أموال السعودية وبديل تركيا

18 أكتوبر 2016
تقارب اقتصادي سعودي تركي محتمل (الأناضول)
+ الخط -

 

تحدثت أمس عن البدائل والخيارات المتاحة أمام مليارات السعودية المهددة في الولايات المتحدة عقب إقرار الكونغرس قانون "جاستا"، والذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة المملكة، وقلت إن كل الخيارات أصبحت مُرّة أمام صانع السياسة المالية السعودي في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي.

وخلصت إلى أن البديل الأقوى الذي بات متاحاً أمام السعودية هي تركيا التي تتوافر لديها فرص استثمارية ضخمة في كل القطاعات الاقتصادية، ومناخ جاذب للاستثمارات الخارجية، واستقرار في سوق الصرف، واحتياطي ضخم من النقد الأجنبي، ومعدلات نمو عالية تفوق معدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة، والأهم استقرار سياسي زادت قوته عقب فشل محاولة الانقلاب الفاشلة التي تمت منتصف يوليو الماضي.

وعلى الرغم من الحوادث الإرهابية المتقطعة في البلاد، والحرب الدائرة على الحدود السورية والعراقية، وتكلفة اللاجئين السوريين الضخمة، الا أن الاقتصاد التركي لا يزال الأسرع نمواً بين أقوى 20 اقتصاداً في العالم، والأكثر استقطاباً للاستثمارات الخارجية، حيث يستقطب المليارات من الخارج سواء من دول الخليج وبلدان عربية أو روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة وغيرها من دول العالم، كما استقطب نحو 36 مليون سائح في العام الماضي.

ويبدو أن السعودية باتت مقتنعة أن تركيا تمثل بديلاً مناسباً لها في إدارة أموالها، وأن تركيا قادرة على تعظيم إيرادات هذه الأموال مع توفير الحماية القانونية لها، ولذا رأينا التقارب التركي السعودي الرسمي الشديد خلال الفترة الأخيرة، فقد التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على هامش قمة العشرين التي استضافتها الصين في بداية شهر سبتمبر الماضي.

كما التقى أردوغان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف، مرتين خلال فترة زمنية قصيرة، الأولى خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والثانية في أنقرة أخيراً، وكان الملف الاقتصادي والاستثماري حاضراً وبقوة خلال اللقاءات الأخيرة التي جمعت بين كبار المسؤولين الأتراك والسعوديين.

ودلالة على هذا التقارب كان من اللافت التصريحات القوية التي أدلى بها أردوغان عقب إصدار قانون "جاستا" والتي أعرب فيها عن أسفه إثر تمرير واشنطن القانون، وقال إن تركيا ستدعم السعودية ضده، كما ستدرس مع المملكة الرد المناسب على القانون الذي يخالف المنطق على حد وصفه، وتساءل: كيف تحاسَب دول على جرائم أشخاص".

واللافت أيضاً في العلاقات بين البلدين الاتفاقات الضخمة التي وقعتها حكومة السعودية مع تركيا قبل أيام، حيث أبرمت شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، 18 مذكرة تفاهم مع شركات تركية متخصصة في توليد الطاقة الكهربائية، وبناء المطارات وإدارتها، والأعمال الإنشائية في قطاع البترول، وإنشاء الطرق.

بل إن الطرفين، السعودي والتركي، أخذا يتحدثان عن خطوات أخرى أكثر أهمية في علاقة البلدين وهي تأسيس منطقة تجارة حرة.

لكن على الرغم من كل هذه الرهانات السعودية على الاقتصاد التركي، إلا أنه يظل رهاناً محدوداً وقد لا يلبي طموحات المملكة في إدارة كل أموالها الضخمة المودعة بالخارج، فالرهان السعودي قد يكون قاصراً على الاستثمارات المشتركة والمشروعات المباشرة وإقامة مشروعات عملاقة في تركيا، خاصة وأن هناك فرصاً لا حصر لها في هذا الاقتصاد الصاعد وبقوة مثل قطاعات تكرير النفط وإنتاج الكهرباء، وبناء وتشغيل محطات الوقود، والبناء والتشييد والعقارات، والتعليم والصحة والصناعة، والزراعة، والسياحة وغيرها.

هذه تحدي، أما التحدي الآخر فيكمن في السيولة النقدية الضخمة المتوافرة لدى السعودية في الأسواق الأميركية والبالغة 750 مليار دولار، والقيود المفروضة على تحريك هذه الأموال في حال وجود رغبة في سحبها من أميركا، فهناك نحو 560 مليار دولار من هذه الأموال عبارة عن احتياطي نقدي مودع لدى المصارف الأميركية والغربية.

وحسب قواعد إدارة الأموال والاستثمارات المطبقة في العالم فإنه يجب توافر 3 عناصر في الأدوات المالية التي يتم استثمار أموال الدول بها، هي الضمان والأمان وقلة المخاطر، والعائد المناسب، وإمكانية تسييلها بسرعة، ولهذا تستثمر السعودية هذه الأموال في أدوات دين تصدر عن مجموعة الدول الثمانية الصناعية الكبرى كسندات وأذون الخزانة، أو تضعها في مصارف مركزية أو عالمية ذات تصنيف ائتماني عالٍ.

السؤال: هل يتوافر لدى الاقتصاد التركي والمصارف العاملة في تركيا القدرة على استيعاب مليارات السعودية الضخمة؟ وهل السعودية لديها استعداد لاستثمار هذه الأموال في مشروعات استثمارية، والعدول عن سياستها الحالية وهي تفضيل إيداع هذه الأموال في شكل سيولة نقدية سواء كانت ودائع أو أدوات دين كالسندات والأذون، والأهم من ذلك: هل المملكة على استعداد لسحب كل هذه المليارات من أميركا حتى ولو كان هناك تهديد حقيقي يلاحقها؟ وهل أميركا ستترك تركيا في حال سحب هذه المليارات أو حتى التلويح بسحبها؟

هذه أسئلة يجب الإجابة عنها من تركيا الساعية لجذب هذه الاستثمارات أو السعودية الباحثة عن فرص استثمار آمنة لأموالها.

المساهمون