بشرى خليلي...طريق الهجرة بلا حدود

10 مايو 2016
معرض بشرى خليلي في الـ موما، نيويورك
+ الخط -
توزعت ثماني شاشات كبيرة ومسطحة في إحدى القاعات الواسعة لمتحف الفن الحديث "موما" (MoMA) في نيويورك. تعرض كل شاشة شريطًا مختلفًا، وفي كل شريط حكاية أخرى عن الحدود والهجرة وأحلام أصحابها. ثماني قصص تبدو للوهلة الأولى متشابهة، بسبب الإطار الفني الذي وضعت فيه. يستغرق طول كل شريط، فيديو تجهيزي، عدة دقائق، ست دقائق بالمعدل، باستثناء واحد يستمر حوالى 12 دقيقة. يحتوي كل شريط على خارطة ورقية للعالم مثبتة على طاولة أو حائط ربما، تظهر بشكل رئيسي أوروبا ودول الشرق الأوسط وأفريقيا. تبدو الخارطة وكأنها مسرح لليد التي تتحرك أمامها وترسم النقاط والخطوط فوق أسماء المدن أو القرى، التي مرّت بها والحدود التي قطعتها. خطوط متعرجة تذهب في كل الاتجاهات وتختصر في دقائق "رحلات" مرّ بها مهاجرون عبر البحار واليابسة قاطعين قارات في سبيل البحث عن حياة أفضل. هذا ما يواجه الداخل إلى القاعة، التي تحتضن عمل الفنانة المغربية الفرنسية، بشرى خليلي (1975)، الذي يحمل عنوان "مشروع رحلة التخطيط" (The Mapping Journey Project” (2008-2011“. 

ابتكار خارطة لا حدود لها

تحاول بشرى خليلي، عن طريق هذا العمل، الذي أنجزته بين عامي 2008 و2011، ابتكار خارطة جديدة لا تعرف الحدود التي ترسمها الدول، بل يقرر أشخاصها، الخروج والوصول إلى المدن التي يحلمون بها مخاطرين بذلك بحياتهم وهم يبحثون عن عالم أفضل. وقد يذهب هؤلاء شمالًا على الخريطة كي يصلوا إلى جنوب القارة الأوروبية، كما هو حال الشاب الأفغاني الذي قطع أفغانستان إلى باكستان ومن ثم إيران متجهًا إلى إسطنبول ليستمر في رحلته إلى بلغاريا وهنغاريا والنمسا وألمانيا وبلجيكا وإنجلترا، لينتقل بعدها إلى باريس ويسافر جنوبًا ويصل في نهاية المطاف إلى المدينة المنشودة؛ روما، ويقدم طلب اللجوء فيها. وبهذا ينتهي الشريط والأشرطة الأخرى التي تتحدث عن رحلات أصحابها. نقرأ في تقديم متحف الـ "موما" المرافق، أن عمل خليلي مستوحى من عمل الفرنسي ميشيل فوكو "حياة رجال غير مشهورين" 1977. إنها قصص أولئك الذين أجبرتهم ظروفهم السياسية أو الاقتصادية على الهجرة والبحث عن عالم أفضل.
لم تختر خليلي شاشات فيديو عادية، فشاشاتها الثماني عبارة عن silkscreen. تسمح هذه الشاشات بمشاهدة الشريط من الخلف كذلك، وإن كان بصورة غير واضحة تمامًا. أمام كل شاشة مقعد مع سماعات يمكن من خلالها الاستماع إلى ما يقوله كل راو. يتحدث الراوي في كل شريط بلغتهالأم؛ العربية، أو الإنجليزية لغير العرب، كالراوي الأفغاني في الشريط رقم 6. في أسفل الشاشة تظهر الترجمة الإنجليزية. لا نعرف أسماء الرواة ولا نرى وجوههم، نسمع أصواتهم ونتخيل ابتسامة مصحوبة بالأمل في نهاية بعض الأشرطة، التي يتحدث أصحابها عن وصولهم إلى المدن المنشودة ورغبتهم في الاستقرار فيها، كما قال الشاب التونسي الذي استقر في روما كذلك. لكن تلك الابتسامة المتخيلة عن المتلقي/ المشاهد لا تخلو من "فقدان" الوطن والأهل الذين تركهم خلفه وبالأخص الوالدة، حيث يقول في نهاية الشريط إنه يتمنى أن يتمكن يومًا ما من رؤيتها. وقد نتخيل إلى جانب الابتسامات، التي تحمل الأمل، تنهيدة، في تلك اللحظات التي يتحدث فيها راوية أفغاني عن قطعه الحدود التركية مشيًا على الأقدام ولأيام.
معرض بشرى خليلي - ملحق الثقافة 

الفلسطيني مهاجر من فلسطين وإليها

البعض ينتهي به المطاف في فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى القدس. التقت خليلي شخصياتها عن طريق المصادفة في أماكن عدة، ومن ثم رتبت معهم اللقاء بغية تسجيل الشريط. في أحد الأشرطة يتحدث شاب فلسطيني من رام الله عن الطريق التي عليه قطعها لرؤية صديقته، التي تعيش في القدس. فالمسافة العادية بين القدس ورام الله لا تستغرق أكثر من نصف ساعة عادة، إلا أنها تصير بالنسبة للفلسطيني، الذي معه تصريح بدخول القدس، وهم قلة، ساعات. أما من لا يمتلك تصريحاً من قوات الاحتلال، فيحتاج للذهاب إلى القدس عن طريق التهريب وقد يستغرق ذلك يوماً كاملًا.
للوهلة الأولى يبدو وضع هذه القصة ضمن القصص الأخرى غريبًا إلى حد ما، لأن بقية القصص تتحدث عن مهاجرين في حين أن الفلسطيني يذهب من فلسطين إلى فلسطين. لكن إذا أخذنا هذا الشريط أو محاولة قطع الحدود بمعناها الأوسع، تصبح وجود ومنع الفلسطيني من التنقل امتدادًا لأوضاع يشهدها الشرق الأوسط مع خصوصية كل وضع.
ولدت بشرى خليلي في الدار البيضاء في المغرب. وعاشت في فرنسا، حيث درست فيها السينما في جامعة "الـسوربون الجديدة"، كما درست الفنون المرئية في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة، سيرجي. وتعمل خليلي في مشاريعها على التوثيقي والخيالي وتحاول عن طريق التجهيزات الفنية المختلفة اللعب على حدود التوثيقي والخيال. تستخدم في أعمالها وسائط فنية متعددة بما فيها التصوير وتجهيزات الفيديو. تتناول خليلي في الكثير من مشاريعها حياة المهمشين. أقامت واشتركت في عشرات المعارض الفردية والجماعية في متاحف عديدة من العالم، منها باريس ونيويورك وبرلين وطوكيو والمغرب وغيرها.
دلالات
المساهمون