"8 تشان": منصّة الكراهية والتطرف اليميني والقتل الجماعي

07 اغسطس 2019
دعوات لنبذ الكراهية بعد جريمة إل باسو(مارك رالستون/فرانس برس)
+ الخط -
للمرّة الثالثة خلال عام واحد، يظهر اسم منصّة "8 تشان" مرتبطاً بكتابات لمتطرّفين يمينيين، أعلنوا فيها نيّتهم ارتكاب جرائم كراهية، لكن هذه المرّة قد تكون القاتلة للمنصّة نفسها. 

ثلاث مذابح
قبيل المذبحة التي خلّفت 51 قتيلاً من المسلمين، في اعتداءٍ إرهابي على مسجدي "النور" و"لينوود" في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، في 15 مارس/ آذار الماضي، نشر المتطرف الأسترالي برنتون تارانت "مانيفستو" من 74 صفحة، لتبرير المجزرة التي ارتكبها. وبينما وثّق جريمته في أحد المسجدين عبر فيديو مباشر مدته 17 دقيقة على "فيسبوك"، نشر على حسابه على "8 تشان" خطاباً يمينياً مليئاً بالكراهية، بالإضافة إلى رابط الفيديو المباشر. كما دعا المنفذ متابعيه عبر منصتي "تويتر" و"8 تشان" 8chan إلى نشر رسالته عبر الـ"ميمز" memes والـ"شيتبوستينغ" shitposting، وهي كلمة عامية تعني نشر كمية ضخمة من المحتوى المنخفض الجودة الخالي من المعنى على شبكة الإنترنت.

وقبل قتله شخصاً وإصابته ثلاثة بإطلاق نار على كنيس يهودي في بواي في كاليفورنيا، في إبريل/ نيسان الماضي، نشر المشتبه به "خطاباً مفتوحاً" عنصرياً معادياً للسامية على "8 تشان".

ويوم السبت الماضي، نشر المشتبه به في الهجوم الذي وقع على وول مارت في إل باسو في تكساس، والذي أودى بحياة ما لا يقل عن 20 شخصاً، خطاباً قومياً أبيض على المنصة، توزّع على أربع صفحات، واصفاً هجومه بأنه "رد على غزو المتحدرين من أصول لاتينية لتكساس". وعبّر المشتبه به في رسائل نشرها على منصة "8 تشان" عن تأييده لمنفّذ مذبحة كرايستشيرش.
وإذا تمّ تأكيد العلاقة بين المشتبه به البالغ من العمر 21 عاماً في مذبحة السبت، والوثيقة المنشورة على "8 تشان" (قالت مصادر في جهات إنفاذ القانون لـ"إن بي سي نيوز" إنّهم واثقون لدرجة معقولة من الارتباط)، فإنّ هجوم إل باسو يُمثّل المرة الثالثة التي يتمّ فيها إطلاق نار في أقل من ستة أشهر، ويتم الإعلان عنها مسبقاً على منصّة الرسائل. إذ استهدف الهجوم الأول مسلمين، والثاني يهوداً، والثالث كان يهدف لقتل لاتينيين.



ما هي "8 تشان"؟
"8 تشان" هي منصّة لوحات رسائل إلكترونيّة يُنشئها المستخدمون، ويديرها أميركي يعيش في الفيليبين. بحسب "ذا غارديان"، يمكن للمستخدمين إنشاء لوحاتهم الخاصة والإشراف عليها حول موضوعات تراوح بين الرسوم المتحركة والعملة المشفرة والسياسة وألعاب الفيديو، أو النشر على اللوحات الثابتة. يشارك الجميع تقريباً بشكل مجهول، والقاعدة الوحيدة هي أنه يجب على المستخدمين عدم نشر محتوى غير قانوني في الولايات المتحدة، مثل استغلال الأطفال والبيدوفيليا.
لكنّ التطرف كان محورياً في الهوية "8 تشان" منذ تأسيسها عام 2013 من قبل مبرمج كمبيوتر وخبير تحسين النسل فريدريك برينان. وقد نأى برينان نفسه منذ ذلك الحين عن كتاباته ومعتقداته السابقة، وقطع علاقاته مع الموقع.
تم تصميم الموقع استناداً إلى لوحة رسائل أخرى تسمى 4chan. ولكن في اختلاف رئيسي، كانت لمؤسس 4chan القدرة على حذف اللوحات الفردية، في حين كان برينان ملتزماً بـ"حرية التعبير المطلقة". وعندما حظرت 4chan حملةً ذكوريّة تتحرش بالنساء عُرفت باسم Gamergate عام 2014، اكتسبت "8 تشان" شعبية كبيرة كمنصّة انطلاق للحملة.
ظلّت "8 تشان" بمثابة مصيدة لخطاب الكراهية والتعصب، فيما الكثير من تلك المنشورات متنكّرة بطبقات من السخرية أو اللغة المشفرة التي يمكن أن تجعل التهديدات الحقيقية صعبة التمييز، تحديداً بينها وبين "الشيتبوستينغ". تم ربط الموقع بالعديد من حوادث الـ"سواتينغ" Swatting، وهو تعبير يدلّ على قيام مستخدمين مجهولين بنشر تبليغات وهميّة تهدف إلى إرسال فرق قوات التدخل السريع (Swat) إلى عنوان منزل الهدف. كما أنها موطن لنظرية مؤامرة QAnon، وهي رواية كاذبة واسعة النطاق منبثقة من حساب مجهول يعرف باسم "Q" الذي ينشر تنبؤاته على "8 تشان".



دعوات للإغلاق
أدّى التطرّف في الموقع وتقبّل الإرهابيين وعلاقته بالعنف، إلى انتشار نداءات حظر من مختلف الحكومات، فتمّ حظره بالفعل لفترة وجيزة، من قبل مقدمي خدمات الإنترنت في نيوزيلندا وأستراليا في أعقاب مذبحة كرايستشيرش.
وطوال يوم السبت الماضي، ناقش مستخدمو "8 تشان" المذبحة والمشتبه به، وأشار كثيرون إلى مطلق النار بصفته "رجلنا" مشيدين بعدد الضحايا. على أثر ذلك، دعا مؤسسه فريدريك برينان في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى إغلاقه، قائلاً إنّه "لا يفعل للعالم أي خير".
وقال برينان، الذي أسس الموقع عام 2013 قبل أن يقطع علاقاته به في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنّ للموقع "جمهوراً متقبِّلاً للإرهابيين المحليين". وأضاف: "مرة أخرى، استخدم إرهابي 8chan لنشر رسالته لأنه كان يعلم أن الناس سيحفظونها وينشرونها. المجلس هو جمهور متقبّل للإرهابيين المحليين". وأضاف أنه يتعين على مالكي الموقع "القيام بالصالح العام وإغلاقه".
ولاحقاً، بدأ النقّاد حملة ضغط على موقع "تويتر" وشركات التكنولوجيا الأخرى، لتفادي ظهور لوحة الرسائل الإلكترونيّة "8 تشان" (8chan) على تلك المنصّات. وانتشر وسم "#untwitter8chan" على "تويتر"، حيث طالب المغردون الرئيس التنفيذي للشركة، جاك دورسي، بإلغاء "8 تشان" من النظام الأساسي.





علاقة كلاودفلير
عمل "8 تشان" صعبٌ إذا لم تتلقّ الحماية من شركة "كلاودفلير" Cloudflare للأمن الإلكتروني، وهي شركة مقرها الولايات المتحدة توفر خدمات البنية التحتية للإنترنت لمواقع الويب، بما في ذلك الحماية من هجمات رفض الخدمة الموزعة (DDoS). وغالباً ما يتمّ استخدام هجمات DDoS هذه بواسطة مَن يطلقون على أنفسهم لقب "حراس الإنترنت" لمهاجمة المواقع المتطرفة.
اتخذ "كلاودفلير" منذ فترة طويلة موقفاً بأنه يجب أن يكون محايداً تجاه محتوى المنصّات التي تستفيد من خدماته، لأنه لا يتبنّى المحتوى نفسه. ولكن عام 2017، وبعد فترة وجيزة من التجمع "توحيد اليمين" في شارلوتسفيل في فرجينيا، الذي أدّى إلى سقوط ضحايا، توقف الرئيس التنفيذي للشركة ماثيو برنس، عن توفير حماية DDoS لموقع "ديلي ستورمر" الذي يؤيّد النازيين الجدد. وتم من ثم إجبار الموقع على إيقاف تشغيل الإنترنت المفتوح، وما يسمى "الويب المظلمة" - وهي مناطق من الإنترنت لا يمكن الوصول إليها باستخدام مستعرض ويب عادي. وقد عاد منذ ذلك الحين إلى شبكة الإنترنت العادية.
وواجهت "كلاودفلير" ضغوطاً عامة متجددة بسبب حمايتها لـ"8 تشان"، في أعقاب مذبحة كرايستشيرش. وفي مقابلة عبر الهاتف مع "ذا غارديان"، مساء السبت، كرر برنس اعتقاده بأنه لا ينبغي أن تتوقف كلاودفلير عن تقديم خدمات لمواقع مثل 8chan استناداً إلى محتواها.
لكن يبدو أنّ برنس بدّل موقفه. فقد أعلنت "كلاودفلير"، خدمة الأمن عبر الإنترنت التي استضافت 8chan على شبكتها، أنها ستنهي التعاقد مع المنصّة. وقال ماثيو برنس، الرئيس التنفيذي لشركة كلاودفلير، في رسالة على مدونة: "أرسلنا للتو إشعاراً بأننا ننهي التعامل مع (8 تشان) بوصفها من العملاء ابتداءً من منتصف الليل بتوقيت المحيط الهادئ".
وأضاف: "استناداً إلى الأدلة التي اطلعنا عليها، تبين أنه (المسلح) أرسل خطبة مسهبة إلى الموقع قبل بدء هجومه المروّع مباشرة في وول مارت في إل باسو الذي قتل فيه 20 شخصاً". ودافع برنس عن شركته، قائلاً إنّه بينما لم ينتهك الموقع القانون عندما لم يتدخل لتهذيب "المحتوى المفعم بالكراهية" الذي ينشره مستخدموه، إلا أنه "هيأ مناخاً يرتع فيه انتهاك روح القانون".




الخروج عن الخدمة
ليل الإثنين - الثلاثاء، تمّ إغلاق لوحة الرسائل الإلكترونية "8 تشان" (8chan) بعدما قطعت شركتان الخدمات الفنيّة الحيوية عنها. لكن سرعان ما عثرت "8 تشان" على مضيف جديد عبر الإنترنت، وهو Epik.com ومقرّه واشنطن، ويُعرّف عن نفسه بأنّه "البنك السويسري للنطاقات". ويوفر "إيبيك" دعماً مشابهاً لـ Gab.com، وهو موقع التواصل الاجتماعي المكتظّ بالمؤمنين بتفوّق العرق الأبيض، الذي لا يحظر خطاب الكراهية. و"غاب" هي المنصّة التي نشر عليها شخص هاجم كنيساً في بيتسبرغ وقتل 11، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رسالته المعادية للسامية. وتمتلك "إيبيك" أيضاً شركة الأمان بيتميغايت BitMitigate، التي تشمل قائمة عملائها موقع "دايلي ستورمر"، وهو موقع للنازيين الجدد والمؤمنين بتفوق العرق الأبيض.
ومثل كلاودفلير التي أنهت تعاقدها مع "8 تشان"، يحمي BitMitigate مواقع الويب من هجمات الحرمان من الخدمة التي يمكن أن تجعلها غير قابلة للوصول، وهو نوع من الدروع على الإنترنت التي تتطلبها لوحات الرسائل المثيرة للجدل كي تبقى موجودة.
لكنّ شركة فوكسيليتي Voxility، وهي مزوّدة أدوات وخدمات الشبكة ومقرّها لندن، أنهت تعاقدها، أمس الإثنين، مع كلّ من "إيبيك" و"بيتميغايت"، بحسب ما أعلنت نائبة رئيس تطوير الأعمال في الشركة، ماريا سيربو. وقالت: "لقد توصلنا إلى أن اثنين أو ثلاثة على الأقل من أحداث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة كانت مرتبطة بهؤلاء. في مرحلة ما، كان على شخص ما اتخاذ قرار بشأن الحدّ الأقصى بين ما هو غير شرعي وما هي حرية التعبير، واليوم نحن هذا الطرف".
وغرّد شخص يقول إنّه المسؤول عن "8 تشان"، بأنّه "يتم تطوير استراتيجيات لإعادة الخدمات عبر الإنترنت".
وفي ظل غياب التنظيم، يقع على عاتق شركات خدمات الإنترنت في الولايات المتحدة حظر الكلام الذي يعتبر "غير مقبول".