التسريح من العمل يلاحق السعوديين والوافدين

02 يوليو 2016
شركات كبرى تسرح نحو 40% من موظفيها (فرانس برس)
+ الخط -


انعكست أزمة شركات المقاولات والإنشاءات على عدد كبير من الموظفين في القطاع الخاص في السعودية، بشكل فاق التوقعات، ولم تقتصر التداعيات على العاملين الوافدين، وإنما امتدت إلى الموظفين السعوديين، الأمر الذي انعكس سلباً على قطاعات اقتصادية عدة بسبب تراجع القدرة الشرائية وإجراءات التحوط تجاه موظفي القطاع الخاص.
واستغل الكثير من الشركات الخاصة المواد الجديدة في نظام العمل، التي باتت تسمح للشركات بفصل الموظفين من دون سبب معتبر، والاكتفاء بدفع راتب شهرين فقط.
ولا توجد أرقام رسمية للموظفين الذين تم الاستغناء عنهم، غير أن شركات عملاقة مثل "بن لادن" في قطاع المقاولات و"سعودي أوجيه" متعددة النشاطات ومنها المقاولات، أعلنت عن عمليات تسريح ضخمة.

وطاول التسريح أكثر من 70 ألف موظف في مجموعة بن لادن، منهم 12 ألفاً من السعوديين، ونحو 42 ألفاً في سعودي أوجيه، منهم نحو 14 ألف سعودي.
كما أن شركات بعيدة عن المقاولات بدأت في تسريح موظفيها، فقلصت شركة الطيار للسفر والسياحة نحو 35% من موظفيها، وغالبيتهم من السعوديين، نتيجة تغير سياسة الشركة الأكبر في البلاد في مجال السياحة، فيما أقصت شركات كبرى نحو 40% من موظفيها، كثير من هؤلاء الموظفين المستغنى عنهم قضوا سنوات طويلة في شركاتهم، ويحمل غالبيتهم شهادات عليا، وأغلبهم من السعوديين.

يقول عبدالعزيز المغلوث، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن خطورة التسريحات لا تكمن فقط في نوعيتها، وإنما في تبعاتها على الاقتصاد بشكل عام.
ويوضح المغلوث: "المثير للقلق أكثر أن غالبية التسريحات طاولت السعوديين تحديداً، لأن رواتبهم تعتبر كبيرة مقارنة بالوافدين، وبالتالي تفضل الشركة الاستغناء عنهم، مستغلة المادة 77 من نظام العمل التي باتت تعطيهم الحق في تسريح الموظف السعودي بدون سبب".
ويضيف "هناك رغبة لدى الشركات للاعتماد على العمالة الوافدة الأرخص تكلفة، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، ولن يلومهم أحد طالما أن النظام يسمح لهم بذلك، خاصة أن غالبية الشركات لم توظف السعوديين إلا للحصول على تأشيرات لاستقدام عمالة وافدة، بحكم برنامج نطاقات، الذي يمنح شركات القطاع الخاص حوافز حكومية مقابل توظيف السعوديين".

ويقول: "حتى لو حاولت وزارة العمل التدخل، فكثير من الموظفين الذين تم الاستغناء عنهم، تم إغلاق شركاتهم بالكامل، كما أن هناك أكثر من 60 ألف شركة مقاولات مهددة بالإغلاق، فيما أعلنت نحو 48 ألفا أخرى إفلاسها بالفعل، وبقية الشركات العاملة بشكل طبيعي لا تتجاوز 3 آلاف شركة، من أصل 115 ألف شركة مسجلة رسمياً في قطاع المقاولات والإنشاءات في السعودية".

ويتخوف خبراء ماليون من أن تؤدي عمليات التسريح المتسارعة إلى أزمة اقتصادية أكبر، فغالبية هؤلاء الموظفين، الذين غدوا بلا مصدر دخل، سبق وأن اقترضوا من المصارف مبالغ كبيرة.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن الشركة السعودية لمعلومات الائتمان (سمة)، فإن 92% من الموظفين السعوديين مقترضون من المصارف.
وبلغت القروض الاستهلاكية الشخصية للأفراد في السعودية بشكل لافت، خلال الربع الأول من العام الجاري، نحو 334.3 مليار ريال (89.1 مليار دولار)، وفق بيانات صادرة، في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري، عن مؤسسة النقد العربي السعودي، التي تعد بمثابة المصرف المركزي للمملكة.

كما بلغت القروض العقارية 106.3 مليارات ريال (28.3 مليار دولار)، والبطاقات الائتمانية 10.3 مليارات ريال (2.7 مليار دولار).
ويقول عبدالله باعشن، رئيس مجلس إدارة شركة "تيم ون" الاستثمارية، إن الضرر الذي سيلحق الاقتصاد السعودي جراء تنامي حالات التسريح ستكون كبيرة على المديين القصير والمتوسط، مع تراجع القدرة الشرائية في البلاد.

ويضيف باعشن لـ"العربي الجديد": "هناك تراجع كبير في بيع السيارات حتى المستعملة منها، وهبوط في مبيعات الكماليات، في ظل وجود تقديرات للمسرّحين بأكثر من 100 ألف موظف، أغلبهم مسؤولون عن أسر ويقطنون في مساكن مستأجرة، وعليهم قروض للمصارف، فكيف سيسددون كل ذلك في ظل صعوبة الحصول على وظيفة جديدة".
ولم تخرج بيانات رسمية حول عدد الموظفين الذين تم تسريحهم منذ مطلع العام الحالي، غير أن مصدرا في التأمينات الاجتماعية يقول لـ"العربي الجديد"، إن ما لا يقل عن 120 ألف موظف سعودي باتوا بلا عمل، كثير منهم من ذوي الرواتب الكبيرة، والشهادات العليا.

وبحسب تقرير حديث صادر عن شركة "جدوى للاستثمار"، فإن نسبة التعثر في تسديد مستحقات بطاقات الائتمان ارتفع بنسبة 24% في الأشهر الأربعة الأولى من 2016.
ويقول محمد القاسم، رئيس المكتب الاقتصادي الاستشاري، إن المشكلة ليست في تسريح الموظفين فقط، ولكن في صعوبة حصولهم على وظائف بديلة، بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي، مما ينعكس على المصارف التي تواجه مشكلة كبيرة في تحصيل قروضها وكل مناحي الاقتصاد.

ويضيف أن المكاتب العقارية تشكو أيضا من تأخر المستأجرين في دفع إيجاراتهم، وكذلك وكالات السيارات بدأت تطرح عروضا كبيرة على سياراتها الجديدة، فأسعار سيارات 2016 تُطرح بأسعار أقل من سيارات 2015، بالإضافة إلى الركود الكبير في العقارات التي تسجل انخفاضاً مستمراً في الصفقات منذ أواخر العام الماضي.
وبحسب الخبراء، فإن "مخاطر الإقراض في المصارف ارتفعت بشكل كبير، خاصة بالنسبة لموظفي القطاع الخاص"، مشيرين إلى أنه بينما تراجعت نسبة الفائدة لإقراض موظفي القطاع الحكومي لأقل من 2%، ارتفعت على موظفي القطاع الخاص بنحو 6.5%، كما أن مصارف كثيرة بدأت في إيقاف إصدار بطاقات الائتمان التقليدية واستبدلتها ببطاقات مدفوعة مسبقا.


المساهمون