معبر البوكمال وسيطرة أكبر لإيران على الاقتصاد السوري

08 نوفمبر 2019
معبر البوكمال بين العراق وسورية (Getty)
+ الخط -
تغيَّرت معالم المشهد السياسي في سورية الشهر الماضي عندما أعادت الولايات المتحدة تعديل سياستها الرسمية في المنطقة واتَّخذت خيار سحب قوات عملياتها الخاصة في شمال سورية، ومن ثم إدخال فراغ في السلطة في المنطقة، وبهذا تمكَّن نظام بشار الأسد من تعزيز عناصر السيطرة السياسية والاقتصادية على النصف الجنوبي من سورية، كما وجد هذا النظام شريكاً متعاوناً في الحكومة العراقية سمح بفتح طريق البوكمال-القائم السريع، معبر "شريان الحياة" الذي يمتد لمسافة 185 ميلاً في الحدود السورية العراقية، أمام حركة عبور البضائع والأشخاص، ويعتبر هذا المعبر بمثابة رمز للعلاقات السورية العراقية وإستراتيجية اقتصادية ناشئة بعد الحرب التي مزَّقت الاقتصاد السوري.

على الرغم من قذائف التحذير القادمة من الحكومات المجاورة والولايات المتحدة، فقد تابع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قراره بالعمل مع الحكومة السورية وفتح معبر البوكمال في 30 سبتمبر/أيلول.

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الشراكة العراقية مع نظام الأسد مثيرة للجدل، لم ينقطع سعي الحكومة العراقية إلى تعزيز اقتصاد محافظة الأنبار العراقية المجاورة لسورية بعد سنوات من الصراع الداخلي والعنف السياسي.

ومع ذلك تنطوي إعادة فتح معبر البوكمال-القائم على آثار تتجاوز الرفاهية الاقتصادية لمحافظة الأنبار، حيث سيعزِّز هذا المعبر الانتعاش السياسي والاقتصادي لنظام الأسد، فبالنسبة للاقتصاد السوري المنكوب بالتضخم والديون والصادرات المتدنية، يعتبر افتتاح المعبر فرصة تجارية مرحبا بها في الوضع الراهن المزري، كما سيقيِّد هذا المعبر فعالية الحظر والعقوبات الدولية وسيمكّن النفوذ الإيراني من خلال قوات التعبئة الشعبية الشيعية (الباسيج) في العراق من العبور إلى سورية.

لقد كانت قيمة المبادلات التجارية السورية العراقية تقدَّر بنحو 3 مليارات دولار قبل اندلاع الحرب الأهلية في سورية، لكن أدَّى إغلاق معبر البوكمال إلى شلّ الاقتصاد السوري بشدة وإعاقة إمكاناته التجارية، كما تسبَّب تدمير المنشآت الصناعية واستنزاف الموارد بشتى أنواعها خلال الحرب بتوقُّف الصادرات السورية وحصر نطاق الاقتصاد السوري في مجال الإنتاج الزراعي والفوسفات.

وازداد الطين بلة بسبب خسارة سورية للإيرادات النفطية التي شكَّلت 20% من إيرادات الحكومة خلال الفترة الممتدة ما بين 2005-2010، إضافة إلى إمدادات النفط الخام غير الكافية وضمور الطاقة الكهربية في سورية، وكل هذا أدَّى إلى خلق أزمة طاقة رهيبة في البلاد.

وبالرغم من قدرة بعض القوى التجارية في سورية على إقامة أنظمة تصنيع خاصة بها وعلاقات تجارية جديدة على مدار ثماني سنوات من الحرب في البلاد، فإنّ الحكومة السورية مازالت تكافح من أجل إنقاذ اقتصاد لا يعاني فقط من تعثُّر شديد وحظر تجاري وعقوبات دولية، بل أيضاً من انهيار الليرة السورية وانتشار أسواق المخدرات والأسلحة والنفط الخام والاتجار بالبشر غير المشروعة التي تمخَّضت عنها الحرب الأهلية والتي أدَّت إلى تفاقم انعدام القيادة السياسية والاقتصادية لاسيَّما في مختلف المقاطعات التي يسيطر عليها المتمردون.

وبالتالي توفِّر إعادة فتح معبر البوكمال مجموعة من الفرص المالية للاقتصاد السوري المنكوب، حيث يخفِّف المعبر من أزمة الوقود في بعض المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد من خلال زيادة شحنات النفط الخام والنفط المكرر.

وستؤدِّي عملية إعادة افتتاح المعبر إلى خفض أسعار الواردات بشكل كبير، مما يتيح للاقتصاد السوري تنظيم عجزه التجاري البالغ 7 مليارات دولار، وإعادة التوازن إلى بلد يعتمد بشكل كبير على المعدات العسكرية والزراعية واستغلال طرق تجارية جديدة لتجنُّب التكلفة الباهظة للعقوبات الدولية، وكنتيجة لذلك سيعزِّز فتح معبر البوكمال-القائم استمرارية مقعد الأسد في السلطة بعد الحرب.

يقتات نظام الأسد حالياً على شراكته المتنامية مع الحكومة العراقية التي تتطلَّع حالياً إلى إنشاء ممر لتبادل التدريب والنقل بين البلدين، فقد بدأ العراق في الإلحاح على القوى الفاعلة في المنطقة من أجل عودة سورية إلى المنتديات الدبلوماسية والسياسية وطلب من الجامعة العربية إعادة عضوية سورية، ومع ذلك يعتبر فتح معبر البوكمال-القائم أكبر مساهمة للعراق في حكومة الأسد من خلال تعزيز زيادة الارتباط السوري مع إيران التي تعد أحد أكبر رعاة سورية ودائنيها.

لطالما كان الطريق البري من طهران إلى البحر المتوسط هدفاً راسخاً وقديماً للحكومة الإيرانية، لذلك سيضمن فتح معبر البوكمال تعزيز مشاركة إيران السياسية والتجارية في بلاد الشام ويوفِّر لها منفذاً هاماً وجسراً برياً إلى البحر المتوسط، وتلك هي الجائزة العظمى التي ستستلمها إيران مقابل انخراطها في الحرب في سورية منذ 6 سنوات.

وسيعمل فتح هذا المعبر على تقوية الحضور الاقتصادي لإيران في المنطقة، حيث يسعى الإيرانيون للفوز بعقود لإعادة الإعمار وامتيازات أخرى لاستثمار مختلف مواردها في سورية في حقبة ما بعد الحرب، ولا يخفى على أحد عزم إيران على جني الثمار من تدخُّلها في سورية الذي كلَّفها الكثير.

وتتعطَّش إيران لإنشاء قاعدة بحرية خاصة بها على سواحل البحر الأبيض المتوسط، لذلك تعتبر الموانئ السورية الخيار الأنسب لتحقيق هذا الحلم على أرض الواقع، حيث استأجرت إيران ميناء اللاذقية السوري منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول لأغراضها الاقتصادية والعسكرية المختلفة.

ويعتبر فتح معبر البوكمال-القائم بمثابة إعادة الحياة للشريان الرابط بين إيران والعراق وسورية، حيث سيتمّ استئناف خطط إنشاء سكك حديدية تربط بين هذه الدول، فقد تمّ إطلاق هذا المشروع الاستراتيجي سنة 2011، لكنه توقَّف بسبب اندلاع الحرب السورية والأحداث الدامية التي زعزعت استقرار المنطقة. وإنشاء هذا الخط من السكك الحديدية سيمنح فرصة ذهبية أيضاً لروسيا من خلال ربطها بالبحر الأبيض المتوسط عبر سورية، وكذلك ببحر قزوين عبر المحطات البحرية الإيرانية، وستسمح تلك السكك الحديدية بالولوج السريع للنفط الإيراني والروسي إلى البحر الأبيض المتوسط.

خلاصة القول أنَّه لم يحن الوقت لتبتهج الحكومات الثلاث السورية والعراقية والإيرانية بشكل تام، فمازالت هناك عقبتان تقفان في وجه معبر البوكمال-القائم وهما معبر "اليعربية" الحدودي مع العراق المتواجد في محافظة الحسكة شمال شرق سورية والذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردي وقاعدة "التنف" الأميركية التي تمّ إنشاؤها عام 2014 بهدف محاربة تنظيم داعش، وستحرص تلك العقبتان على حرمان تلك الحكومات الثلاث من تحقيق كافة رغباتها الاقتصادية وإستراتيجيتها التجارية والاستثمارية الطويلة الأجل.
المساهمون