استمع إلى الملخص
- **غياب الرقابة وتأثيره:** أدى غياب الرقابة الحكومية إلى بيع الذهب بأقل من قيمته، مما يكبد حامليه خسائر مالية كبيرة، حيث يتم الشراء من قبل تجار يمتلكون السيولة المالية في مناطق تكدس النازحين.
- **تداعيات الحرب الاقتصادية:** أكد الباحث رائد حلس أن الحرب أدت إلى تقلبات كبيرة في أسواق الذهب في غزة، حيث يتحكم التجار في الأسعار بعيدًا عن السعر العالمي، مما يزيد من تكاليف الحياة على المواطنين.
لجأت الفلسطينية، سهير زياد، النازحة من مدينة غزة إلى وسط القطاع مع زوجها وأربعة من أطفالها إلى بيع ذهبها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالعائلة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر التاسع على التوالي واستمرار معاناة النزوح في ظل قلة المساعدات وندرتها والحاجة إلى بعض المال لسداد الاحتياجات الرئيسية.
وتعتبر سهير زياد واحدة من بين أعداد كبيرة من الفلسطينيات اللاتي قررن بيع مصاغهن الذهبي من أجل توفير بعض الأموال في ظل غياب الدخل المادي وتعطل أكثر من 90% من العاملين باليومية، وعدم صرف الجهات الحكومية في غزة لدفعات مالية مقارنة مع ما كانت تصرفه سابقاً، وضعف المساعدات وقلتها التي تصل للفلسطينيين المحاصرين بالجوع والعطش في ظل الحرب.
ويواجه الفلسطينيون هذه الأيام حرب "تجويع" يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي بحقهم عبر الإدخال الشحيح للمساعدات والقوافل التجارية، ما يجعل من السلع المتوفرة في الأسواق قليلة للغاية وشحيحة.
ومع غياب فرص العمل بات الفلسطينيون يبحثون عن مدخراتهم المالية أو مصاغ زوجاتهم وبناتهم من الذهب لبيعه في الأسواق السوداء لتوفير مبالغ مالية تعمل على تلبية احتياجاتهم سواء لشراء الخيام أو المواد الغذائية.
غياب الرقابة
وانعكس غياب الرقابة الحكومية من قبل وزارة الاقتصاد بالسلب على عمليات بيع الذهب، إذ تتم بأقل من الثمن المعتاد والمتداول في الأسواق العالمية، وهو ما يكبد حامليه خسائر مالية كبيرة تضاف لخسائرهم الأخرى التي ألحقتها بهم الحرب.
وتغيب عمليات شراء الذهب بشكل شبه كامل في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي خلّفتها حرب الإبادة الإسرائيلية التي أوشكت على دخول شهرها العاشر على التوالي دون أفق بانتهاء الحرب.
وتتم عمليات الشراء من قبل بعض التجار الذين يمتلكون السيولة المالية والموجودون في بعض المناطق التي يتكدس فيها النازحون، سواء في خانيونس، جنوبي القطاع، أو منطقتي النصيرات ودير البلح، وسط القطاع.
وعادة كانت عمليات البيع والشراء تخضع لرقابة مشددة من قبل نقابة الصاغة ووزارة الاقتصاد التي تحدد الأسعار وساعات العمل اليومية وتصدر الفواتير التي توثق هذه العمليات لضبط أي مخالفات، وهو أمر متوقف منذ شهور.
بيع بالخسارة لشراء خيمة
في الأثناء، تقول النازحة سهير زياد إن زوجها الذي يعمل موظفاً حكومياً بالكاد يستطيع القيام بعمليات السحب من البنوك في ظل توقف الكثير منها بفعل تضرر الصرافات الآلية ATM جراء القصف الإسرائيلي.
وتضيف زياد في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها باعت عقداً كان زوجها قد أهداها إياه في فترة الخطوبة قبل ثلاثة أشهر بعد تكرار النزوح من مكان لآخر وعدم وجود سيولة مالية للعائلة لتوفير مكان نزوح.
وتلفت إلى أن ثمن الذهب اشترت به خيمة وبعض المستلزمات الخاصة للعائلة، فيما كان الثمن أقل بكثير من السعر الطبيعي له، وهو ما جعل الخسارة مضاعفة بعضها معنوي والآخر مادي.
ووفق النازحة الفلسطينية، فإن التاجر الذي اشتراه منها كان حاداً في الحديث معها، حيث أخبرها بأن هذا ثمنه إذا أرادت بيعه، وأنه إذا لم توافق على السعر الذي حدد لها فلن يشتريه منها، فاضطرت لبيعه.
وتسيطر حالة من الفوضى على عمليات بيع وشراء الذهب منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث اختلفت الأسعار كثيراً عن الفترات السابقة، إذ إن بعض عمليات الشراء ارتفعت أسعارها مقابل انخفاض أسعار البيع.
وفي الوضع الطبيعي تراوح أسعار الغرام الواحد من الذهب ما بين 38.5 ديناراً أردنياً و42 ديناراً، إلا أن التجار لا يلتزمون بهذه الأسعار عند شرائهم الذهب من المواطنين (الدولار = 0.71 دينار).
فترات التجويع
أما الفلسطينية هبة المشهراوي، من مدينة غزة، فلم يكن حالها مغايراً كثيراً، إذ لجأت هي الأخرى لبيع ما تمتلك من الذهب في فترات التجويع التي شهدتها المدينة لتوفير وجبات من الطعام لها ولأطفالها وعائلتها.
وتقول المشهراوي لـ"العربي الجديد"، إن حالة الحصار التي عاشها الشمال ومدينة غزة جعلت الذهب يتحول إلى كميات من الخضروات والطعام التي سعت من خلاله لسد جوعها وجوع أفراد عائلتها في ظل عدم وجود مصادر مالية.
ووفق المواطنة الفلسطينية التي تعيش في مدينة غزة، فإن أسعار المواد الغذائية المرتفعة كانت دافعاً رئيسيا لبيع مصاغها الذهبي نظراً لعدم وجود أموال كافية وضرورة توفير الطعام لا سيما للأطفال الذين يحتاجون للطعام.
وتؤكد على صعوبة البيع في مدينة غزة إلى جانب التلاعب الكبير في الأسعار من قبل الباعة الذين يعملون في ظل الحرب نظراً لعدم وجود أي رقابة، علاوة عن قلة الباعة العاملين من الأساس، وهو ما يجعلهم يتحكمون في الأسعار.
التأثر بالحرب
من جانبه، يؤكد الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي، رائد حلس، أن عمليات بيع الذهب في الأسواق خلال الحروب تتأثر بعدة عوامل، منها الاضطرابات الأمنية والاقتصادية، وبالتالي شهدت أسواق الذهب في غزة تقلبات كبيرة.
ويقول حلس لـ"العربي الجديد"، إن أسعار الذهب تأثرت نتيجة التغيرات السياسية والعسكرية بسبب الحرب الضروس التي تتعرض لها غزة والتي أدت في المحصلة إلى تدمير كافة القطاعات الاقتصادية ومقومات الحياة في غزة، وانعكس تأثيرها على الاقتصاد المحلي والمعيشة اليومية للسكان.
ويضيف الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي أن العديد من المواطنين في غزة يلجأون لبيع الذهب في الأسواق أثناء الحرب، وهو ما يعكس التحديات الاقتصادية الجسيمة التي يواجهونها بسبب تداعيات الصراع.
ويلفت إلى أن التجار يتحكمون في عمليات بيع وشراء الذهب بعيدًا عن السعر العالمي في غزة خلال الحرب، وهذا يعود لعدة عوامل، أهمها العرض والطلب المحليين، والتقلبات الأمنية والسياسية التي تؤثر على السوق المحلي، وبالتالي يرفع التجار الأسعار بشكل مبالغ فيه للاستفادة من الوضع الاستثنائي خلال الحرب، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب بشكل غير متناسب مع الأسعار العالمية.
ووفق حلس، فإن استغلال التجار والتحكم في عمليات بيع وشراء الذهب أثناء الحرب له تأثيرات خطيرة على المواطنين والاقتصاد بشكل عام، أبرزها زيادة تكاليف الحياة على المواطنين وتقليل قدرتهم على شراء الذهب كملاذ آمن لأن هناك ارتفاعا بشكل مفرط في سعر الشراء للمواطنين وانخفاضا كبيرا وحادا في سعر البيع.