الذكاء الاصطناعي ينزع أقنعة بلطجية وأمن لوكاشينكو... مقاومة رقمية

30 سبتمبر 2020
يتم تحديد هوية الأشخاص خلف الأقنعة عبر برنامج أندرو ماكسيموف (يوتيوب)
+ الخط -

كغيره من الأنظمة والرؤساء القمعيين، ذهب الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في مواجهة حركة شارع محتج، نحو الدفع بقوات أمنية ومؤيدين له بلباس مدني يجمعهم ارتداء أقنعة سوداء حتى لا يتعرّف الناس على وجوههم. ولأن بيلاروسيا محكومة بهاجس أمني لدى رئيسها لوكاشينكو الممسك بالسلطة منذ ربع قرن، والمتهم بتزوير انتخابات 9 أغسطس/آب الماضي، بإعطاء نفسه 80 في المائة من أصوات الناخبين، فقد اعتبر منذ البداية أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تقف إلى جانب حراك الشارع، وفي الأغلب حركة نسوية قوية، فلم يقم سوى بإنزال قوات قمع، وما يُطلق عليه الشارع المنتفض بـ"مجموعات بلطجية"، مع إثارة علامات استفهام كثيرة عن الدعم الروسي للوكاشينكو، يرتدون جميعهم قبعات وألثمة تخفي وجوههم ولا يبرز منها سوى العينين. ولمواجهة هذا القمع المقنّع والمتخفي خلف أقنعة حماية شخصية الرجال الذين ينهالون بالضرب المبرح على متظاهرين من دون تفريق، أطلق البيلاروسيون مقاومة رقمية جديدة، تفضح هؤلاء المقنّعين. فقد طور الثلاثيني، أندرو ماكسيموف، برنامجا يقوم على الذكاء الاصطناعي، تنزع خوارزميته في ثوانٍ معدودة اللثام، وتكشف عن الهوية الحقيقية لحاملي الهراوات وبنادق القتل في مينسك. والبرنامج المشار إليه بدأ بالفعل بكشف شخصيات معتدين بشكل وحشي، حيث يستطيع التمييز بين "رجال بوتين، من جهاز كي جي بي سابقا، ومواطني روسيا البيضاء المشاركين في ضرب المتظاهرات"، بحسب ماكسيموف. ففي أول تطبيق للبرنامج، كشفت هوية شاب بيلاروسي في الـ29 من عمره من مينسك يشارك في قمع أبناء مدينته.


مصمم البرنامج، ماكسيموف، يُطلق على نفسه لقب "فنان رقمي" digital artist ومهمته على ما يبدو "كشف الأقنعة"، بحسب فيديو نشره على يوتيوب يوم 24 سبتمبر/أيلول الحالي، وحظي بأكثر مليون مشاهد. وما دفع ماكسيموف إلى تصميم البرنامج هو مشاهدته لسيدة بيلاروسية حاولت نزع قناع أحد رجال لوكاشينكو لكشف هويته وهو يقمع محتجين سلميين، بحسب ما يشرح الشاب على يوتيوب لمشاهديه: "فالهدف هو كشف حقيقة هوية رجال الأمن والكي جي بي الروس الذين يقومون بانتهاك القوانين بارتداء أقنعة تخفي هويتهم".


ولعبت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دورا كبيرا في فضح ممارسات رجال لوكاشينكو، ومنها تلك التي كشفت قبل أيام قليلة عن عملية إعدام شاب مدني، في مساء أحد أيام أغسطس/آب، في شارع رئيسي في مينسك، حيث استعان الناشطون بكاميرات مراقبة في أحد البيوت لفضح عملية القتل التي نفذها رجال أمن بلباس مدني ومقنعون، رغم نفي السلطات أنها من أطلق النار عليه. ويوضح "الفنان الرقمي" أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لفضح سلطات القمع، واعتبر برنامجه جزءاً من "مقاومة رقمية" في حراك الشارع المحتج على نتائج انتخابات ظل الإعلام الرسمي البيلاروسي يؤكد على فوز لوكاشينكو فيها، واتهام المعارضة في المقابل بأنها نتائج مزورة. وكثيرا ما تظهر في اللقطات الخارجة من شوارع مينسك نساء جريئات يحاولن التصدي بسلمية للمقنعين، هو ما دفع، على ما يبدو، لوكاشينكو إلى استهداف النساء أكثر، حيث شهد يوم السبت الماضي وحده اعتقال 124 امرأة محتجة في مينسك، بحسب أرقام الحركة الاحتجاجية. ويوم الأحد، شهدت شوارع مينسك اعتقال الرجال المقنعين نحو 700 متظاهر، بينهم الكثير من الشابات والسيدات اللاتي تظاهرن وحاولن حماية بعض الشبان من الاعتقال بعمل ما اشتهرن به من خلال الإحاطة بقوات القمع.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات في العاشر من أغسطس/آب الماضي، لم يفرق لوكاشينكو في استهدافه بين صحافي ومتظاهر. ونال الصحافيون المحليون والمراسلون الأجانب نصيبهم من الضرب والقمع، وسجل حتى اليوم اعتقال أكثر من 12 ألف محتج. ويلقى ألكسندر لوكاشينكو (66 عاما) دعماً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحمل الرجل سلاح كلاشينكوف بداية الشهر الحالي لإظهار مزيد من التحدي للشارع المحتج. واستقال بعض صحافيي التلفزيون الرسمي البيلاروسي احتجاجا على القمع. وككل الأنظمة القمعية التي تواجه احتجاجات شعبية، لم تتردد وسائل إعلام لوكاشينكو في إطلاق تهم العمالة، تارةً لأميركا وفي أخرى للاتحاد الأوروبي، لعشرات آلاف المحتجين، حيث شهدت مينسك نهاية الأسبوع خروج أكثر من 100 ألف متظاهر ضد استمرار الرجل في السلطة بعد 26 سنة من حكمه.
والشاب الذي طور برنامج نزع أقنعة قوات القمع، أندرو ماكسيموف، هو شاب بيلاروسي، ولد في مينسك ويعيش في الولايات المتحدة الأميركية. اعتبر برنامجه "وسيلة ضغط على الشرطة والأمن". ويؤكد أنه حريص على ألا يقع برنامج الخوارزمية الذي صممه بالأيادي الخاطئة وأن يبقى سريا. ورغم ذلك، يؤكد أن برنامجه سيستمر في العمل لأجل توثيق ما يواجهه المتظاهرون في بلاده، واعتبر أن البرنامج يتطلب بالتأكيد تعاونا "من الشجعان على الأرض، فكلما حصلنا على بيانات أكثر استطعنا إسقاط المزيد من الأقنعة، فيصبح المقنعون في مواجهة حقيقتهم أمام الجميع، بمن فيهم محيطهم الاجتماعي"، وفقاً لما نقل عنه التلفزيون الدنماركي، الأحد. وحول سؤال "أخلاقيات" استخدام التقنيات وهذا البرنامج، أكد ماكسيموف أن الأمر يتعلق بكيفية وهدف استخدام التقنيات "من أجل وقف العنف من خلال الضغط التقني، ويبدو أنه حاليا إجراء جيد"، بحسب ماكسيموف.

المساهمون