عن ترجمة تُثير ضحكاً ومرارة

26 فبراير 2019
تتراكم الترجمات الرديئة (يوتيوب)
+ الخط -
تُثير ترجمة أفلام ومسلسلات أجنبية إلى اللغة العربية ضحكًا وسخرية، ومرارة أيضًا. شاشات عديدة تبثّ ترجمات مغلوطة، ومليئة بأخطاء اللغة والصرف والنحو. طباعة الترجمة رديئة، وأحيانًا تُزال الجمل العربية بسرعة، فلا تُتاح قراءتها لمن يجهل الفرنسية أو الإنكليزية.
هذا واقع. مؤسّسات تلفزيونية عربية غير آبهة بترجمة سليمة. همّها دفع تكاليف أقلّ، فتستعين بمن لا يُدرك معنى الترجمة، وضرورة أن تعكس اللغات الأجنبية بما تتضمّنه من أقوال. يُفهم أن محطّات عربية تنصرف عن ترجمة الشتائم أو الألفاظ الجنسية أو أسماء الخمر، فتختار رديفًا يبتعد غالبًا عن المعنى الأصلي. لكن، هناك مفردات وتعابير وألفاظ أجنبية "تُناسب" المزاج العربي، أو تتلاءم وثقافته التربوية والمسلكية والمعرفية، فإذا بترجمتها العربية معطوبة، أو مغايرة للمعنى.

أسوأ من ذلك يكمن في تدخّل "المترجم" (أهو فردٌ، أو قسم متكامل، أو إدارة عليا تمتلك قواعد ثابتة تفرضها على العاملين في الترجمة؟) في سياق السرد الحكائي للعمل الأجنبي. والتدخّل متنوّع: إما يُضيف تفسيرات عن معنى ما يُقال، واضعًا إياها بين قوسين؛ وإما يُلغي الترجمة مكتفيًا بتفسيراته وموجّهًا المُتلقّي كي لا ينحرف عن الطريق المستقيمة في الحياة. كأنّ "المترجم" رقيبٌ؛ أو كأنه معنيٌّ بسلامة المتلقّي ومشاعره وتربيته، ما يجعله حريصًا على ألاّ تُشوِّه الأعمالُ الأجنبية أخلاقَه والتزاماته وتصرّفاته، وأحيانًا وعيه المعرفيّ، إذْ هناك من يُغطي الشاشة كلّها بمعلومات عن واقعة مروية في النصّ البصري الأجنبي، لـ"يحمي" المتلقّي من "شرّ" مخبّأ في طيّات النص.

هذا غير مُعمَّم. هناك مؤسّسات تجتهد في ترجمة الأعمال الأجنبية وطباعتها بشكل يليق بالمهنة أولاً، ويحترم المتلقّي والمترجم في الوقت نفسه. محطات تلفزيونية تبثّ أفلامًا ومسلسلات، بعضها منتمٍ إلى لائحة إنتاجات المنصّة الأميركية "نتفليكس" (هذا تساؤل آخر عن كيفية تمكّن هذه المحطّات من تحقيق ذلك)، في ظروف تقنية بائسة، صوتًا وصورة، بالإضافة إلى ترجماتٍ، إنْ توصف بالرداءة فهذا قليلٌ عليها. القرصنة متداولة في العالم كلّه. شركات إنتاج أساسية في "صناعة الترفيه" تعترف أنها تعجز، أحيانًا عديدة، عن حماية إنتاجاتها من الانتشار المُخالف لقانون "حماية الملكية الفكرية". والقرصنة تتمّ لحساب محطات تلفزة كهذه، أو لبيعها على أقراص "ديجيتال" لن تصمد طويلاً أمام بؤس صنعها. هنا أيضًا تبرز الترجمة كعامل إضافي للبؤس البصريّ.

في مقابل الترجمة التي تجعل النصّ البصريّ الأجنبي موؤودًا، إنْ يصح التعبير، هناك تعليمات يوردها "المترجم" أو من يقف وراءه، تستبق ما سيحدث بعض لحظات، كأن تُبثّ جملٌ كهذه: "مشهد إباحي سيظهر بعد قليل"، أو "هناك لقطات مليئة بالشتائم"، إلخ.

وهذا دافعٌ إلى التساؤل عن سبب عرض أعمال تتضمّن مشاهد ولقطات كهذه، بينما العاملون في الترجمة يُنبّهون إلى ما سيحصل متجنّبين ترجمة ما يُقال أو يُعبّر عنه في النصّ البصري الأجنبي.

مأزق الترجمة يُصيب دور نشر غير مكترثة بعملٍ صائب ينقل النصّ الأجنبي إلى اللغة العربية، بما فيها من جماليات تتفوّق، أحيانًا، على لغات أجنبية. هذا عطبٌ مزمن، وإنْ ينتبه ناشرون كثيرون إلى أهمية الترجمة، فيصونونها ويحترمونها ويُحقّقونها كما يجب. لكن ترجمة أعمال أجنبية تُبثّ على شاشات تلفزيونية لمحطّات "غريبة"، تُعاني فوضى كارثيّة، تُضاف إلى كارثة البثّ نفسه، المعطوب صوتا وصورة.
المساهمون