لم تحظ فترة تأسيس الدولة الأردنية الحديثة بوافر بحث وتحليل لأسباب عدّة، رغم توافر مصادر مثل بعض المذكرات والوثائق لباحثين عرب وأوروبيين، والتي يمكن أن تضيء على تاريخ البلاد التي تحتفل العام الجاري بمرور مئة عام على إنشاء الحكم الملكي الذي لا يزال قائماً.
صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "يوميات عارف العارف: في إمارة شرق الأردن، 1926–1929"، والذي تتضمّن سجلّ يوميات المؤرّخ الفلسطيني (1892 – 1973) حين كان سكرتيراً عامّاً لحكومة شرق الأردن، مُعاراً من حكومة فلسطين الانتدابية، بتحقيق وتقديم المؤرّخ الأردني علي محافظة، وبضبط ودراسة أستاذ التاريخ الحديث مهند مبيضين.
تعدّ يوميات العارف "من أوائل اليوميات السياسية التي كُتبت عن تلك الفترة، وفيها يصف العارف آلية اتخاذ القرارات في ظلّ الانتداب البريطاني على شرق الأردن، والكيفية التي كانت تُدار من خلالها البلاد بين الأمير عبد الله الأول والمسؤولين الإنكليز"، بحسب بيان المركز.
لم تمنع الوظيفة السياسية للمؤلف من توجيه النقد للسلطة الحاكمة وللأمير عبد الله وسلطة الانتداب
تنقسم اليوميات إلى أربعة فصول، خُصّص كلّ منها ليومياتٍ كُتبت في عام، حيث نجد في الفصل الأول يوميات عام 1926، وفي الفصل الثاني يوميات عام 1927، وحتى الفصل الرابع الذي يشتمل على يوميات عام 1929. وقد شهدت فترة هذه اليوميات نشأة الحركة الوطنية الأردنية، وتأسيس الأحزاب السياسية الأولى، وتوقيع المعاهدة الأردنية - البريطانية في شباط/ فبراير 1928، وعقد المؤتمر الوطني الأردني الأول، والحَراك السياسي والشعبي الذي جاء في إثرها.
يكتب مبيضين في تقديمه: "تصف يوميات عارف العارف الكيفية التي كانت تُتّخذ من خلالها القرارات، ودور المعتمد البريطاني وقائد الجيش العربي البريطاني والمستشارين البريطانيين في القضاء والمالية، في إدارة البلاد واتخاذ القرارات السياسية والإدارية. كما تُبيّن دور أمير البلاد، عبد الله بن الحسين، مؤسّس الدولة الأردنية، في إدارة البلاد، وموقفه من البريطانيين وموقفهم منه أيضاً. وتصف، بصفة صريحة، دور المجلس التنفيذي في إدارة شؤون البلاد، وتهتمّ ببذور الحركة الوطنية الأردنية الأولى، وشخصيات عديدة تناولها العارف برعاية وعناية، كما تهتمّ بدور شيوخ القبائل والعشائر في مناهضة البريطانيين والسعي إلى إقناع الأمير ورئيس المجلس التنفيذي بتلبية مطالبهم المتعلقة بوضع دستور عصري للبلاد، وانتخاب مجلس نيابي يمثّل البلاد تمثيلاً سليماً، ويراقب الحكومة في كل تصرفاتها".
ويضيف "يوضح العارف في هذه اليوميات دوره في إدارة الدولة، وعلاقته الشخصية بالأمير عبد الله ورئيس المجلس التنفيذي، فضلًا عن علاقته بكبار المسؤولين البريطانيين في شرق الأردن. كما يعرض، بشيء من التفصيل، علاقته بالمثقفين وشيوخ العشائر الأردنية. ولا يتردّد في بيان تعاطفه مع الشعب الأردني خلال أعوام خدمته في شرق الأردن".
بحسب مبيضين، فإن اليوميات اشتملت في نسختها الأصلية على بعض الهوامش الشارحة والموضّحة التي وضعها العارف؛ إمّا تعريفاً ببعض الأعلام أو الأماكن والمصطلحات، أو تعليقاً على بعض الأمور في المتن، وهي التي تُركت كما وضعها مؤلِّف اليوميات من دون تمييزٍ أو تعديلٍ، على أنه تمّت إضافة ملاحظات إيضاحية في الهوامش؛ سواء كانت تعريفاً بأعلام أو أماكن، أو تحقيقاً وتوسّعاً في ما ذُكر مِن المتن.
يتابع: "دوّن العارف يومياته بالتزام توثيقي طريف، في وقته وزمانه، مؤكّداً على تثبيت مشاهداته وسرد مجريات الأحداث بدقة، ما يجعله مصدراً معاصراً للأعوام التي وثّق أخبارها، وهو في ذلك غير بعيد عن وصفه مؤرخاً له العديد من الدراسات والكتب. وهو صاحب رأي في ما يكتب، وما يرى ويسمع، كما لم تمنعه وظيفته السياسية من توجيه النقد للسلطة الحاكمة وللأمير عبد الله وسلطة الانتداب".
تُميط يوميات العارف اللثام عن كثير من القضايا الداخلية، وتفصّل الحديث عن شكل الإدارة التي نشأت في الأردن بعد عام 1921؛ إذ يقدّم العارف توثيقاً دقيقاً لأوجه النشاط السياسي والاقتصادي وتفاصيل الحكم. ويمكن القول إن يومياته تشكّل رافداً للباحثين في تاريخ الأردن في حقبة التأسيس، وإنه وقف فيها على كثير من التفاصيل. بيد أنه تناول بعض المسائل على نحو مكثّفٍ مقارنةً بتناوله بعضها الآخر. وهكذا، تشكّلت محاور اليوميات حول وصف سياسة الانتداب، والتنديد بها، ونقدها، مع عرضٍ للأحوال الاقتصادية، وحديثٍ عن البلاط الأميري، وحاشية الأمير، والنخب السياسية في الإدارة الأردنية. ولم يحِد العارف عن نزعته القومية الرافضة للانتداب والفساد، وكان يرغب في تأسيس كيان وطنيّ مثّل، بالنسبة إليه، لبنةً أولى في سبيل تحقيق النهضة العربية.