في عام 1944، ألّفت الكاتبة الإسبانية كارمن لافوريت (1921 - 2004) رواية بعنوان "لا شيء"، سرعان ما جذبت انتباه النقّاد، ونالت جوائز عديدة، لأنّ مؤلّفتها، التي كانت تبلغ من العمر حينها 23 عاماً، استطاعت أن تعكس في سردها ذي الطابع الوجودي حالة الركود والفقر بعد الحرب الأهلية الإسبانية. أُدرج العمل ضمن قائمة أفضل مئة رواية نسائية في القرن العشرين، ونُقل إلى السينما عام 1947، على يد المُخرج الإسباني إديجر نيبيه.
بعد مرور ثمانين عاماً، ها هي المُخرجة الإسبانية بياتريز خاين تنقل الرواية إلى المسرح، لتُقدَّم على خشبة "المسرح الوطني" في مدريد في سلسة عروض تتواصل حتى الثاني والعشرين من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل، وقد قام الكاتب والمُخرج المسرحي جوان ياغو بتكييف النصّ الروائي دراماتورجياً.
كلُّ ما في ديكور الخشبة يُذكّرنا بتفاصيل الرواية: غرفة جلوس في منزل من طابقين، في الطابق العلوي غرفة نوم. نمط ورق الجدران واضح. الأثاث غير منظّم. في إحدى الزوايا، تتكدّس الكراسي والصناديق ومكتب، إضافة إلى بعض الأشياء المتراكمة. على اليمين، طاولة وبيانو وأريكة ومصابيح تنبعث منها أضواء خافتة. هكذا تخيّلت المؤلّفة المنزلَ الذي ستصل إليه بطلةُ العمل أندريا؛ الفتاة التي تبلغ 18 عشر عاماً.
نحن في أيلول/ سبتمبر من عام 1939، وأندريا وصلت للتوّ إلى منزل العائلة في برشلونة لدراسة عامها الأوّل في الجامعة. لكنّ لا شيء في المنزل يشبه الجو الدافئ والسعيد الذي اختبرته وتعوّدت عليه عندما كانت طفلة. فالحرب تُغيّر لا المنازل وحسب، بل الأشخاص الذين يعيشون بين جدرانها أيضاً.
ما تغلّبت عليه البطلة في الرواية لن تستطيع تجاوُزه في المسرحية
على مدى ثلاث ساعات، لن يسمع الحضور إلّا إيقاعات تُذكّر بكّل ما يشير إلى الحرب أو ما بعدها: الأثاث والناس، إيقاع الأحلام المكسورة، النداءات اليائسة، والرغبات التي لا تتحقّق. في وسط هذه الصورة البانورامية، كيف يمكن لفتاة تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً أن تحافظ على قصّتها الخاصّة؟ وفي ظلّ الانهيارات الاجتماعية المتوالية في الأخلاق، والمعيشة، والعلاقات بين الأفراد، كيف يمكن للمرء أن يحمي أحلامه وأن يعيش دون ندبات؟
هذا هو التحدّي الذي قبلته مُخرجة العمل، حيث يبدو واضحاً الجهد الذي بذلته لإيجاد نقاط حوار بين الرواية التي كُتبت في الربع الأول من القرن العشرين وبين العالم المعاصر. وهنا نلاحظ أيضاً التدخّل في الدراماتورجيا؛ إذ إن ما استطاعت أن تتغلّب عليه أندريا في الرواية لن تستطيع تجاوُزه في المسرحية وفي العالم المُعاصر: العنف الجنسي، اللغة الذكورية، صدمة التقدّم في السنّ، خيبة أمل الحُب، والألم الناتج عن اكتشاف أنّ الحب ليس كما نحلم به عندما نكون في الثامنة عشرة.
مع ذلك، من يقرأ الرواية ويشاهد العرض سيلاحظ أن شخصية أندريا تحافظ على قطرة الضوء وعلى رغبتها في أن تكون مستقلّة في تحقيق أحلامها رغم ظروف الحياة التي تعاكسها. هذا هو صراع حياة أندريا، وهو صراع داخلي يجرى التعبير عنه عن طريق المونولوغات الطويلة بصوت البطلة، ولكنّه سيلاحظ، في الوقت نفسه، أنّه صراع جيل بكامله نشأ بعد فترة الحرب الأهلية.