغانستان، مع إشارتها إلى أنه اتخذ هذا القرار يوم الثلاثاء بالتزامن مع قراره حول سورية. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن أكثر من 7 آلاف جندي أميركي سيعودون إلى بلادهم، من أصل نحو 14 ألف جندي يقاتلون حركة "طالبان" في أفغانستان، في إطار أطول حرب على الإطلاق أطلقتها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

من جهتها، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي لم تسمه، أن قرار ترامب سيشمل أكثر من 5 آلاف جندي. وقال المسؤول إنه يجري بحث جداول زمنية للانسحاب، لكن من المحتمل أن تبدأ العملية خلال أسابيع أو شهور. وبحسب "رويترز"، أبدى ترامب في أحاديث خاصة عدم رضاه إزاء التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان، وقال لحليف له يوم الأربعاء عبارات مثل "ما الذي نفعله هناك؟ نحن هناك طوال كل هذه السنوات!". وقال المصدر لـ"رويترز" إن الرئيس بدا وكأنه "قد فقد كل صبره" في ما يتعلق بالوجود العسكري في أفغانستان. بينما امتنعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن التعليق على الموضوع. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، غاريت ماركي، إن البيت الأبيض لن يعلّق "على تطورات استراتيجية مستقبلية".

وكما قراره حول سورية، بدا أن ترامب اتخذ موقفه من أفغانستان من دون أي تشاور مع أي من حلفائه. ونقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسي غربي في كابول قوله إن "الولايات المتحدة لم تتشاور معنا بشأن الانسحاب، وسنبدأ اجتماعات لبحث الأمر". وأضاف "سيستغرق الأمر بعض الوقت وهناك بعض الدول المستعدة للخروج. ومن ثم فإنها (الولايات المتحدة) قد تكون أول من يرحل". وذكر دبلوماسي بارز آخر في كابول، للوكالة، أن الدول التي عليها التزامات عسكرية أو تنموية قد تضع خططها الآن بمعزل عن الاستراتيجية الأميركية. وقال الدبلوماسي "كل دولة يتعين عليها أن تجيب على سؤال واحد... هل ينبغي علينا البقاء في أفغانستان؟".

أما حلف شمال الأطلسي، فقال إنه شاهد تقارير إعلامية تفيد بأن الولايات المتحدة تستعد لسحب آلاف الجنود من أفغانستان. ورداً على سؤال حول ما إذا كان الحلف على علم بأي تغيير في وضع القوات الأميركية وما هو تأثيره على المهمة، قالت المتحدثة باسمه، أوانا لانجيسكو، "لقد شاهدنا التقارير". لكنها أكدت أن "مشاركتنا مهمة لضمان ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين الدوليين الذين يمكن أن يهددونا في الداخل". وأشارت إلى أن الشرطة والجيش الأفغاني يتولون مسؤولية الجهود الأمنية لأكثر من أربع سنوات. وتابعت "إنهم قوة شجاعة وملتزمة وقادرة بشكل متزايد على ضمان الأمن في الانتخابات البرلمانية في وقت سابق من هذا العام".



في المقابل، بدا لافتاً الموقف الروسي القلق، بعدما كانت موسكو رحبت بالانسحاب الأميركي من سورية. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن روسيا لا تريد أي شيء من شأنه زعزعة استقرار أفغانستان، مضيفاً أن الكرملين سيتابع ما إذا كان الانسحاب سيحدث بالفعل، إذ إن تعهداً أميركياً سابقاً بالانسحاب لم يترجم إلى أفعال.

أما المعني الأبرز بهذا القرار، الحكومة الأفغانية، فحاولت التقليل من أهميته. وأكدت أن سحب "بضعة آلاف من الجنود الأجانب، لن يكون له تأثير على أمن" البلاد التي يمارس الجيش الأفغاني "سيطرته" فعلياً عليها. وقال المتحدث باسم الرئيس أشرف غني، هارون شاه انصوري، على مواقع التواصل الاجتماعي، "منذ أربع سنوات ونصف السنة، يمارس الأفغان فعلياً السيطرة الكاملة على الأمن". وأشار إلى أن سحب حوالى مائة ألف جندي أجنبي في العام 2014 أثار مخاوف من رؤية "أفغانستان تنهار"، لكن "قواتنا الأمنية الأفغانية أثبتت بفضل تضحياتها خطأ هذا التحليل وصانت سلامة أرضنا وشعبنا".

في المقابل، قال مسؤول رفيع في الحكومة الأفغانية، بحسب وكالات أنباء، إن "الانسحاب سيؤثر قطعاً على العمليات بوجه عام، لكن ينبغي لنا التريث والانتظار لنرى أي الوحدات ستعود لوطنها أولاً". فيما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمني كبير يعمل لدى منظمة دولية، أن هذه الأنباء ستهز المسؤولين الأفغان. وأضاف "نراقب كيف سيكون رد فعل النخبة وصنّاع السياسة الأفغان تجاه ذلك".

لكن المحلل الأمني الأفغاني إسماعيل وزيري، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الأمني ليس مرتبطاً بعدد الجنود الأميركيين، لأنهم قلما يشاركون في العمليات ضد المسلحين إلى جانب القوات الأفغانية، أما المهم فهو نوعية تعامل الأميركيين مع الملف الأمني الأفغاني، خصوصاً في ما يتعلق بسلاح الجو، وإذا كانت هذه بداية تتبعها قرارات أخرى، يكون هدفها التخلص من القضية الأفغانية". واعتبر أن ذلك "سيكون مقلقاً للغاية، ولا أظن أن أميركا وحلفاءها يتحمّلون ذلك، لا سيما أن روسيا على أهبة كاملة للتدخل في القضية الأفغانية وهي قد تدخّلت بصورة أو أخرى".

أما الرابح الأكبر من القرار الأميركي، فستكون حركة "طالبان". ونقلت وكالة "فرانس برس" عن قائد كبير من الحركة لم تسمه ترحيبه بالقرار. وقال "بصراحة لم نكن نتوقع استجابة فورية من جانب الأميركيين... نحن أكثر من سعداء... نتوقع المزيد من الأخبار السارة".
ورأى متخصصون في الملف الأفغاني أن القرار الأميركي هو بمثابة منح انتصار تكتيكي ضخم الحركة من دون أن تكون مرغمة على تقديم أدنى تنازل. وقال دبلوماسي أجنبي كبير لـ"فرانس برس" لم تكشف عن هويته، "إذا كنتم من حركة طالبان، فقد حل عيد الميلاد مبكراً" هذه السنة. وسأل "هل تفكرون في وقف إطلاق نار إذا سحب خصمكم الرئيسي للتو نصف قواته؟".

وجاء القرار في وقت كانت فيه واشنطن تحاول الدفع من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة "طالبان". والتقى المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، ممثلي "طالبان" مرات عدة في الأشهر الأخيرة وأنهى أخيراً جولة على المنطقة. وأعرب في وقت سابق عن أمله التوصل إلى اتفاق سلام قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في أفغانستان في أبريل/نيسان المقبل. كما عقد قبل بضعة أيام لقاءات مع ممثلي الحركة في أبوظبي من دون الخروج بأي توافقات.

ويرى مراقبون أن ترامب خسر بقرار الانسحاب ورقة كان يمكن أن يستعملها في المفاوضات مع "طالبان" التي تشترط خروج القوات الأميركية من البلاد، إلا أنه قدّم لها هذا الأمر من دون أي مقابل. وقال وزير الداخلية الأفغاني السابق، علي أحمد جلالي، لـ"العربي الجديد"، إن خروج القوات الأميركية قد يكون مطلب معظم الأفغان، لكن السؤال هو حول دوافع هذا القرار، ومقابل ماذا؟ ورأى أن الأمر إذا كان مرتبطاً بالمصالحة وإذا حصل أي توافق بهذا الشأن في الإمارات، فهذا أمر جيد لأنه لا بد أن تكون وراءه دوافع تنفع الأفغان والمنطقة بأسرها.
من جهته، وصف الأكاديمي والباحث الأفغاني ذين الله صائم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، الأمر بـ"فاتحة خير"، قائلاً إنه "سيأتي بآثار إيجابية، بغض النظر عن دوافعه لأنه مطلب الأفغان، ولأن الوجود الأميركي هو العثرة الأساسية في وجه الحوار بين الأطياف الأفغانية وتحديداً بين طالبان والحكومة"، معتبراً ذلك خطوة تشجع "طالبان" للتوجّه صوب الحوار والحل السلمي للمعضلة الأفغانية.