وزلزلت الأرض زلزالها...

09 فبراير 2023
+ الخط -

أيّ إنسان لم يغرق قلبه بالألم من آثار الزلزال، صور ضحايا، قصص ناجين، فيديوهات إنقاذ، أسماء وأحياء لم تصل فرق الإنقاذ إليها بعد، أسرٌ في غمضة عين صارت تسكن الشارع وتلتحف الفراغ، أشلاء ومفقودون.. بين هالك وناجٍ.

الناجي من الزلزال مصيبته أكبر من مصيبة الهالك؛ فأيّ حياة سيواصلها، ومن أي نقطة سيبدأ وسط كلّ هذا الضياع والألم والفقد؟! صور الناجين تلاحقنا في كلّ لحظة، ومشاهد الدمار، مهما توارينا عنها، تسبقنا إلى ضمائرنا، إلى نومنا وأحلامنا.

ربما هذا هو الوضع الطبيعي في الكوارث، أن توحّد الإنسانية البشر حتى يصبحوا على قلب إنسان واحد. أما غير الطبيعي، فيتمثل بموجات الغطرسة البشرية التي تموج بها وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة، كأن ينصّب أحدهم نفسه حكماً شامتاً فيمن أصابهم الزلزال ليؤكد نظرياته الفسقية بأنّ الله عزّ وجل، إنما أصاب بها تلك المناطق لما فيها من فجور وتدنيس لدين الله وإغضاب له، أن يفسّر ما حدث للضحايا بأنه مجرّد انتقام من الله عز وجل، وينتشي بشعور كبير من الشماتة، وكأنّ بينه وبينهم ثأراً عظيماً!

ما يؤسف له بالفعل، أنَّ من يحمل كلّ هذا الحقد والشماتة هو من ينصّب نفسه متحدثاً باسم الله والدين، وكأنّ الأديان ما خلقت إلا للانتقام من البشر! فيصِم الدين الذي ينتمي إليه والإله الذي يعتقد أنه يعبده بالحقد والشر والانتقام والشماتة...

أما على الجانب الآخر، فيبهرنا عبّاد الطبيعة الذين يسخرون من كلّ من يؤمن بالله، ويصفونه إما بالعجز عن حماية أوليائه المؤمنين به، أو بالخبث والتسلّط عليهم! ليصلوا في النهاية إلى الكفر بالله (العاجز والشرير) كما يرونه، ويتباهون بأنهم لا يؤمنون به، ولا يرجون خيره، ولا يصيبهم شره، لأنهم لا يؤمنون بوجوده، ويؤكدون أنّ نظريتهم الكفرية هي الإيمان الوحيد، وأنّ الإلحاد والإيمان بالطبيعة وحدها والظواهر الكونية والنظريات الفيزيائية والرياضية هي فقط من يحق لها أن تُعبَّد وتُصدَّق!

هناك من ينصّب نفسه متحدثاً باسم الله والدين، وكأنّ الأديان ما خلقت إلا للانتقام من البشر!

ما يزيد الكوارث إيلاماً، هو ما صاحبها من سخف وتحوير لها وجرف طاقة وتركيز وتعاطف الرأي العام والمتلقين عموماً، عن التعاطف مع الضحايا والتفكير في وسائل مساعدة لهم، إلى حروب جدلية ومهاترات لا إنسانية ولا مجدية.

لكل هؤلاء نقول: ليس الله عزّ وجلّ بحاجة إلى شماتتكم إنْ قرّر عقاب أحد، ولا في حاجة لتزكيتكم ليضمّ أحداً من الضحايا أو الناجين إلى "كشوفات" المبتلين لا المعاقبين. الله سبحانه وتعالى أحنّ وأرحم من الصور الشريرة التي قد يتخيّلها البعض. 

ولكل أولئك الطبيعيين، نقول: عودوا إلى إنسانيتكم قليلاً، بل كثيراً، عودوا إلى تعاطفكم مع الإنسان والأبرياء، عودوا إلى حياة مليئة بالسلام. رفقاً بأنفسكم وبالضحايا وبنا.