ندوة "منهجيات": ماذا عن أدب اليافعين؟

19 مايو 2022
في مكتبة قطر الوطنية بالدوحة، أيار/ مايو 2019 (Getty)
+ الخط -

إذا كان أدب الطفل قد استطاع إيجاد مكان شبه ثابت على خارطة النشر والقراءة العربيَّين خلال العقدَين الماضيَين، فإنّ أدب اليافعين ربما لا يحظى بمكانة كهذه، وهو الذي ما يزال يواجه أسئلةً تعريفية من قَبيل: ما هو أدب اليافعين؟ وما عُمر اليافعين الذين يُكتب لهم أدبٌ كهذا؟

أسئلة كهذه لم تكن غريبة عن الندوة التي عقدتها مجلّة "منهجيات"، أوّل من أمس الثلاثاء، عبر تطبيق "زووم"، تحت عنوان: "حول أدب اليافعين عربياً: مبناه وعناصره ومستقبله"، بمشاركة الناشرتين منى زريقات ورناد القبّج، والكاتبين إبراهيم فرغلي وأنس أبو رحمة، في حين أدار الندوة الكاتب عبد الله البياري.

سنكتشف مع المشاركين في الندوة عدم وجود إجماع على العُمر الذي يُحَدَّد به هذا النوع الكتابيّ، إذ ثمّة مَن يقول إنّه يتوجّه إلى مَن هم بين التاسعة والثانية عشرة من العمر، في حين يرى آخرون أنه يُخاطب مَن تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والرابعة عشرة. وإذا اختلف الأمر عاماً أو عامين، فإن هنالك ثابتاً: أنّ أدب اليافعين لم يعد ذلك الأدب المكتوب للأطفال، ولم يصبح بعدُ الأدب الذي يتوجّه إلى المراهقين؛ ذلك أنّ أسئلة المرحلة العمرية التي يخاطبها هذا الأدب تختلف عن تلك التي تُطرح خلال المرحلتين الأُخريين، كما يقول الكاتب أنس أبو رحمة، الذي نشر أكثر من عمل لليافعين. 

لاحظ أبو رحمة، خلال نشأته، غياب هذا النوع من الكتب التي يمكن لها مخاطبته كيافع، وهو ما سيدفعه لاحقاً - بين أسباب أُخرى - إلى تسويد صفحات لليافعين، محاولاً قدر الإمكان تفهّم عالمهم وبنيتهم النفسية وأسئلتهم، ومتجنّباً ما يفعله البالغون عادةً: يُسقطون على اليافعين أسئلتهم الخاصّة، ويقيّدونهم بسُلطتهم، المعرفية أو الأخلاقية.

الناشرة رناد القبّج أشارت، في مداخلتها، إلى أنّ الثقافة العربية لم تكتشف أدب اليافعين قبل سنوات قليلة كما قد يُظَنّ؛ وهنا تعطي تاريخاً أقدم بكثير، حيث تربط بين ولادة هذا الحقل الكتابي وبين ولادة دار "الفتى العربي"، عام 1974، والتي جاءت بعد انتباه إلى الدَّور الذي قد تلعبه القراءة في بناء الأجيال القادمة.

لم تكتشف الثقافة العربية أدب اليافعين مؤخَّراً كما يُظنّ

لكنّ مديرة "مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعي" لاحظت، رغم ذلك، أنّ اليافعين غالباً ما لا يكون أصحاب القرار في ما يقرأونه، حيث يشتري لهم الأهل الكتبَ من دون حوار حقيقي معهم، بينما من المفترض، كما تقول، أن يُشارك اليافع، ليس فقط في اختيار المعرفة التي يريدها، بل وكذلك في صناعتها، وهي ما تعطي عليه القبّج أكثر من مثال من عملها كناشرة ومسؤولة مؤسَّسة معنية بالناشئة.

من جهته، ركّز الكاتب إبراهيم الفرغلي، الذي كتب هو الآخر أكثر من عملٍ لليافعين، على ضرورة العثور على مستوى مناسب من اللغة لمخاطبة هذه الشريحة العمرية؛ ويُضاف إلى اللغة، أيضاً، ضرورة تزويد القرّاء الناشئين بعناصر معرفية تُساعدهم من دون أن تنفّرهم أو تُفرَض عليهم، وكذلك اقتراح شخصيات وعوالم سردية مختلفة عليهم، كالانتقال من التاريخي إلى العِلمي، ومن الواقعي إلى الخياليّ المحض. وأيّاً يكن، فإن هذا النوع من الأدب، كأي أدب، ليس نقلاً أو تصويراً للواقع، بالنسبة إلى الفرغلي، بل هو خلق لعالم موازٍ له.

من أجل التخلّص من التقسيمات الجندرية التي يحيلنا إليها تعبير "أدب اليافعين" أو "أدب اليافعات"، تفضّل الناشرة منى زريقات الحديث عن أدب الناشئة. أدبٌ لم يكن موجوداً، حتى في الغرب، قبل الحرب العالمية الثانية: كان ثمّة أدب طفل، منذ القدم، لكن الكتابة لهذه المرحلة العمرية "الحرجة"، بين اثنتي عشر وأربعة عشر عاماً، لم تولَد إلّا بعد الحرب العالمية الثانية، في حين كان أبناء جيلها يبدأون حياتهم كقرّاء بتلقّف كتب للكبار، مثل أعمال طه حسين.

تُشير المتحدّثة إلى أنه لا بدّ لأدب الناشئة من أن يتحدّث اللغة المحلّية، أي اللغة التي ينمو في القارئ المحتمل، ما يستدعي مجهوداً خاصّاً من المترجمين، وما يسهّل أيضاً وصول هذا النوع من الكتب إلى موزّعيه الأبرز، على حدّ قولها: أي المدارس الحكومية والوزارات. لكنّ الحديث عن أدب الناشئة لا يحدّ الأعمال الإبداعية التي تُكتب ضمن هذا الحقل، كما تذكّر زريقات، التي تحيلنا إلى الكتب الجميلة، المكتوب لليافعين أو لغيرهم، لا حدود عُمرية لقراءتها، وهو ما استطاعت تحقيقه أعمالٌ كُتبت أساساً لمَن هم ناشئة وتحوّلت، فوراً، إلى أعمال يمكن للبالغين قراءتها، كما حدث مع سلسلة "هاري بوتر"، على سبيل المثال.

المساهمون