استمع إلى الملخص
- **ردود الفعل والدفاع عن الرواية**: تجاوزت الانتقادات حدود الأذواق الشخصية إلى الدعوة لمحاسبة القائمين على الجائزة، ودافع الروائي واسيني الأعرج عن الرواية، مؤكداً أن الأدب يعكس الواقع الاجتماعي القبيح.
- **إغلاق دار النشر ومسيرة الكاتبة**: أعلنت دار النشر "دار ميم" إغلاق أبوابها، وإنعام بيوض لها مسيرة أدبية حافلة تشمل الشعر والترجمة والرواية.
صدرت رواية "هوارية" للكاتبة والفنّانة التشكيلية الجزائرية إنعام بيوض في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. لكن بعض "القرّاء" لن ينتبهوا إلى أنّها تتضمّن عبارات نابيةً إلّا بعد تسعة أشهر، مع إعلان فوزها، الثلاثاء الماضي، بـ"جائزة آسيا جبّار للرواية" في دورتها التاسعة.
لم يرِد الانتباه إلى هذه الجزئية في سياق قراءة رصينة رأت، مثلاً، أنّ تلك العبارات أُقحمت في الرواية على نحوٍ لا يخدم حبكتها السردية وبنيتها الفنّية، بل ضمن حملةٍ على مواقع التواصُل الاجتماعي لمحاكمتها أخلاقياً بالاعتماد على صُوَر لصفحات منها وردت فيها بضع كلمات بذيئة ضمن حوارات بالعامّية الجزائرية، مع ترديدٍ للتهم التقليدية الجاهزة ؛ مثل "خدش الحياء العام" و"الإساءة إلى قيَم المجتمع الجزائري" و"الإساءة إلى مدينة وهران"؛ حيث تدور أحداث الرواية.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ تلك اللغة التي استخدمتها شخصياتٌ في الرواية ضمن مواضع محدَّدة تكفي للحُكم بالبذاءة على لغة النصّ بالمجمل، بل ولوصفه بـ"الرواية الإباحية"، ما يعني أنّ السواد الأعظم من المنتقدِين لم يقرأوا العمل أساساً، بل اكتفوا بإصدار أحكامهم بناءً على بضع صفحاتٍ متناقَلة على مواقع التواصل.
كأنّنا نقرأ الروايات بصوتٍ مسموع في حضور جميع أفراد العائلة
ولم يكتفِ بعض المنتقدين بالتعبير عن عدم استساغتهم هذه النوعية من الكتابة، وهو أمرٌ لا يُناقَش بما أنّه يدخل في إطار الأذواق الشخصية، بل تجاوزوا ذلك إلى الدعوة لمحاسَبة القائمين على الجائزة وسحبها من الكاتبة، ومطالبتها بالاعتذار أيضاً، على نحوٍ يُثير مخاوف حقيقية حول حرّية الإبداع في الجزائر.
واللافت أنّ عدداً غير قليل ممّن حاكموا الرواية بمسطرة أخلاقية محسوبون على الكتابة والأدب. وكثيرٌ منهم يشترك مع بقية المنتقدِين، ممّن قد لا يكونون قرّاء في الأساس، في المطالَبة بـ"الأدب النظيف" أو "الأدب العائلي"؛ وهذا المصطلح الجديد يُفيد بأنّ الروايات تُقرَأ بصوتٍ مسموع بحضور جميع أفراد العائلة. هذه ليست مزحةً؛ فقد تساءل أحدُهم مستنكراً: كيف تُمنح جائزةٌ لرواية لا يمكنني قراءتها مع أفراد عائلتي؟
مُدافعاً عن الرواية، كتب الروائي واسيني الأعرج في حسابه على فيسبوك: "اقرؤوا النصوص جيّداً قبل تسليط ساطور عمى البصيرة عليها"، مضيفاً: "الأدب هو ما يُنتجه الكاتب من جديد وإبداع ومعرفة جمالية من عمق القبح الاجتماعي. وأمّا قلّة الأدب فهي الجهل والاعتداء المجّاني على المبدع، واضطهاده في حريته الإبداعية الخلّاقة وحقّه التعبيري خارج دائرة الأخلاق بمعناها الساذج والضيّق".
إحدى الملاحظات المسجَّلة على "جائزة آسيا جبّار للرواية" هي عدم إرفاق الإعلان عن أسماء الفائزين بها (عادت في دورتها الحالية إلى كلّ من الهاشمي كرّاش عن روايته "1954، تلالي أوسيرم" بالأمازيغية، وعبد العزيز عثماني عن "القمر المفتَّت" بالفرنسية، إضافةً إلى إنعام بيوض عن "هوارية" باللغة العربية) بتقرير لجنة التحكيم، وهو ما تطرّقت إليه "العربي الجديد" في مقالٍ سابق. غير أنّ الجدل المستمرّ منذ ثلاثة أيام، دفع أعضاء في لجنة التحكيم إلى الكتابة عن الرواية عبر حساباتهم على فيسبوك، لتوضيح أسباب اختيارها.
في هذا السياق، قالت الناقدة والأكاديمية آمنة بلعلى إنّ إنعام بيوض كتبَت "نصّاً مختلفاً تناوَل مرحلة حرجة من تاريخ الجزائر من خلال رسم يوميات فئة اجتماعية تعيش الفقر والتهميش"، مضيفةً أنّ اللجنة رأت أنّ "الرواية محكمة في بنائها السردي ورسم شخصياتها والمكان المتعلّق بأحد أحياء وهران الغارق في الآفات الاجتماعية والعوز المادّي الذي تمّ استغلاله من أجل إثارة الأزمة التي عرفتها الجزائر في العُشرية السوداء".
ورأت بلعلى في الهجوم على الرواية "متنفّساً أيديولوجياً لأعداء الفنّ الذين يريدون أن يكتب الروائي أدباً منافقاً، ويبدو أنّ الهدف منه هو التشويش على كلّ نشاط ثقافي فاعل وتقنين الإبداع".
أعلنت دار النشر إغلاق أبوابها قائلة إنّه لا جدوى من محاربة العبث
أمّا الشاعرة والمترجمة لميس سعيدي فقالت إنّ الرواية تتناول "حقبة مهمة ومفصلية في تاريخ الجزائر الحديث، وهي حقبة الثمانينات والتسعينات، وتبحث، بذكاء وصدق وبتشريح دقيق للمجتمع، في الجذور الحقيقية للمأساة، وهي جذورٌ لا علاقة لها بالدِّين الذي تُشيد الرواية بسماحته، ولكنها جذورٌ تجد ماءها في الكبت والظلم الاقتصادي والاجتماعي الذي يقود بالضرورة إلى التطرّف والعنف"، مضيفة: "تصنع الروائية عالمها ورؤيتها من خلال مزيج ذكيّ ومتناسق بين لغة عربية فصيحة، سلسة وشفّافة وطازجة، وبين لغة عامية بمستويات مختلفة تُقدّم حيناً الموروث الشعبي، وتكشف حيناً آخر بؤس الجهل والفقر وانعكاسه على اللغة".
وفي خضمّ الهجوم المستمرّ على الرواية، أعلنت ناشرتُها "دار ميم"، لصاحبتها آسيا علي موسى، عن توقّفها ابتداءً من اليوم الأربعاء؛ حيث نشرت اليوم بياناً قالت فيه: "نُعلن أنّ ميم أغلقت أبوابها منذ اللحظة في وجه الريح وفي وجه النار.. لم نكُن إلّا دعاة سِلم ومحبّة ولم نسع لغير نشر ذلك"، مضيفةً أنّها حاولت، خلال تجربتها، أن "تُقدّم عملاً ذا قيمة فنّية وجمالية ومعرفية، أصابت وأخطأت ككلّ مُجتهد، ولكنّها قدّمت صورةً طيّبة للبلاد في كلّ المحافل، كما يعلم الجميع، لم تطمع في أكثر من ذلك، الحرص على المعنى وجدوى أن تكون في مكان وتُعطي وقتك ومالك وانتباهك له... ولكن لا معنى وجدوى من محاربة العبث".
يُذكَر أنّ إنعام بيّوض شاعرةٌ وروائية ومترجمة وفنّانة تشكيلية، تشغل حالياً منصب مدير "المعهد العربي للترجمة" في الجزائر العاصمة. "هوارية" هي روايتها الثانية بعد "السمك لا يبالي" التي صدرت عام 2003 وحازت "جائزة مالك حدّاد للرواية" في العام نفسه. من إصداراتها الأُخرى؛ في الشعر: "رسائل لم تُرسَل" (2003)، وفي الترجمة: "الترجمة الأدبية: مشاكل وحلول" (2003)، ومن ترجماتها: "الانبهار" (2002) لرشيد بوجدرة، وزياني أنوار على التاريخ: حوار مع فرانسوا بويون" (2004) لحسين زياني، و"بومهدي: فنّ الخزف في الجزائر" (2005) لعبد الكريم جيلالي، كما شاركت في كتاب جماعي بعنوان "الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل" (2016).