يشير مفهوم المغرب القديم في المصادر التاريخية إلى الفترة الممتدّة بين القرن الثاني عشر قبل الميلاد مع قدوم الفينيقيين وتأسيسهم مدينة أوتيكا في تونس اليوم، وصولاً إلى القرن الخامس الميلادي مع نهاية الهيمنة الرومانية، وهو تحقيب أوروبي يقصي سكّان المنطقة عن مجرى الأحداث السياسية والتبادل الاقتصادي والكتابة.
يفترض هذا التحقيب الذي لا يزال معتمداً في الأكاديميات والمراكز البحثية وجود تجمعات حضرية على السواحل التي شهدت تنافساً بين القوى الإقليمية داخل المتوسط فقط، ويتجاهل تشكّل ممالك حافظت على استقلالها السياسي في فترات عديدة، وامتلكت أبجديتها الخاصة، ونظّمت تبادلاتها وعلاقاتها مع محيطها.
يحضر معرض "المغرب القديم... فترة ما قبل الرومان"، الذي ينظَمه "متحف التاريخ والحضارات" في الرباط، بدءاً من 25 من الشهر الماضي وحتى 17 من الشهر الجاري، كنوع من إعادة النظر في تاريخ شمال أفريقيا كمفهوم ومسار زمني.
يعود المنظّمون إلى القرن الثامن قبل الميلاد مع المملكة الموريطنية، باعتبارها المركز الحضاري لبلاد المغرب، لغاية القرن الرابع قبل الميلاد، لاستكشاف لغاتها وكتاباتها وأنظمتها السياسية والاجتماعية وطرق تجارتها وطقوسها الجنائزية.
يحتوي المعرض قطعاً أثرية من مدن مليلة والعرائش وشالة والصويرة، إبان فترة التوسّع الفينيقي غرباً، والذي كانت دوافعه تجارية، وفق الوثائق المرفقة مع المعروضات، مثل الأواني، والمبخرات، والقناديل، والأطباق، مبيناً في قسم آخر كيف انفتحت فيها موريطنية على الثقافة المتوسطية، وشهدت ولادة كيانات اجتماعية - اقتصادية جديدة منذ منتصف القرن السادس قبل الميلاد.
وتوضح الوثائق أيضاً كيف استخدمت "موريطنية" للتعبير عن أرض الموريين التي تشير إلى سكّان الغرب الأقصى في الشمال الأفريقي، والذي جرى اشتقاقها من المفردة الإغريقية "موروس" وتعني مظلم، وترجمت بدورها عن البونية (لغة القرطاجيين) من "غيرب" التي تعني غروب الشمس.
يتبنى المعرض رؤية تستند إلى مراجع تفيد بتشكيل الموريين قبائل قوية استطاعت أن تنشئ حواضر امتدت من البحر المتوسط إلى مدينة وليلي جنوباً إلى شرق الجزائر حالياً، وتعرّف بأنظمة الحكم لديهم، حيث يتمتع الملك بسلطات واسعة تسنده هيئة من المستشارين، وعدد من السفراء الذي يرسلهم إلى الدول المجاورة.
من بين المعروضات أوانٍ وعملات نقدية برونزية ترجع إلى عهد عدد من الملوك، مثل بوكوس وبطليموس وماسينيسا وجوبا الثاني، وجرار من الخزف استخدمت في تخزين الزيت والنبيذ والأسماك المملحة، إلى جانب مقتنيات تمثّل الأديان والمعتقدات المورية التي تعكس تأثيرات هلنستية وشرقية، إضافة إلى تماثيل وتمائم وقلائد اكتشفت في مقبرة جبيلة في مدينة طنجة.