في حوارٍ أجراه الشاعر والروائي علاء خالد مع داود عبد السيد، ونشرته مجلّة "أمكنة" عام 2003، كشف المخرج المصري عن رغبته في كتابة الرواية التي رأى أنه تسمح بحرّية أكبر في العمل الإبداعي من السينما، بحيث "لا تنظر لرقابة أو لجمهور"، بل "تتكلّم عمّا تريد وتحبّه فقط"، وهو الطريق الذي يبحث عنه المخرج من أجل الوصول إلى "السلام" الذي يطمح إليه كفنان.
ويبدو اليوم مفاجئاً، نوعاً ما، أن نجد أن في هذا الحوار، وفي تلك المرحلة التي تبعد عن يومنا هذا نحو عشرين عاماً، بذور القرار الذي اتّخذه عبد السيد مطلع العام الماضي بالتوقّف عن إنجاز أفلام، بسبب "الجمهور الموجود حالياً" و"النوع السينمائي الذي يفضّله"، في إشارة إلى الأفلام التجارية المهيمنة منذ أعوام في مصر.
عند السابعة من مساء الثلاثاء المقبل، ينظّم "مركز جزويت القاهرة الثقافي" بالعاصمة المصرية جلسة لمناقشة وتوقيع كتاب علاء خالد "داود عبد السيد: سينما الهموم الشخصية"، الذي صدر هذا العام عن "دار المرايا للثقافة والفنون". تُقام الجلسة بحضور المؤلّف، وتناقشه فيها الأكاديمية والناقدة السينمائية سلمى مبارك.
جمع خالد في هذا الكتاب مجمل الحوارات التي أجراها مع المخرج المصري خلال أكثر من عشرين عاماً، حيث حرّرها وأعاد ترتيبها لتشكّل حواراً واحداً طويلاً "يحمل وجهة نظره في أعماله، والتجربة التي عاشها، سواء خارج أو داخل أفلامه"، وذلك في مسعى لتقصّي "الجانب الذاتي أو الشخصي الذي يتوارى وراء اسم المخرج".
وتشمل الموضوعات المطروحة في الحوار أسئلة حول نشأة عبد السيد وبداياته السينمائية، إلى جانب فهمه "الطبقي" لسينماه بوصفه "ابن طبقة متوسّطة... ليس محتاجاً إلى استعارة هموم طبقة أخرى"، إلى جانب فتْح لنقاشات حول الأخلاقي والديني في أفلامه، ودور السينما في تفنيد الصور النمطية، وعلاقتها بالذاتوية والموضوعية، على سبيل المثال.
وإلى جانب هذا الحوار المطوّل، يقدّم المؤلّف لقاءاتٍ مع "فريق العمل الذي أصبح جزءاً من تجربة داود" بعد اشتغاله معه في العديد من أفلامه، والحديث هنا عن مهندس المناظر أنسي أبو سيف، الذي يعرف المخرج منذ أيام دراستهما الجامعية، والموسيقار راجح داود، الذي أنجز مجمل الجانب الموسيقي في أفلام المخرج، منذ "الصعاليك" (1985) وحتى فيلمه الأخير "قدرات غير عادية" (2015).
يقوم الكتاب أيضاً على جانب تحليلي ونقديّ، حيث يشمل مقالات يقدّم فيها علاء خالد "قراءةً شخصية" في أعمال داود عبد السيد، باحثاً في "طرق حضوره داخل الثقافة الشخصية والثقافة العامة"، ومتوقّفاً عند العديد من الثيمات المفتاحية لفهم أعماله، مثل طريقة ابتكاره لشخصياته، أو فهمه لمسألة الزمن.